لكي تحقق النجاح في عمل ما، عليك البدء في القيام بإنجازه، وفقاً لما خططته سابقاً، في وقته المحدد، أي لا تؤدّه قبل وقته المحدد فتوصف عندئذ بالعَجُول، ولا تؤدّه بعـد الوقت المحدد فتوصف عندئذ بالمسوّف.

كعادتي وصديقي كلما التقينا تباحثنا في أمر ما، أو قضية ما تبادلنا الآراء حولها، ولكنه فاجأني هذه المرة بأن طلب منّي أن نؤجل الحديث في أي قضية ذات شأن إلى وقت آخر، ونقضي وقتنا في حديث ليس له أهمية، نملأ به وقت لقائنا هذا، ثم نمضي، وسوف نتحدث كثيراً عندما نلتقي.

قلت له: لم أعهدك من الذين يضيعون وقتهم في كلام ليس من ورائه طائل، ولم أعهدك من المؤجلين للأعمال ولا الأقوال ذات الشأن..! فقد كنت من أشد المعجبين بعبارة 'لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد'، وكنت تطبقها في كثير من أعمالك وأقوالك.

انتبه قائلاً: أراني لم أعد أهتم بهذه العبارة.. وأصبحت أسأل نفسي: ماذا سيحدث لو أجلت عمل اليـوم إلى الغد..؟! أرى الأيام كلها قد أصبحت متشابهة..! لا يوجد تغيير..! وأتساءل أيضاً: هل لو أديت عمل اليوم سيتغير الغد؟

قلت له: على رسلك.. لماذا كل هذا التشاؤم؟!

قال: أنا لست متشائماً.. ولكنها حقيقة الواقع الذي نحياه..!

سألته: ما هو آخر عمل فكّرت فيه، وخطّطت لإنجازه؟

قال: الأعمال كثيرة.

قلت: وهل بدأت في إنجاز أحدها ؟

قال: لا.. وإنما سوف أبدأ.

قلت: متى ستبدأ ؟

قال: لا أعرف تحديداً.. ولكني سوف أبدأ.

قلت: الآن.. عرفت سبب كل هذا التشاؤم من الغد، وسبب كل هذه التوقعات السلبية لما سيحدث في الغد.. أو لنقل عدم الاهتمام بالغد كما ينبغي..!

قال متهكماً: وما هو السبب يا ترى؟!

قلت: عدم تذوقك طعم النجاح.

قال: ماذا تعني بذلك؟ وما السبب في ذلك؟!

قلت: إنه التسويف..

قال: التسويف؟!

قلت: نعم، إنه التسويف الذي حجب عنك البدء في إنجاز عملك في الوقت المحدد، والذي فكرت فيـه وتكبدت الكثير من الجهد والتعب في تخطيطه، ثم أجلت – مسوّفاً – البدء في تنفيذه..! وها أنت ذا لم تبدأ في إنجاز عملك، ومن ثم لم تذق طعم النجاح الذي كنت تنشده وقت التخطيط..!

 وهكذا الحال بالنسبة للأعمال الكثيرة التي ذكرتهـا، فالتسويف أصّل في نفسك عدم الاهتمام بالإقدام وإنجاز الأعمال، بل وإنك إن بدأت في إنجاز عمل ما فلن تحقق إلاّ الإخفاق..! والخوف من الإخفاق هو الذي يدفعك إلى اللجوء إلى التسويف، أي تأجيل البدء في إنجاز عملك..! وكأنها دائرة مفرغة..! ويدفعك التسويف دون أن تدري – أو تدري– إلى اختلاق الأعذار الواهية، والإبداع في اللجوء إلى الحجج التي تسوّغ بها تقاعسك وعدم إقدامك..! إلى أن تقنع نفسك بأنه لا فرق بين البدء أو تأجيل البدء في إنجاز الأعمال..!

اعتدل في جلسته، وأخذ يفرك عينيه، ثم وجه سهام نظره إلى عيني متسائلاً: أكلّ هذا من التسويف؟ وهل له هذه الخطورة حقاً؟!

