أدعوكم للقراءة الجيده لهذا المقال.. لأنه قصة واقعيه حدثت بالفعل، وندعوا الله لكم الاستفادة منها ان شاء الله...............
أحب بطبيعتي ذكر التجارب الشخصية لقناعة ذاتية مني أنه حينما يروي المرء تجربة شخصية، فإنها تكون أصدق مثال للتعبير، فالكلمات تخرج من القلب إلى القلب مباشرة بدون وسيط أو تجميل.
وهذه تجربة شخصية مررت بها أنا وزوجتي منذ شهور قليلة، والتجربة قد تبدو بسيطة لكثير من الناس، ولكنها لشخص عاطفي تكون قاسية بعض الشيء .. تجربة الانتقال من سكن لسكن آخر.
في الواقع حينما تزوجت وقررت أن أسكن في هذا المكان لم أكن أحبه كثيراً لولا أنه كان برغبة واختيار زوجتي، وأيضاً لأنه كان قريباً من سكن أسرتها، وهي عادة طيبة لدى الأسر المترابطة في أن تفضل البنت الزواج والسكن في مكان قريب من والديها ومكان نشأتها، ولم أعترض كثيراً حيث كان المكان قريباً من مكان ولادتي ونشأتي أيضاً.
هل تدرك متعة أول شيء في حياتك؟
إن متعة أول شيء لها طعم خاص دائماً .. أول مرة تقرأ فيها بطلاقة .. أول مرة ترى فيها البحر .. أول مرة تسافر فيها خارج مصر .. أول مرة تحب .. أول مرة تتزوج .. أول مرة تنجب.
إن أول مرة دائماً لها مذاق خاص لا يُنسى بسهولة، ولذلك يحتفظ الأشخاص العاطفيون أمثالي بروابط وذكريات خاصة لمواقف محددة في حياتهم، لذلك عشقت الكاميرا وأحببت دوماً التقاط الصور الخاطفة الخالية من الإعداد والترتيب لتبقى الذكرى طبيعية على سجيتها غير مغلفة بالتظاهر.
وأول سكن سكنت فيه مع زوجتي شهد الكثير من الذكريات الجميلة التي لا تُنسى بسهولة.. ولكنه للأسف كان سكناً مؤجراً لفترة محدودة بنظام (القانون الجديد) في مصر فكان العقد موقتاً بثلاث سنوات فحسب، مع وعد من المالك بتجديد العقد حال انتهاء فترة التعاقد، وذلك لتجربة عشرتنا وسلوكنا والتزامنا.
ولله الحمد.. ولا أثني على نفسي أو زوجتي والله شهيد – كانت فترة سكننا في هذه الشقة من أفضل ما يكون، ولم يكن لنا أي مصادمات مع الجيران أو مع مالك العمارة، ولكنه أصر في نهاية المدة على رحيلنا وقرر عدم التجديد، وأخل باتفاقه.
الأمر مؤلم للغاية بالنسبة لي.. مكان ارتبطت به فترة من الزمن، وشهد أيام زواجك الأولى، وشهد مولد ابنتك، وخطواتها الأولى في الحياة، وكذلك اعتدت أنت عليه وأقلمت حياتك لتصبح هذه الحياة.. وفجأة.. تأتي رياح التغيير لتخبرك أن دوام الحال من المحال.
هذا ناهيك عن أزمة السكن التي تجتاح العالم، ومصر ليست استثناء، بل هي حالة خاصة يندر أن يجود الزمان بمثلها في أزمة السكن، وارتفاع أسعار الإيجارات بصورة جنونية، لدرجة أننا في بحثنا تعرضنا للكثير من المهازل والمهاترات والمبالغات الغير منطقية في السعر، وذلك لشقق في أماكن شعبية بسيطة .. فما بالك بالأماكن الراقية.
هذا غير عثرتي المادية في تلك الفترة وعدم استعدادي استعداد فعلي لتلبية متطلبات سكن جديد، وهذا يعني الاستدانة والبحث عن سكن في مكان جديد.
مرت هذه الأيام بمعاناة شديدة.. وكما تعلمون جميعاً.. فإن أيام الانتظار تمر بطيئة، وأيام السعادة تمر كالبرق، وأيام المهلة تمر سريعاً.. فكان الشهر يحترق في لحظات معدودة ولم يكن لدي خيارات تناسب إمكانياتي المادية في نفس المكان الذي كنا نرغب أنا وزوجتي في السكن فيه.. والكثير والكثير من المعاناة.
