بمجرّد أن تعمل فأنت تخطط، حتى وإن غاب التخطيط الورقي فإنه باقٍ في الذهن، فلا تستطيع الانفكاك عنه، وقد جاءت التطورات العلمية بإسهامات في التخطيط حتى حوّلته إلى علم وفن. . تتكامل لتصبح مهارة.
يُعدّ التخطيط مهمة إدارية عليا في سلم المهام، و في الوقت ذاته وظائفه إدارية من أهم وظائف علم الإدارة القائمة على: التخطيط، والتنظيم، والتمويل، والموارد البشرية، الرقابة. . والتخطيط هو المحور في هذه العناصر كلها؛ لأنه يبدأ بها وينتهي، ويمر في أثنائها، فهو المحور بينها. . فمهمته لا تنتهي إلاّ بتحقيق الهدف.
ويعرّف التخطيط بأنه: "عملية أو مجموعة عمليات تتضمن وضع مجموعة من الافتراضات حول الوضع في المستقبل، ثم وضع خطة تبين الأهداف المطلوب الوصول إليها خلال فترة محددة، والإمكانات الواجب توفرها لتحقيق هذه الأهداف، وكيفية استخدام هذه الإمكانات بالكفاءة والفاعلية المطلوبة".
فالمخطّط يكون أمام عدة طرق ويبحث في أحدها. . أو في الموائمة بين بعضها عن الملائم لتنفيذ الأهداف، وهو ما يجب عليه اختباره كأساس لتنفيذ الهدف المراد تحقيقه.
إجابات واضحة.. مستقبل واضح
حينما توضع الأوراق والأفكار للتخطيط، فإنه يُجاب عن أسئلة تحدد ملامح التخطيط، فتعلم (ماذا تعمل، كيف تعمل، من يعمل)، وبالإجابة عليها تشكل الجسر الرابط بين الحاضر والمستقبل، ويعبر عنه بعضهم بأنه: تقرير حاضر لسلوك المستقبل.. فبجمع الحقائق والمعلومات تستطيع تحديد الأعمال الضرورية للوصول إلى النتائج والأهداف المرغوب فيها. وكلما كانت هذه المعلومات أدق وأوضح وأصدق كانت القرارات المترتبة عليها أقرب للصواب والواقعية، مع الأخذ بمعطيات الظروف الخارجية والمؤثرات.
يضيف بعض الإداريين سؤالاً مهماً، وهو: (ماذا لو؟). . ويقصدون به فتح خط جديد ومسار بديل فيما لو حصل خلل في التنفيذ، ويعارضه بعض الإداريين العالميين والإسلاميين خصوصًا؛ لأن وجود احتمال يعني التفكير في خطين متوازيين، وقد يورث الكسل والإهمال.
أهمية التخطيط
يذكر علماء التاريخ والحضارة أن جميع الحضارات السائدة والبائدة وُجد في بعض آثارها ملامح تخطيطية، على جميع أصعدتها السيادية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية. . والحال ذاته الآن على مستوى الدول والمؤسسات والشركات الكبرى والمتقدمة، وتزداد أهمية التخطيط عندما يستشعر الإنسان أنه بالتخطيط سيحقق النتائج الكبيرة في أزمنة وتكاليف أقل، وبالجملة فإن التخطيط يقود إلى:
أولاً: معرفة المحيطين بالمسار.. مما يؤدي إلى قيادة واضحة ووصول سريع.
ثانيًا: تحديد الإمكانات المادية والبشرية اللازمة لتنفيذ الأهداف، وبالتالي توفير الكميات والنوعيات المطلوبة، والوصول إليها بأدق المواصفات وأجودها، وأفضل العروض المتاحة.
ثالثًا: الانسجام العملي بين الأفراد والإدارات، من خلال المشي بيد واحدة إلى هدف واحد.
رابعًا: يتيح رقابة داخلية وخارجية فاعلة، ويمكن من قياس دقيق للأداء والإنجاز، ووضوح معايير الرقابة والتقييم لدى الموظف والمدير.
خامسًا: الجانب النفسي للموظف والمنظمة سيكون عاليًا لمعرفة كل الأمور وأخذها في الحسبان.
ويصنف علماء الإدارة التخطيط على ثلاثة مراحل:
تخطيط طويل الأجل، برسم السياسات العامة للمنظمة، وتحديد أنواع الأهداف المطلوب تحقيقها، وهذا من مهام الإدارات العليا.
وتخطيط متوسط يترجم هذه الأهداف إلى برامج عمل من حيث توزيع المهام والواجبات على الإدارات المختلفة، ووضع الجداول الزمنية اللازمة للتنفيذ، وفي المستويات الإشرافية تتمثل مهمة المشرفين الرئيسة في تحويل هذه الخطط والبرامج العامة إلى التطبيق العملي، وذلك بتوجيه العاملين نحو تحقيق الأهداف عن طريق تحويل الخطط والبرامج العامة إلى برامج تفصيلية.
التخطيط مهمة تكاملية
إن معايشة التخطيط واقعًا في كافة شؤون الحياة يجعل الإنسان يحس بقيمته الكونية التي جعلها الله له، فهو منتظم في سياق الفطرة التي فطر الله عليها الكائنات؛ فالشمس تجري لمستقر لها، والقمر مقدر منازل، وكل الكائنات تمشي وفق نظام واحد لا تحيد عنه، وتبنّي مشروع التخطيط أسريًا واجتماعيًا يحل الكثير من المشاكل، ويجنب الكثير من التكاليف ويربي العائلة، ويجعل المسؤولية متقاسمة، كما أنه يساعد على التكيف مع أصعب الظروف المعيشية والزمانية والمكانية، وتبقى العوارض الطارئة أمر مقدر على كل بني البشر لا محيص لهم عنه، ولكن الحكم للأعم الأغلب.
ساحة النقاش