وكأني كنت أنتظر منه أن يطرح هذه التساؤلات..! حتى انطلقت أُفنّدُ له ما هو التسويف، وما هي خطورته، وآثاره التي تعترض طريق النجاح، وما هي وسائل علاجه والتغلب عليه.. فقلت:

التسويف: هو تأخير وتأجيل تنفيذ عمل ما دون مسوّغ أو عذر حقيقي مقبول.

وللتسويف العديد من الأسباب.. أهمها:

1- دور الأسرة في تأصيل آفة التسويف في نفوس أبنائها..! فنرى العديد من الأسر تفكر في إنجاز عمل، وتحدد وقت تنفيذه، وسرعان ما تلجأ إلى التسويف وتأجيل تنفيذه دون عذر قهري، أو عذر مقبول.

2- دور الأصدقاء..! فصحبة الكسالى والمسوّفين تؤثر بلا شك في تشكيل وتأصيل هذه الآفة في نفس الصديق.. وقد أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف: 'لا تصاحب إلاّ مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلاّ تقي'. أخرجه أبو داود في السنن. والمؤمن الحق تراه يقدر الوقت حق قدره، ويعلم علم اليقين أن الوقت هو حياته، فلا تراه مسوّفاً ولا كسولاً.. وقد علّمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف أن نستعيذ من الكسل، والذي يُعدّ من أهم أعوان التسوّيف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل..'.

3- ضعف الإرادة والتراخي مع النفس.. فضعف الإرادة، وفتور الهمة، وخوار العزيمة، والتهاون مع النفس وعدم أخذها بالحزم والحسم، كل هذا من الأسباب القوية التي تؤدي بل وتؤصل في النفس آفة التسويف، ومن ثم القعود عن العمل بحجة أنه ما زال في الغد فرصة.. بل فرص..!

4- طول الأمل، ونسيان الموت.

ومن أهم آثار التسويف:

1- عدم تحقيق النجاح المنشود.

2- الندم في وقت لا ينفع فيه ندم، فالمسوّف بلا شك يفوّت على نفسه الكثير من الفرص، فالفرصة.. إذا أتت ولم تغتنمها في وقتها الصحيح؛ فإنها لن تعود ثانية في الغالب الأعمّ.

3- تراكم الأعمال مما يؤدي إلى استحالة أدائها وإنجازها في الأوقـات المحددة سلفاً، مما يصيب المسوّف بالإحباط، ومن ثم اللجوء إلى المزيد من التسويف الذي يؤدي به في النهاية إلى عدم الإنجاز، وبالتالي حصد الإخفاق.

ولكي تحقق النجاح في عمل ما، عليك البدء في القيام بإنجازه، وفقاً لما خطّطته سابقاً، في وقته المحدد، أي لا تؤدّه قبل وقته المحدد فتوصف عندئذ بالعَجُول، ولا تؤدّه بعـد الوقت المحدد فتوصف عندئذ بالمسوّف، ومن ثم تدخل في دائرة التقصير..!

فكثير من الشباب تفوتهم فرص التفوق إن كان طالباً، أو فرص التقدم الوظيفي لمن يعمل منهم.. بسبب التسويف..!

فالطالب الذي يهمل في مذاكرة دروس اليوم، ويلجأ إلى التسويف.. ويقول في نفسه: سوف أذاكر غداً، ويأتي الغد ليكرر نفس الوعد الذي لن يتحقق سوف أذاكر غداً وهكذا إلى أن يفاجأ بدخول موعد الاختبارات، وهو لم يحصل من دروسه الشيء الذي يمكنه من النجاح فضلاً عن تحقيق التفوّق..!

والشاب الذي يعمل في وظيفة ما، كلما تتاح له فرصة لتطوير ذاته بالمزيد من الدراسة، أو بحضور البرامج التدريبية.. تراه يقول: سوف أحضر البرنامج التالي، ويأتي البرنامج التدريبي التالي، والذي يليه.. ولا تسمع منه إلاّ: سوف أحضر الذي يليه..! إلى أن يُفاجأ بأن السنوات تمر، والكل يتقدم من حوله، وهو قابع في مكانه (إن لم يُستبدل بغيره) ويرى أقرانه من أعداء التسويف، وأنصار النجاح قد فاقوه تقدماً علمياً، وتقدماً عملياً ووظيفياً..!

