كيف نزرع الأمل؟ وكيف نصنعه؟ ذلك فنّ لا يجيده كلّ أحد، وهو إيمان راسخ لا يمتلكه إلاّ المؤمنون بدينهم أو قضاياهم.
فالإيمان والأمل توأمان، ذلك أنّ المؤمن لا يقع في اليأس حتى ولو تضاءلت أو انعدمت عوامل الأمل لديه، لأنّ اليأس (كفر): (إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف/ 87). فاليائس إماّ شاكّ بقدرة الله أو بعلمه، وكلاهما كما يقول بعض المفسِّرين.. كفر.

وإذا أردنا أن نعقد مقارنة سريعة بين ملامح (الأمل) وملامح (اليأس) فيمكن أن نلتقي بالمعاني التالية:
الأمل: إيمان، أمان، نور، ثقة، قوّة، حركة، حياة، مقاومة.
اليأس: كفر، خوف، ظلمة، فقدان للثقة، ضعف، جمود، موت، استسلام.

فما هي العوامل والدواعي التي تعزّز الأمل في نفوسنا كشباب وفتيات؟ وما هي العوامل التي تدعو إلى اليأس؟
1- المرحلة العمرية:
فمرحلة الشباب هي ربيع العمر، وهي مرحلة الأمل والتفاؤل لأنّها مرحلة الانفتاح على الحياة والمستقبل، وتحدِّي المخاطر والصعوبات، وبالتالي فهي مرحلة الخصب والنماء والعطاء.
ولذلك يُفترض أن تغيب أو تسقط من قاموس الشباب المؤمن مفردات من قبيل: الاحباط، الفشل، الطريق المسدود، اليأس، القنوط، التشأوم، التقوقع، الانكماش، انطفاء الجذوة، خمود الهمة، الانتكاسة.. وما شاكل، لتحلّ محلّها كلمات: التفاؤل، تكرار المحاولة، ربح المحاولة، إعادة الكرّة، صفحة جديدة، النهوض من جديد، العزم، الاصرار، المواصلة.. وما إلى هناك.

2- رؤية الإيجابي إلى جانب السلبي:
فالتركيز على السلبيات وحدها يعمّق معنى اليأس في النفس، فاليأس لا يرى سوى الظلمة والخيبة والخسران. إنّه كما هو الوصف التقريبي للحالة: يرى النصف الفارغ من الكأس، أماّ المتفائل فهو الذي يرى النصف المملوء منه. فليس هناك سلبي مطلق لا يخلو من إيجابيات، وليس هناك إيجابي مطلق لا يخلو من سلبيات.. وتلك هي نسبية الحياة الدنيا في كلّ شؤونها وشجونها.
إنّ الذي يرى (الألطاف الخفيّة) وهي الايجابيات غير المرئية لأيّ حدث أو مشكلة أو مصيبة.. إنسان يعيش الأمل.
والذي يرى في المتاعب والمآسي والابتلاءات وجوهاً أخرى غير وجوهها البائسة ويقول: "الخير فيما وقع" إنسان آمل يحمل استعداداً لتجاوز صدمة اللحظة المباشرة.
والذي يلحّ في طلب شيء ولم يحصل عليه، أو تأخّر حصوله عليه، وهو يقول: "لعلّ الذي أبطأ عنِّي هو خيرٌ لي لعلمه الله بعاقبة الأمور" هو الآخر إنسان يرفض الوقوع في قبضة اليأس.

