لم يكن تعبير "الإنسان البسيط"، على مر العصور، ميزة تضاف إلى خصال الإنسان! وكل من يطلق عليك لقب "ساذج"، أو "مغفل" يكون قد أساء إليك إساءة صريحة.
لقد كنت تنعت بالغباء، أو السذاجة، أو ضعف العقل بسبب بساطتك، فلا عجب إذن أن يخشى الناس البساطة!
إننا نسمي هذه الحالة لعنة "المغفل سايمون".
حينما يسأل علماء النفس عن سبب هذا الخوف، يعقدون الأمور أكثر مما هي عليه، ولا غرابة في ذلك! فقد وصف عالم النفس "جون كولارد"، الذي يعمل في معهد العلاقات الإنسانية بجامعة ييل "Yale"، سبعة أنواع من ظواهر الخوف العامة، وجميعنا يعاني من بعضها:
1- الخوف من الفشل.
2- الخوف من الجنس الآخر.
3- الخوف من الدفاع عن النفس.
4- الخوف من الثقة بالآخرين.
5- الخوف من التفيكر.
6- الخوف من التحدث.
7- الخوف من العزلة.
يبدو أن عدم رغبتك في أن تكون بسيطا، أو عدم البحث عن الحلول البسيطة، ينبع من ظاهرة الخوف المشار إليها تحت الرقم (5) أعلاه: "الخوف من التفكير".
يقول الدكتور كولارد: "التفكير ليس صعبا، ولكن الكثيرين يخشون عملية التفكير بحد ذاتها، فهم من النوع السهل الانقياد، والمطيع، وممن يتبع بسهولة ما يطرحه عليه الآخرون من اقتراحات، لأنها تريحهم من عناء التفكير، فيصبحون متكلين على غيرهم في أداء عملهم، ويطيرون، على جناح السرعة، مستغيثين بمن يحميهم عند مواجهة المصاعب".
إن ظاهرة الخوف من التفكير لها أثر عميق في عالم صناعة الأخبار، والبعض يتعجب ما إذا سيكون لهذه الصناعة مستقبل أم لا!
يرى "ريتشارد ريفز"، أحد محرري الأعمدة الصحفية في إحدى الصحف، بأن "نهاية الأخبار" توشك على الانتهاء، فقد كتب قائلا: إن الكم الهائل من الأخبار حول التغيرات السريعة في الحياة العصرية يطفئ ما لدى الناس من القوى المحركة؛ فالمشاهدون، والمستعمعون "لا يريدون قصصا صعبة ومعقدة عاطفيا تذكرهم بما يعنونه من إحباط، وعجز مما لا حول لهم ولا قوة فيه".
ربما يكون "ريفز" محقا في التوجه المتنامي لتجنب التعقيد والابتعاد عنه، فالناس لا يريدون التفكير فيما يواجههم من أمور.
وهذا ما يفسر سبب ما تزخر به البساطة من قوة مؤثرة، فبالإفراط في تبسيط مشكلة معقدة، تستطيع أن تجعلها سهلة، وميسرة على الناس لاتخاذ القرار دون عناء، أو تفكير طويل.
إنك تشعر بالعزلة، والتعرض للهجوم، أو الأذى لو كان لديك فكرة واحدة فقط، وتعتقد أن امتلاكك لأفكار متنوعة يمكنك من حفظ خط الرجعة فيما تغامر فيه، أو تراهن عليه.
إن ما حصلنا عليه من تعليم، وثقافة عامة، ومعظم ما تلقيناه من تدريب إداري يعلمنا كيفية التعامل مع المتغيرات، والبحث عن الخيارات، وتحليل وتقليب الأمور، مما يؤدي إلى جنون التعقيد.
فالأذكي هو الذي يقدم المقترحات، والتوصيات الأكثر تعقيدا!
حينما تباشر في تدبر مختلف أنواع الحلول لمشكلة معينة، تجد نفسك سائرا، لسوء خظك، في طريق تختلط فيها الأمور، ويلفها التشويش، لتنتهي بك إلى خليط من الأفكار المتناقضة، وجمع الناس يركضون من حولك في مختلف الاتجاهات. البساطة تقتضي حصر الخيارات في نطاق ضيق، والعودة إلى مسار منفرد ومحدد.
ساحة النقاش