وهل السعادة مجرد سراب, أم أنها موجودة في متناول اليد في كل مكان؟
وهل هي خارج ذواتنا, أم أنها مخزونة في دواخلنا؟
هل نحتاج للحصول على السعادة الى ان نستشير شهواتنا ونستجيب لرغباتنا ونشبع حاجاتنا, أم ان للسعادة مصدراً اخر, يختلف عن ذلك تماماً؟
والجواب: إن كل شيء يتعلق بنظرتك في الحياة, وطريقتك فيها, والخطوات التي تتبعها في أمورك اليومية. فالسعادة ليست مجرد خيال, وفي نفس الوقت فإنها ليست أيضاً سهلة المنال.
إنها لا تأتي حينما نريدها, فهي ليست مسألة تحصيلية, ولكنها تأتي كنتيجة لبعض الامور. فمن يسلك سبيل الشقاء, وفي ذات الوقت يبحث عن السعادة, فإن تحقيقها له ضرب من المستحيل.
أما من يمشي في طريق تظلله السعادة, فسوف يتمتع بالسعادة لا محالة. ولعل من الصحيح أن نقول إن السعادة "حالة معنوية" ومن يسعى للحصول عليها من خلال مجرد الماديات فهو باحث عن الماء في سراب.
إن البعض ينفق الالاف لتحقيق بعض رغباته, فيقوم مثلاً بسفرة بعيدة للنزهة, ظناً منه أن ذلك يؤدي به إلى الظفر بالسعادة, لكنه حينما يعود إلى الدار يجد نفسه متعباً وقد أنفق المال والعمر ولم يعد الى البيت بشيء. بينما إذا أنفق أحدنا بعض المال لرفع العوز عن محتاج, أو أنفق بعض الوقت لقضاء حاجة أخيه فهو قد يشعر بسعادة تمتد معه الى نهاية الحياة. إن البعض يظن أن من يملك الملايين يعيش سعيداً, ولكن ليست تلك معادلة مضطردة بالتأكيد, فكم من أثرياء انتحروا بسبب شعورهم بالتعاسة المطلقة؟
وكم من فقراء عاشوا في حياتهم سعداء الى أبعد الحدود؟
يقول أحد الأثرياء في مذكراته: "كنت أظن أن السعادة تكمن في امتلاك المال, ولكنني حينما حصلت على المال, وجدت أن المال هو الذي إمتلكني, ولست أنا الذي إمتلكته. وبدل أن يخدمني أصبحت أنا خادماً له, وقد حرمت من لذة الالتذاذ بحلاوة النوم في الليل, كما حرمت من اللقاء بأولادي وعائلتي, أصبح كابوس القلق من الخسارة محيطاً بي في كل مكان.
وحينما كنت أقارن نفسي ببعض العمال الذين يشتغلون عندي, كنت أجدهم أسعد مني حالا.. فقد سألت أحدهم ذات يوم: هل هو سعيد؟
قال: الحمد لله , ولم لا؟
قلت: ألست قلقاً على شيء؟
قال: لا أملك شيئاً حتى أقلق عليه.
ولكن استطعت أن أسترجع بعض السعادة حينما لم أجد عملاً في عطلة نهاية الاسبوع فاضطررت للبقاء في الدار, وتناولت فطور الصباح مع زوجتي وأولادي على غير العادة.. فشعرت بلذة عارمة.
فأن تكون مع أحبابك بعيداً عن القلق البحث عن المزيد من المال والتكاثر في حطام الحياة, لا يمكن شراؤه بكل أموال الدنيا وأملاكها.
وكان أن قررت ان أوزع ثروتي على من أحب, وحينما فعلت ذلك شعرت بهجة لا يمكن وصفها, ولا زلت أرفل في أحضان تلك البهجة".
وأنت أيضاً: جرب ولو مرة واحدة السعي لقضاء حوائج الاخرين وحل مشاكلهم من دون الرغبة في الحصول على مقابل, لتجد كيف ستمتلك شعوراً غريباً بالفرح, فكأنك امتلكت الدنيا وما فيها. ولتجد أنك اكتسبت ود الاخرين وحبهم, ولتجد أيضاً أن جنابك مددت يداً واحدة إليهم, بينما امتدت اليك عشرات الايدي. كل ذلك بالاضافة الى انك بذلك تكسب رضا الله "عز وجل".
من هنا فإنني لو شئلت عن وصفة لامتلاك السعادة لقلت: إنها الالتزام بالمناقبيات والأخلاق الفاضلة, والعمل لنشرها بين الناس, ومد يد المساعدة للاخرين, وكسب رضا الله "عز وجل"...
كما انها قد تكمن في الانجاز, فحينما تتم عملاً أقدمت عليه, وتبني داراً لعائلتك, أو تقيم مؤسسة لمنفعة الناس, أو تكمل كتاباً بدأت بتأليفه أو ما شابه ذلك. فإنك حتماً ستشعر بالسعادة.
ساحة النقاش