عند أقتراب فترة الامتحانات تحدث حالة استنفار متميّزة كافة المنازل، تحمل معها أجواءً جديدة من التوتر والإنفعال، وغالباً ما تسمى هذه الفترة "طوارئ الإمتحانات". التي تعدّ من أصعب الفترات وأدقها على الطالب بشكل خاص، كما قد تحمل معها الكثير من التوتر والإضطراب والشجار والمشكلات الزوجية، والأزمات الأسرية، بشكل عام. وكثيراً ما تعلن في المنازل حالة طوارئ، حيث تلغى من خلالها خصوصية الغرف، كما تتغيّر مواعيد النوم والطعام والنزهات وأوقات مشاهدة التلفزيون، فالإمتحانات على الأبواب ومستقبل الأولاد على المحك، خاصة في المراحل الثانوية، التي تعدّ السنوات المصيرية للطالب، وتجاوزها هو الباب الأخير للوصول إلى مستقبل مهني ناجح.

تتطلب هذه الفترة حكمة في التعامل مع ضغوطها، لئلا يصاب الطالب بأعراض القلق والتوتر التي يمكن أن تهدر مجهود العام، خاصة وأن نتائج الإمتحانات تلعب دوراً لا يستهان به في رسم شخصية طالب اليوم وإنسان الغد. وتشير الدراسات النفسية الحديثة إلى أنّ كثيراً من الطلبة يعانون أعراضاً مختلفة نتيجة لهذا القلق والتوتر، فمنهم مَن يصاب بنهم كبير للأكل، وآخرون بفقدان شهية كامل. كما تشير الدراسات إلى ظهور حالات مرضية خاصة بفترات الإمتحانات، حيث يمكن أن يصاب بعض الطلاب بنوبات القيء والإسهال، أو بالأرق، إضافة إلى إمكانية حدوث حالة من النسيان يفقدون من خلالها القدرة على الإسترجاع الكامل لكافة المعلومات، فالإمتحانات تعني الخوف من المجهول، ويعتري المجتهد والمثابر قبل الكسول واللامبالي، ويحل بعد ذلك التوتر الذي يحول الأسابيع المخصصة للمراجعة والتحضير، إلى كوابيس محكومة بالضغط والإرهاق، وصولاً إلى فقدان القدرة على التركيز والإستيعاب.

- الإحباط النفسي:
ويحاول علماء النفس تسليط الضوء على فترة الإمتحانات، بغية تبيان النتائج النفسية والجسدية التي ترافقها، مع محاولة التقليل من الآثار السلبية المصاحبة لهذه الفترة المهمة، لافتين إلى أنّ مرحلة التحضير النفسي للإمتحانات، لا تقتصر فقط على الإعداد الجيِّد لها، وإنّما قبول نتائجها لاحقاً، حيث كشف أطباء نفسيون عن ذهاب ما يقارب 40% من طلاب الثانوية العامة إلى العيادات النفسية والعصبية خلال فترة الإمتحانات، بعد معاناتهم حالات الإنهيار العصبي والإحباط والإكتئاب التي تنتهي في معظم الأحيان إلى الإنتحار بسبب الفشل في الإمتحانات المدرسية. كما أشارت بعض الدراسات المتعلِّقة بهذا الموضوع إلى ظهور بعض حالات الهروب من المنزل، وتردٍ في الحالة النفسية إلى حد المرض وحدوث اضطرابات نفسية خطيرة. كما أظهرت الدراسات إقبال الطلاب، وبعض الأهالي، على تناول أدوية الإكتئاب، حيث تشهد الأسواق زيادة ملحوظة في إستخدام الأدوية المهدئة التي تعالج حالات الإكتئاب.