3- مداولة الأيام:
فدوام الحال _ عسراً كان أو يسراً خيراً كان أو شرّاً _ من المحال. فلقد شاءت سنّة الله أن يقلّب الأيام والأحوال (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران/ 140). ولذلك قيل: "الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك، فإن كان لك فلا تبطر وإن كان عليك فاصبر".
وطالما أنّ السرّاء لا تبقى والضرّاء لا تدوم، فلنا أن نأمل أياماً هانئة طيبة. فلقد جاء رجل إلى رسول الله (ص) فقال له: لقد كانت الليلة البارحة من أشدّ الليالي نكداً عليَّ يا رسول الله (ص). فقال له الرسول (ص) ما معناه: قل الحمد لله. فقال الرجل: أقول أشدّ الليالي، وتقول الحمد لله. فقال له (ص): قل الحمد لله لأنّها مضت وانقضت، أي لم تستمر لتحوّل نهارك التالي إلى ليل آخر من المعاناة.
فهذا التحوّل الجاري والمتصرّف بشؤون الناس وأحوالهم بين سعد وشقاء وعسر ورخاء، نعمة مجهولة، فلو أدار الذي يكابد الألم عينه إلى الوراء لرأى أياماً بيضاء وليالي سعيدة، وستأتي عليه ساعات وأيام وليالي يخفّ فيها الألم أو يزول، كما لمس ذلك بالتجربة، فليس الحزن بدائم وليس الفرح بدائم.
وما يدريك فلعلّ هذا الذي تشتكي منه قد يكون قياساً بأوقات لاحقة أشدّ عسرة، هيّناً ليّناً، أو يبدو بالمقارنة مع حياة آخرين سعيداً كريماً.
فالأيام السوداء قياساً بالأيام الحالكة السوداء، تعدّ في نظر المتفائلين أياماً محتملة، بل إنّهم يبصرون شعاع الأمل في كبد الحلكة وأحشاء الظلام، فهناك شمس جنينية تمرّ بمرحلة مخاض ستولد عمّا قريب.
أي أنّهم وحسب التعبير النفسي "يمرّنون أعينهم الداخلية على مشاهدة الأمل والاستمتاع به".

4- المصائب إذا عمّت هانت:
الفرق بين الآملين واليائسين، أنّ الانسان الذي يحيا الأمل تهون مصيبته ويخفت ألمه ويهدأ قلقه، خاصّة إذا تأمّل فيما حوله فرأى أنّ هناك من يشتكي مما يشتكي منه وربّما أكثر من شكواه. أمّا اليائس فلا يرى مصيبة في الكون سوى مصيبته.
لقد عبّرت الشاعرة (الخنساء) التي بكت أخاها (صخراً) زمناً طويلاً عن هذه الحالة بقولها:
ولو لا كثرة الباكين حولي           على إخوانهم لقتلتُ نفسي
فحينما تصاب بألم وتنكب بنكبة، وتعاني من أزمة، أدر بصرك من حولك لترى أنّ المتألمين كُثر، وأنّ المنكوبين عدد لا يستهان به، وأنّ الدامعة عيونهم والمجروحة قلوبهم في ازدياد، بما ينسيك ما أنت فيه من همّ أو غمّ أو ألم.
5- لله في الكون والحياة سنن فتأمّلها:
لقد سبق القول إنّ الله تعالى يداول الأيام، أي لا يتركها على حال أبداً، فكلّ يوم هو في شأن، وقد ينقل أحدنا من درجة الأشقياء إلى درجة السعداء، نتيجة عمل صالح يقوم به، أو كلمة طيِّبة يرتجي بها رضاه.
ثمّ أنّ رحمته التي وسعت كلّ شيء، أنّه قريب من المحسنين، يقابل إحسانهم بإحسان أعظم منه، فهو سبحانه وتعالى حينما يحدِّثنا عن نجاة يونس (ع) يقول: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء/ 88). فقد نكون في قلب الحوت وتدركنا الرحمة، وفي قلب النار كإبراهيم (ع) وتدركنا الرحمة، ذلك أنّ (مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق/ 2-3).
وقد ربط سبحانه بين تغييره لما بنا نحو الأفضل بتغييرنا لأنفسنا بإتجاه الأفضل (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرّعد/ 11).
فليست حياة البؤس قدراً مقدوراً.. وليست حياة الذلّ في قبضة الظالمين مصيراً محتوماً لا يمكن تغييره.. وليس الفقر عاهة مستديمة لا يمكن علاجها.

ولقد شاءت حكمته وإرادته سبحانه وتعالى أن يجعل اليسر رفيقاً للعسر (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح/ 5-6). فراحة مع تعب، وعافية مع مرض، ورزق مع ضيق، ونجاح مع فشل، ونصر مع هزيمة.
وقد لا نرى هذا اليسر بأمّ أعيننا، فقد يكون لطفاً خفيّاً، ونعمة غير مرئية، وقد تكشف الأيام بعض أو كلّ ذلك اللطف الذي عبّر عنه القرآن بالنعم الظاهرة والباطنة.