ولم أجد سكن يؤيني أنا وزوجتي إلا في مكان بعيد للغاية عن أهلينا وعن مكان عملي، وهو مكان لم أكن أحبه ولم أكن أتصور نفسي يوماً أسكن فيه .. ولكن الظروف هي التي تقود وليس رغباتنا .. مضينا عقد الشقة الجديدة المتناسبة مع إمكانياتنا، ولم يبق لنا سوى الانتقال ومفارقة المكان الذي قضينا به أجمل أيام حياتنا .. لحظات أول كل متعة في حياتنا.
ووسط هذه المعاناة، انتابني هم شديد ألزمني الصمت والعبوس معظم الأوقات، وأصبحت زوجتي تعاملني كالطفل الصغير الذي لم يعجبه رداءه الجديد، فتظل تمنيني بسكن جديد أفضل من الذي سكنا فيه.
ووسط هذه المعاناة، وبينما أنا جالس على جهاز الكمبيوتر أجمع شتات عملي، إذ تنادي علىّ زوجتي فجأة طالبة مني القدوم إلى المطبخ بسرعة.
ودعتني إلى النظر في حوض المطبخ لأنظر إلى أعجب منظر يمكن أن تتوقعه..
كنا في الفترة الأخيرة قد توقفنا عن استعمال حوض المطبخ، وهجرته زوجتي بعد أن جمعت كل أدوات المطبخ في علب ضخمة تمهيداً للانتقال إلى السكن الجديد.. ولكن ما رأيته في حوض المطبخ كان مشهداً عجيباً بحق.
وجدت من بين فتحة صرف الحوض.. نبتة صغيرة خضراء تخرج من بين الفتحات خضراء يانعة تلمع تحت بريق آشعة الشمس القادمة من شباك المطبخ، ليس هذا فحسب بل بدأ رأسها ينشق عن بذرة صغيرة تنبيء بنمو أكثر.
تأملت المشهد مبهوراً مشدوهاً وأنا أرى نبات ينبت في مكان لا يمكن أن تتوقعه.. أسرعت بإحضار الكاميرا والتقطت عدة صور لهذا المشهد والانبهار لم يفارقني بعد.
ووجدت نفسي أتأمل ما آل إليه حالنا، والغم الذي نشعر به، ووجدت نفسي بدون وعي أربط بين هذه النبتة الخضراء وبين حالنا، وأدركت أن الله يريد أن يرسل إلىّ رسالة مفادها: لا يمكن أن تتوقع من أين يأتي الخير.
ولم أكن أتوقع يوماً ينبت نبات في قلب صرف حوض المطبخ، وأيضاً لا أدري بجهلي عن الغيب أين الخير الذي يخبأه الله لنا.
لقد كرهت كثيراً تلك الشقة التي سكنا بها حديثاً، وكل يوم يمر عليّ بها يكشف عن معاناة جديدة في نقطة جديدة لم نكن متعودين عليها في حياتنا قبل الانتقال إليها .. وكثيراً ما آلمني ما آل إليه حالي وقضيت ليال طويلة في حزن وهم.
ولكن الله الرحيم الكريم العظيم الحنون العطوف لا ينسانا ولا يهملنا ويرسل إلينا بين الحين والحين رسائل التثبيت التي تعيننا على استمرار الحياة.. الله سبحانه وتعالي يريد أن يخبرنا أنك يا إنسان بقصور فكرك لن تصل إلى حكمة الله في خلقه وفي تدبير شئون ملكه، وربما تريد أنت ما تظنه الخير وهو غير ذلك، وربما تكره أنت شيئاً ما ظناً منك أنه شر، ثم يصبح غير ذلك.. إنه يأتي من حيث لا تتوقعه.
وكفانا حكمة في قوله سبحانة وتعالي في سورة البقرة:”وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم.. والله يعلم وأنتم لا تعلمون”
نعم.. صدق الله العظيم .. وثبتنا الله عند المحن وآرانا فيها ما يثبت به أقدامنا في طريقنا، ويحفظ قلوبنا من اليأس ويرزقنا اليقين.. آمين يارب العالمين.
ساحة النقاش