- الإعداد الجيِّد:
ويؤكد علماء التربية أنّ تحضير الطلاب للإمتحانات يتطلّب وعي الأهل بالدرجة الأولى، ومدى معرفتهم بقدرات أبنائهم، من خلال التربية والتعامل اليومي، مهما كانت المرحلة الدراسية التي ينتسبون إليها، لافتين إلى أنّ بعض التلاميذ يتمتع بحيوية وقدرة على الإستيعاب السريع، وبعضهم الآخر لا يجيد الدرس إلا بأسلوب بطيء، كما يفضل بعض الطلاب الدراسة في الصباح الباكر، وبالمقابل فهناك مَن لا يجيد استجماع أفكاره إلا في الأجواء الهادئة التي ترافق ساعات الليل المتأخرة، ويشير علماء التربية إلى أنّ القاعدة الذهبية الأولى التي يفترض بالأهل إلتزامها، تكمن في تحضير الأبناء نفسياً لإمتحانات نهاية العام منذ مطلعه، وذلك عبر غرس المفاهيم المساعدة بأنّ الدرس وظيفة ومسؤولية تطبق يومياً، وليس فقط قبيل الإمتحانات، موضحين أنّ التحصيل المنتظم يُسهم في التخفيف من وطأة الإمتحان بنسبة تصل إلى 80% ليصل الطلاب إلى موعد الإمتحانات بسلاسة، بعيداً عن الضغط والتوتر، مع تجنب تأجيل عملية الدرس والإستيعاب إلى اللحظات الأخيرة، التي يجب تخصيصها للمراجعة والتركيز فقط. وتوصلت بعض المدارس الإنجليزية في بريطانيا إلى إبتكار نوع جديد من التحضير لإمتحانات الأطفال في الصفوف الإبتدائية، بغية التخفيف من الرهبة التي ترافق كل تلميذ بمجرد ذكر كلمة "إمتحان"، حيث تقوم إدارة المدرسة بإرسال خطابات إلى الأهالي تطلعهم من خلالها على المواعيد المقررة لإجراء الإمتحانات، دون إبلاغ التلاميذ بذلك، وتكون مهمة الأهالي بالتالي المواظبة على الإهتمام بدروس أبنائهم، والتركيز بطريقة أكبر على المواد التي يعانون صعوبات في دراستها، ما يؤدِّي إلى إظهار الإمتحان على أنّه يوم دراسي عادي، يقوم فيه التلميذ بالكتابة والقراءة، دون أن يعي أنّه يخضع لإمتحان نهاية العام الدراسي. واعتبر الأهالي في لندن هذه الطريقة من أنجح الطرق بالنسبة للأطفال الصغار، لأنّها تجنبهم الوقوع في مشكلة الخوف التي تواكب كافة أنواع الإمتحانات، والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى خلق حالة من الكره تجاه المدرسة والمدرسين، ويلفت خبراء الأبحاث النفسية إلى حسّاسية هذه القضية، خاصة بالنسبة إلى الأطفال في السنوات الأولى من التعليم، التي تعد الأساس لمستقبل ثقافي ناجح وواعد، وعلى العكس، يمكن أن تؤدي إلى حالة من الكره الشديد للدراسة، الأمر الذي يبعد الطفل عنها، ويجعله يختلق الأعذار، والحجج المرضية لتفادي الذهاب إلى المدرسة.