وبناءً على ذلك كلّه، كان من بين وسائل التسلّح بالأمل (الصبر) الذي يأتي بالنتائج الطيِّبة "مَن صبر ظفر ومَن لجّ كفر". فالدعوة إلى الصبر على المصيبة (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ) (لقمان/ 17). والاعتقاد بأنّ الله يملكنا وهو قادر في أيّة لحظة أن يهلكنا (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 156). كلّ ذلك يهون وقع المصائب ويخفف كثيراً من وطأتها علينا.

6- الاطمئنان بالوعد الإلهي:
وعد الله المؤمنين والصالحين والمتّقين والعاملين وعوداً كثيرة، وهو في كلّ ما وعد صادق الوعد (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً) (النساء/ 122). والتأمّل في هذه الوعود يزرع في النفوس أشجار الأمل الظليلة.
فحينما نقرأ قوله (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) (الحج/ 38)، وقوله: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمّد/ 7)، وقوله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) (النور/ 55)، وقوله: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف/ 128)، وغيرها كثير من آيات شرح الصدر، فإننّا لا نملك إلاّ أن نعيش في بحبوحة أمل دائم لا يزول ومشرق لا يأفل.

7- الثِّقة برحمة الله:
لا تجد في الآملين إنساناً يعيش الثقة برحمة الله، وكيف يقنط والرّحمن الرّحيم يقول له: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) (الزّمر/ 53)؟ وكيف ييأس وهناك أبواب للرحمة مشرعة في اللّيل وفي النّهار؟ فباب للتوبة، وباب للمغفرة، وباب لإستجابة الدعاء.
إنّ ما هو أشدّ من اليأس نفسه، اليأس من رحمة الله التي كتبها على نفسه، والتي يتطاول لها عنق إبليس يوم القيامة، ولذا جاء في الحديث الشريف: "يبعث المقنّطون يوم القيامة مغلّبة وجوههم يعني بذلك غلبة السّواد على البياض فيُقال لهم: هؤلاء المقنّطون من رحمة الله".
إنّ رحمة الله بَلْسَم تداوى به الأمراض التي يعجز الأطباء عن علاجها.
وإنّ رحمته قوّة يستمدّ منها الضعفاء معاني الصبر والفرج والخلاص.
وهي أمن يتنزّل على القلوب الخائفة الهلعة، فيغمرها بالطمأنينة والسكينة، وهي مغفرة تنتظر التائبين المستغفرين العائدين لتكفّر عنهم سيِّئاتهم. وبالتالي فهي أمل.

8- كلّ يوم هو صفحة جديدة:
فكما أنّ النهار يتجدّد بشروق شمس يوم آخر.. تضعُ نهايةً لليل المخيّم بسواده، فكذلك يمكن أن نتعلّم الدرس من إبتسامة الشروق.. فكل يوم حادث جديد.. وصفحة لم تدشّن بعد.. تحمل في طياتها أملاً جديداً.

فكم منّا مَن يعاني من أزمة يبيت وهو يأمل الفرج في صبيحة اليوم التالي، وكم منّا مَن تؤرقه مشكلة، وإذا بنهار اليوم الجديد يبدد قلقه ويجعله ينطلق بوضع نفسيّ أفضل، وقدرة على المجابهة أكبر.

إنّ ابتسامة الشروق تقول لكلّ واحد منّا: أزح عن وجهك كآبة الليل وسحابة التشاؤم.. فأنت ابن اليوم المشرق الجديد.. أنظر إلى الأزهار في تفتّحها كأنّها مولودة للتوّ.. واستمع للعصافير في شدوها فكأنّها تشدو لأوّل مرّة، وتأمّل في حركة الحياة المتدفقة التي ترفض السكون وإلّا تأسّنت كالمياه في البركة الراكدة.

9- التفاؤل بالخير:
إنّ مقولة "تفاءلوا بالخير تجدوه" ليست مخدِّراً نفسياً.. ولا جبيرة لخواطر كسيرة، وإنّما هي إيمان يستند إلى أساس، فهي نوع من أنواع الإيحاء الذاتي، ذلك أنّ النفس كما الطفل، أوحِ لها بالألم تتألم، وأوح لها بالبهجة تبتهج.
ولكن كيف يجد الخير المتفائل بالخير؟
إنّه ينطلق من روحية الأمل التي تُبدِّد الأوهام وتذلّل العقبات، فيقول المتفائل بالخير: سأنجح في الامتحان الذي أنا مقبلٌ عليه.. استعدادي جيِّد.. سأتغلّب على المشكلة التي واجهتني بالأمس.. لديّ أكثر من حلّ.. لقد رجوت الله في هذا الأمر ولم يسبق أن طلبتُ منه فخذلني.. على أيّة حال.. أنا موطِّن نفسي لأيّ إحتمال.. وها هي ابتسامة الثقة تشرقُ بها روحي على شفتيّ.. توكّلت على الله فهو حسبي..