والعجيب أننا نرى كثيراً من الناس يغترّون بالوقت، أو بالزمان..! فتراهم يقولون: الأيام مثل بعضها البعض، وكل شيء متشابه، وفي الوقت متّسع، ومازال في العمر الكثير.. فماذا سيحدث لو أنجزنا عمل اليوم غداً أو بعد غد..؟! فهؤلاء الناس مغبونون في نعمة الفراغ، وهي النعمة التي حذّر منها رسول اللهصلى الله عليه وسلم- بجانب نعمة الصحة، ويمنّون أنفسهم بطول العمر.. والحقيقة الظاهرة لكل ذي لبّ أن الموت أقرب من ابن آدم من حبل الوريد، فمثل هؤلاء الناس لن يحصدوا إلاّ الإخفاق، ولن يذوقوا للنجاح طعماً، ولن يحققوا تقدماً يُذكر في يوم ما..!

وقد فات هؤلاء الناس أيضاً أن الساعة التي تمر لن تعود، وأن اليوم الذي ينتهي هو مؤشر لقربهم من النهاية، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: 'كل يوم يقول لابن آدم: أنا يوم جديد، وغداً عليك شهيد، فاعملْ فيّ خيراً، وقلْ فيّ خيراً فإنك لن تراني أبداً'.

ومن الحقائق أن نجد الناجحين من أشد أعداء التسويف، وعلى النقيض من ذلك نجد التسويف صفة من صفات الفاشلين.

فالتسويف آفة من الآفات المعادية للهمة؛ إذ تجد الإنسان المسوّف يؤجل عمل يومه إلى الغد أو بعد الغد، وقد يكون مصمماً فعلاً على إنجاز هذا العمل غداً أو بعد غد، ولكنه لم يأخذ الظروف والعوامل الخارجية، أو الظروف النفسية الذاتية الداخلية في الحسبان، والتي قد تعيقه عن القيام بالعمل الذي كان في استطاعته إنجازه لو قام به في وقـته المحـدد، ولم يلجأ فيه إلى التسويف.

ويقول (وليم كناوس) أحد علماء النفس في كتابه: "افعل الآن!" :
'إن في وسع الإنسان أن يتخلص من عادة التأجيل التي تمتص طاقته وأحاسيسه ووقته".

ومن أسباب التأجيل الخوف، وعدم الثقة بالنفس، وصعوبة احتمال تنفيذ أعمال مقيتة. وهذه الأسباب قد تؤدي إلى إدمان (المحرمات) والقلق الشديد، والانقباض النفسي.

أيكون التأجيل سوء تدبير للوقت وكسلاً عادياً؟

إن التأجيل مشكلة نفسانية معقدة نادراً ما تُحلّ بمداواة سهلة بسيطة. علينا أولاً أن نعرف أسباب التأجيل، والطريقة التي نؤجل بها تنفيذ الأعمال.

إن الأشخاص الذين يؤجلون أعمالهم يشعرون بعدم كفايتهم، وهذا يشل إنجازهم خوفاً من الخيبة المرتقبة؛ فهم يؤجلون عملاً يتوقعون له الإخفاق.

يصل الشك في القدرة، وعدم الثقة في النفس إلى أقصى الحدود عند الأشخاص المثاليين الذين يضعون نصب عيونهم أهدافاً مثالية، فيخافون تنفيذ أي عمل خشية الإخفاق.

وفي الحقيقة أن المتهربين من الأعمال يقومون بتأجيل هذه الأعمال خوفاً من القلق أو الانقباض الذي يشعرون به مع بداية أي عمل جديد.

وبما أن جميع أعباء الحياة تشكل قلقاً أو ضغطاً، وتتضمن خيبات أمل، فإنهم يصبحون مدمنين على التأجيل.

والمؤجلون يتميزون بموهبة خارقة في خداع أنفسهم، وغالباً ما يسيئون تقدير الوقت اللازم لتأدية عمل ما.