- الدعم الأسري:
ويضيف علماء النفس التربوي أنّ الإمتحانات ليست وحشاً يتوجب علينا محاربته، كما يتصور بعض الناس، وإنّما مرحلة تتطلب الكثير من الإستعداد والإستيعاب القائم على الفهم، مؤكدين ضرورة قيام الأهل بإعلام أبنائهم أنّ الإمتحانات ونتائجها ليست نهاية المطاف، ومن يفشل اليوم يمكنه التعويض في ما بعد من خلال التعلُّم من أخطائه، مع الإهتمام بزرع مبدأ الثقة بالنفس لديهم، وإخبارهم أنّ المفضل لدى الأبوين هم أبناؤهما وليست الشهادة أو الدرجات، ويلفت الخبراء إلى أهمية الحفاظ على وتيرة الحياة المعتادة داخل المنزل، وعدم إقامة "معسكر مغلق" يُشعر الطالب بالضغط والإرهاب النفسي، موضحين أن أفضل وسيلة في هذه المرحلة تكمن في المحافظة على النظام الحياتي الصحي المعتاد، من خلال تناول وجبات الطعام في مواعيدها، والنوم بشكل كاف للإحتفاظ بالقدرة على التركيز، مشددين على وجوب ممارسة بعض التمارين الرياضية، إضافة إلى القيام بنزهة يومية صغيرة تسمح بالتنفس في الهواء الطلق لتجديد الطاقة. ويؤكد الخبراء أنّ الإلتزام بهذه التعليمات يُسهم في إعداد الجسم لتحمل أعباء الدراسة المكثفة, شرط ألا تصل إلى درجة الإعياء، حيث يؤدي تقويض الإيقاع اليومي وزيادة تحدي القدرات الجسدية والعقلية إلى الإنهيار والإضطرابات مع فقدان القدرة على التركيز والنوم السليم. وينصح الأطباء الطلاب باللجوء إلى بعض تقنيات الإسترخاء من خلال تمارين التركيز الكثيف على الجسم عبر التنفس العميق والبطيء، الذي يساعد على تصفية الذهن. ولا تعني هذه الاستعدادات أن تؤخذ الإمتحانات على محمل خفيف أو بسيط وسطحي، وإنّما يجب أن تعتبر فترة تجربة تظهر كفاءة التلميذ وتبلور طاقاته. إنّها تحد لابدّ منه، والإنتصار عليه هو النجاح في الحصول على أفضل معدل للعلامات، ما يعكس الجهد السنوي المبذول، ومستوى الذكاء الذي يسمح بتقويم وضع التلميذ ويحدد توجهاته المستقبلية.

- الغذاء المناسب:
يشير بعض العلماء وإختصاصيي التغذية إلى وجود ما يسمى غذاء الدماغ، الذي يُعتقد أنّه الأفضل للطلاب والتلاميذ في فترات الإمتحانات، لافتين إلى أنّ الأسماك الدهنية والخضار مثل البروكلي والفواكه مثل التوت البري والموز، تنشط الذاكرة. وبحسب محلات بيع الخضراوات في بريطانيا، فإن نسبة مبيعات الفواكه والخضراوات تزداد في فترة التحضير للإمتحانات، لاسيّما نسبة بيع الأفوكادو وجميع أنواع التوت والعنبيات. كما أثبتت التجارب التي أجريت على بعض أطفال المرحلة الإبتدائية، أن تناول الأوميغا/3 وزيت السمك، يُحسّن من أداء الأطفال في ما يخص القراءة والكتابة. ويرى بعض الباحثين أن نوعية الطعام تلعب دوراً مهماص في أداء الإنسان وتعاطيه مع مَن حوله، كما تحدد له مزاجه، وتساعده على تنشيط ذاكرته وتركيزه، ويؤكد الخبراء كذلك أهمية التنويع في وجبات الطعام، مع الإبتعاد عن الأطعمة السريعة المقلية خلال هذه الفترة، لافتين إلى أهمية التخفيف من تناول المنبهات مثل القهوة والشاي والمشروبات الغازية، مع مراعات إستهلاك كميات مناسبة من المياه، خاصة في فصل الصيف، لدورها المهم في زيادة معدل التركيز والإستيعاب.

المصدر: مقالات
Al-Resalah

الرسالة للتدريب والاستشارات.. ((عملاؤنا هم مصدر قوتنا، لذلك نسعى دائماً إلى إبداع ما هو جديد لأن جودة العمل من أهم مصادر تميزنا المهني)). www.alresalah.co

  • Currently 35/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 483 مشاهدة
نشرت فى 2 مايو 2011 بواسطة Al-Resalah

ساحة النقاش

الرسـالة للتدريب والاستشارات

Al-Resalah
مؤسسة مهنية متخصصة في مجالات التدريب والإستشارات والبحوث والدراسات، وتُعتبر أحد بيوت الخبرة متعددة التخصصات في العالم العربي.. ومقر الرسالة بالقاهرة.. إن الرسالة بمراكزها المتخصصة يُسعدها التعاون مع الجميع.. فأهلاً ومرحبا بكم.. www.alresalah.co - للتواصل والإستفسارات: 00201022958171 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,945,866