هذه الطريقة بالإيحاء هي التي تدعو إلى التفاؤل، فالتفاؤل ليس حركة في الفراغ، وإنّما هو حركة تستند إلى أسس.

وبعكس ذلك المتطيِّر المتشائم، فهو يوحي لنفسه بكلّ ما هو سلبي قاتم، فحتى لو كان على استعداد جيِّد لخوض الإمتحان، فإنّه يقول: لا أعتقد أنّني سأنجح.. أنا أعرف حظِّي العاثر.. الفشل حليفي.. ستكون الأسئلة صعبة لا أقدر على الإجابة عنها.. وبذلك يُضعف عزمه ويضيِّع ما لديه من إمكانيّة، ويرتبك في أثناء أداء الإمتحان حتى ليفشل فعلاً.

10- الإطمئنان بالجزاء والمكافأة:
كلّ عمل نبذل جهداً جهيداً لإنجازه وإبداعه، وكلّ هدفٍ نسعى لبلوغه، يحتاج إلى قدر كبير من التفكير والتعب والقلق والسهر وربّما تطلّب التضحية بأوقات الراحة والترويح وبأمور مهمّة، لكنّنا ونحن نعاني من إرهاق الأعصاب وإجهاد الجسد نستشعر راحة لذيذة بما سيتحقّق على أيدينا، وحينما ترى أعمالنا النور، تتبدّد كلّ تلك الأتعاب التي تقف وراءها، ويحل محلها شعور عميق بالراحة.

وقل الشيء نفسه عن الآخرة، فإنّ أعمالنا الصالحة قد تكلّفنا في الحياة الدنيا وقتاً طويلاً، ومشقّة كبيرة، وأذىً نفسياً، وآلاماً مبرّحة.. وربّما تكلِّفنا حياتنا، لكنّ ما يدعونا إلى التفاؤل واللأمل والرجاء الواسع أنّ ثمّة جزاءً عظيماً ومكافأة كبرى تقف في إنتظارنا وهي الجنّة ورضا الله سبحانه وتعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ(1) فِي سَبِيلِ اللَّهِ،
وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ،
وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا،
إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (التوبة/ 120).
(وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً،
وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا،
إِلا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (التوبة/ 121).
وجاء في الحديث: (مَن وثق بالمكافأة أجاد العمل"، وقيل أيضاً: ذهب العناد وبقي الأجر، فالمكافأة مادية كانت أم معنوية تخفِّف من الآلام والمتاعب وتبعث على النشاط والتحمّل، وتغرس في القلوب المؤمنة الأمل.
فحينما مرّ رسول الله (ص) بآل ياسر، في مطلع الدعوة الإسلامية.. ورآهم يعذّبون على أيدي عتاة المشركين خاطبهم بالقول: "صبراً آل ياسر إنّ موعدكم الجنّة" ليزرع في نفوسهم المثقلة الأمل أنّ العذاب مهما كان شديداً فهو مؤقت، وأنّ النعيم المقيم في إنتظارهم وسيقدّمون عليه قريباً.

11- الإرادة القويّة:
أصحاب الإرادة القويّة متفائلون دائماً.. آملون دائماً.. راجون دائماً.. وليس تفاؤلهم وأملهم ورجاؤهم من وحي الأحلام والتمنِّيات، وإنّما هو نابع من استعداد نفسي وروحي عالٍ لتحمّل النتائج والتبعات من جهة، وتقدير صائب للأمور "مَن فكّر قبل العمل كثُر صوابه"، وقدرة كاملة على إعطاء العمل أفضل ما يملكون من خبرة وطاقة تجربة، من جهة ثانية. وهل يحتاج الأمل حتى ينمو ويترعرع أكثر من ذلك؟
الأمل إذاً حليف الإرادات الصلبة والمقاومة العنيدة والأناة والصبر والجلد، والتصميم العازم على نيل الشيء أو بلوغ الهدف.