وسائل علاج والتغلب على التسويف:

1- جنّب نفسك اختلاق الأعذار.. فالمسوّف أكثر الناس اختلاقاً للأعذار، فلا تلجأ إلى اختلاق الأعذار، وعدم تحميل نفسك المسؤولية الحقيقية عن تقصيرك في إنجاز الأعمال، واللجوء إلى التأجيل.

2- تعامل مع نفسك بذكاء.. كأن تضع لنفسك برنامجاً ممتعاً عقب إنجاز عمل شاق؛ فإن رغبتك في الاستمتاع بهذا البرنامج الممتع قد تدفعك إلى إنجاز العمل الشاق وإنهائه في موعده المحدد.. أي تدفعك رغبة الاستمتاع إلى عدم اللجوء إلى التسويف.

3- حاول أن تمحو من ذاكرتك الكلمات المعينة على التسويف مثل: 'سأقوم بعمله غداً'، 'فيما بعد'، 'سأفعل ذلك غداً'، دون تقديم مشيئة الله، وقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن ذلك في قوله تعالى: "وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ". [الكهف:23-24]. فلا تضعْ في ذهنك إلاّ ما يجب إنجازه اليوم، ولا تشغل ذهنك بما يجب عملـه في الغد إلاّ بعد إنجاز عمل اليوم. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'إذا أصبحت فلا تحدّث نفسك بالمساء.. وإذا أمسيت فلا تحدّث نفسك بالصباح، وخذْ من صحتك قبل سقمك، ومن حياتك قبل موتك، فإنك لا تدري ما اسمك غداً'.

4- أصّل في نفسك أن لكل عمل وقته الخاص به.. فلا يصح تأجيل عمل اليوم إلى الغد، أو استجلاب عمل الغد إلى اليوم..! إن كانت هناك خطة زمنية معدة سلفاً، ومحددة الأوقات الخاصة بإنجاز الأعمال.

5- اعتن بالتخطيط الصحيح والفعّال، والذي تحدد فيه غاياتك وأهدافك تحديداً واضحاً، فضلاً عن تحديد وسائل تنفيذ هذه الأهداف. واعلم أن المسوّف يعمل – إن عمل – بشكل ارتجالي وشمولي، فهو بعيد عن التخطيط الصحيح والتنظيم الفعّال.

6- ضع في ذهنك إنجاز العمل المحدد طبقاً للأهداف المحددة، وبالجودة المطلوبة، وابتعد عن المثاليات؛ فقد يكون طلبها أحد أسباب تأجيل العمل، ومن ثم عدم إنجازه.

7- خذْ نفسك بالعزيمة، وذكّرها دوماً بأن تعب اليوم يجلب راحة الغد.

8- رسّخ في نفسك أن التسويف من صفات الضعفاء أصحاب الفكر السقيم، والرأي الضعيف، والهمة المتدنية.

9- الدعاء إلى الله دوماً بأن يجنّبك التسويف الذي يورث العجز والكسل، والضعف، والركون إلى الراحة.

المصدر: د. محمد العامري
Al-Resalah

الرسالة للتدريب والاستشارات.. ((عملاؤنا هم مصدر قوتنا، لذلك نسعى دائماً إلى إبداع ما هو جديد لأن جودة العمل من أهم مصادر تميزنا المهني)). www.alresalah.co

  • Currently 43/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
14 تصويتات / 564 مشاهدة
نشرت فى 17 إبريل 2011 بواسطة Al-Resalah

ساحة النقاش

الرسـالة للتدريب والاستشارات

Al-Resalah
مؤسسة مهنية متخصصة في مجالات التدريب والإستشارات والبحوث والدراسات، وتُعتبر أحد بيوت الخبرة متعددة التخصصات في العالم العربي.. ومقر الرسالة بالقاهرة.. إن الرسالة بمراكزها المتخصصة يُسعدها التعاون مع الجميع.. فأهلاً ومرحبا بكم.. www.alresalah.co - للتواصل والإستفسارات: 00201022958171 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,945,297