للملح تأثير عجيب في مختلف الأطعمة، ولكن تأثيره القوي في غيره لا قيمة له إذا بقي منفصلاً. فهل من المعقول أكل الملح لمجرّد أنّه ملح، أو شربه مع الماء لمجرّد التلذّذ بأنّه ملح؟ قد تختلف الآراء في ماهية الملح الذي نحتاج إليه في حياتنا، حتى تصبح بمذاق شهي لا غنَى لنا عنه.
عزيزي القارئ، لك أن توافقني الرأي أو تعترض أنّ الملح يكمن في هذه الحياة بحب وتقبُّل الآخرين لك، ورغبتهم الصادقة في التواصل معك، فلا يكفي أن يكون ذلك من طرف واحد فقط "وهو أنت"، لأن شعور الفرد بأنّه مرغوب فيه وبقوة، ليتبادل معاني الحياة مع الآخر، يعطيه شعوراً بالرضا، وتفاعلاً إيجابياً مع الحياة، ما يضفي عليها ملوحة لا غنَى له عنها.
الإنسان إجتماعي بطبعه، ولكنه متطلّب في تصوراته وتوقعاته، وليس كل ما يتمناه أو يسعى إليه حاضراً بالتأكيد، وقد لا يتوافق ما يتمناه مع ما يقابله، ما يُدخله في متاهاتِ الحياة التي تضعه في دوامة التساؤلات:
- هل أنا راضٍ؟
- هل أنا متوافق مع نفسي؟
- هل أنا متواصل بشكل صحي وسليم مع الآخرين؟
قد يعيش أحدنا دهراً من دون أن يحقق التواصل المتبادل الصحيح مع الآخرين، على الرغم من أنّه حاول جاهداً أن يصل إليه.
عندما يقابل أحدنا أشخاصاً جُدداً في كل مرّة، يبني في مخيلته جسوراً للتواصل مع أحدهم، مليئة بالتفاهم والتعاون والمحبة؛ رغبة منه في أن تمتد إلى أبد الدهر، لأنّه لا أجمل من تبادل الخواطر والذكريات السعيدة والتعيسة مع غيرك، ولكنه يسقط من فوق برج عالٍ، عندما يجد أن مَن توقّع أن تكون بينهما تلك الجسور أسقطه من حساباته.
فحُب وتواصُل وتوافق الآخر معك، برغبة جادة وصادقة من طرفه، هي "ملح الحياة" الحقيقي، فلا يكفي أن تكون طالباً للعلاقات والصداقات، من أجل أن تحقق التواصل المطلوب منك، بإعتبارك إجتماعياً.
حتى تشعر بالرضا الإجتماعي، يجب أن يكون ذلك الطلب متبادلاً من الطرف الآخر لك أنت بالذات؛ من أجل أن تحقّق ذاتك الإجتماعية السعيدة.
ساحة النقاش