12- عدم الإلتفات إلى المثبِّطين:
في منعطف كلّ طريق تجدهم.. يقفون لك بالمرصاد، وكأنّ لا همّ ولا عمل لديهم سوى أن يزرعوا طريق الآملين بالألغام والأشواك.. أشواك الشكّ والريبة والبلبلة وزعزعة الثقة بما يأملون: (الَّذِينَ قَالُوا لإخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (آل عمران/ 168).
هؤلاء يزرعون.. ولكن ماذا يزرعون؟!
إنّهم يزرعون التشكيك بجدوى هذا العمل أو ذاك المشروع، وربّما يضربون لك المثل بعمل آخر فاشل حتى يقنعوك بلا جدوى ما أنت مقدم عليه.
ويزرعون الظلام حتى في طريق النور، الطرق مسدودة.. الفرص معدومة.. الظروف خانقة.. المحاولات يائسة.. التجارب السابقة أثبتت ذلك.. وما إلى ذلك.
ويزرعون الخيبة المطلقة في كلّ شيء، فكلّ شيء فاسد، وكلّ شيء سيِّئ، وكلّ شيء رديء، وكلّ عامل منافق، وكلّ مخلص انتهازي.. وهلمّ جرّاً.
وعلاوة على ذلك، فإنّهم يصوِّرون أنفسهم على أنّهم الواقعيون وأنت المثالي، وكأنّ من طبع الواقعية اليأس والتشاؤم والإحباط.
وبخلاف ذلك، فإنّ صحبة المتفائلين الراجين المؤمّلين تكسبك روحاً متفائلة ونفساً مشرقة، وعزماً أكيداً، فالطبع يستمدّ من الطبع، والتفاؤل يجرّ إلى التفاؤل، كما أنّ اليأس يجتذب اليأس.
ولذلك.. إمضِ هدفك قدماً.. آملاً.. متفائلاً.. راجياً.. واثقاً، ولا تُعر المثبطين التفاتة واحدة.
يقولون.. ماذا يقولون؟.. دعهم يقولوا.

13- التعايش مع الأمر الواقع:
قد تجد صنفاً من الناس لا يدعو حالهم إلى الأمل والتفاؤل، لكنّك ترى أنّهم متفائلون تعمر صدورهم بأمل كبير.
من هؤلاء بعض المسنين الذين أوشكوا أن يودّعوا الدار الدنيا.
فالمسنّون الإلهيون: "الذين يتّبعون مدرسة الأنبيا ويؤمنون بالمبدأ والمعاد، هؤلاء لا يصابون باليأس أبداً، لأنّهم خلقوا للحياة الأبدية الآخرة، ولن ينقرضوا بالموت، وإنّما ينتقلون من عالم الطبيعة إلى عالم آخر ويبدأون حياة جديدة. فهؤلاء رغم أنّهم يفقدون فعالياتهم الجسمية والدنيوية، إلّا أنّهم من الناحية المعنوية لن يتعرّضوا لأيّ توقّف وركود، ولن يتركوا السعي لنيل السموّ المعنوي والتكافل الروحي.. إنّهم يستفيدون من كلّ يوم من أيام الشيخوخة.. يستغفرون من الذنوب.. ويؤدّون حقوق الآخرين.. ويقومون بالفرائض الدينية بالمستحبّات منها أيضاً، ولا يتركون الواجبات الأخلاقية، وبذا ينالون رضا الله – جلّت عظمته – كما إنّ قلوبهم تطمئن بذكر الله".
ومثلهم المصابون بعاهات بدنية، أيّاً كان سبب أو شكل عاهاتهم، فلكم عايش بعض المكفوفين والصمّ وأصحاب اليد الواحدة أو العين الواحدة أو الرجل الواحدة أو الذين بلا رجلين ولا يدين، عاهاتهم فنسوها أو تناسوها ليكبر الأمل في حنايا صدورهم، ويقدّموا لأنفسهم وللحياة أشياء جميلة ونافعة أيضاً.
فلقد أخبر الأطباء عضوة في الحزب الديمقراطي الأميركي بأنّها مصابة بسرطان العظام، ومع ذلك بقيت تمارس حياتها بشكل طبيعي.. وتقول في ذلك: "إنّني أخرج كلّ يوم إلى عملي ولا أدري هل سأعود إلى منزلي أم لا.. إنّني أمارس حياتي الطبيعية وكأنّ شيئاً لم يستجدّ في حياتي"!
ولو استسلم المسنّ لشيخوخته، والمريض لمرضه، والمصاب بعاهة لعاهته، لما برز علماء وأدباء ورسّامون وفنانون وفلاسفة بارعون، رغم ما يعانونه من بعض ذلك أو كلّه.
هذه هي زراعة الأمل.. وهذه هي صناعته.
ولذلك، فمن المنصوح به أن نقرأ سِيَر العلماء والرجال العظماء والنساء العظيمات، والمشاهير من هؤلاء وهؤلاء، ليرى شبابنا وفتياتنا كيف لعب الأمل دوراً كبيراً في صياغة شخصياتهم التي ثُضرب بها المثل.

14- العمل بالتكليف الشرعي:
في الأجواء الملبّدة بالتشاؤم والقنوط والأياس، قد تلتقي بأناس يعملون ويكافحون ويدعون إلى الله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وتسألهم: لماذا لم تقعوا في هوّة اليأس كما وقع الآخرون؟ فيجيبون: نحن إنّما نعمل بتكليفنا الشرعي.
هؤلاء هم المتفائلون الآملون حقّاً.
فهم يرون أنّ الله كلّفهم بمسؤوليات شرعية لا تسقط عنهم إلّا في حدود وظروف وشروط معيّنة ليس اليأس منها بالتأكيد، وسوء وفّقوا في أداء أعمالهم، أو لم يوفّقوا فإن لسان حالهم يقول: (معذرةً إلى رَبَّكُم ولعلّهُم يَتّقُون) (الأعراف/ 36).
فما يهم هؤلاء هو العمل وليس الأرباح الآنيّة والمنافع الدنيوية (وما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وأبْقى) (الشورى/ 36). (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً) (الكهف/ 46). إنّهم يقولون: المهم أن نرحل من هذه الحياة وقد قمنا بواجباتنا على قدر ما نستطيع.
فإذا عرفت تكليفك الشرعي وعملت بموجبه، فأنت آمل متفائل راجٍ حققت أو لم تحقّق النتائج المرجوّة.

15- شرارة الزّمن:
فالزّمن عامل من عوامل انتعاش الأمل وازدهاره، فمَن يزرع اليوم قد لا يحصد غداً، بل قد يحتاج إلى وقت طويل حتى يحين موعد الحصاد. وإذا عرفنا أنّ لكلّ زرع موسم حصاد قد يطول وقد يقصر، فإنّ علينا أن لا نتعجّل الثمرة، فقطف الثمار قبل نضوجها يجعلنا لا نحصل إلّا على الفجّ منها.
فبعض السجناء والمنفيين لا يعدمون الأمل بالخلاص، والعودة إلى أوطانهم وأهليهم حتى ولو امتدّ الزمن طويلاً.
وربّما احتاجت بعض الثورات سنين أطول حتى تندلع الشرارة من جديد.
وربّما تطلّب تساقط الحكّام الطواغيت مدداً طويلة حتى تهب الشعوب للإطاحة بهم.
وربّما استغرق لقاء شعوب فصلت بينها السياسات الجائرة أعماراً طويلة.
وكما على مستوى الشعوب فكذلك على المستوى الفردي، فقد لا يتحقّق بعض ما تأمّل إلّا بعد وقت طويل.
إنّه الإنتظار الطويل، والكدح المرير، والمعاناة القاسية، والتضحيات الجسيمة،

المصدر: مقالات
Al-Resalah

الرسالة للتدريب والاستشارات.. ((عملاؤنا هم مصدر قوتنا، لذلك نسعى دائماً إلى إبداع ما هو جديد لأن جودة العمل من أهم مصادر تميزنا المهني)). www.alresalah.co

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 389 مشاهدة
نشرت فى 25 إبريل 2011 بواسطة Al-Resalah

ساحة النقاش

الرسـالة للتدريب والاستشارات

Al-Resalah
مؤسسة مهنية متخصصة في مجالات التدريب والإستشارات والبحوث والدراسات، وتُعتبر أحد بيوت الخبرة متعددة التخصصات في العالم العربي.. ومقر الرسالة بالقاهرة.. إن الرسالة بمراكزها المتخصصة يُسعدها التعاون مع الجميع.. فأهلاً ومرحبا بكم.. www.alresalah.co - للتواصل والإستفسارات: 00201022958171 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,029,466