يستسلم كثير من الناس أمام العديد من السلبيات المتأصلة في شخصياتهم، معتقدين أنهم عاجزون عن التغلب عليها، فيقفون مكتوفي الأيدي حيالها. أما الأمر الأخطر فهو أن يظن الشخص أن هذا الاستسلام يعني تسليمه لقضاء الله وقدره، مع أن بين الأمرين اختلافًا كبيرًا جدًا؛ إذ إن الاستسلام يعني التوقف عن العمل وترك الأخذ بالأسباب الكونية والشرعية التي جعلها الله تعالى علاجًا لمواجهة مثل هذه السلبيات السلوكية. أما التسليم فيعني الرضا بما كتبه الله تعالى بعد استنفاد الوسع وبذل الجهد في البحث عن أسباب المشكلة وطرق علاجها، ومن ثم العمل بها على الوجه الصحيح.
إن قدرتنا على تغيير سلوكياتنا غير المرغوبة أمر هام جدا في حياتنا، وأنت في تَغيير سلوكِكَ الخاصِ تُصبحُ حازمًا حقًا، بل ومؤكدًا لذاتك، لأنك تفوقت على نفسك، وهذا هو ما يُعينُ على ضبطَ النفس في أغلب الأحيان، أَو دعنا نطلق عليه (إرادة التغيير)، التي تثمر احترامك الخاص لنفسك ولذاتك.
الطريق من هنا
نحن نتغير لنحل مشكلاتنا بطريقة أفضل؛ وبالتالي نحيا حياة أفضل.. لذا لا بد لنا أن نتخيل هذه الحياة الفاضلة حتى يمكننا صنعها.
بداية التغيير تبدأ من رغبتك فيه؛ فلن يمكنك أن تتغير إلا إذا رغبت أنت في ذلك، كما أن أي تغيير صاحبه غير جاد فيه فهو تغيير هش لا قيمة له. فلسان الحال أبلغ من لسان المقال، وصوت الفعل أقوى وأعذب من صوت القول، ولا يمكن للتغيير أن ينجح ويستمر بالكلام والخطب ولكن بالممارسة والتطبيق.
استعن باللّه، فهو خير معين للمرء. والإنسان لا يمكن أن يكتب له النجاح دون توفيق اللّه عز وجل. فاسأل اللّه أن يعينك ويقوي ظهرك. أكثر الدعاء والاستعانة بالله تعالى ليرزقك التوفيق والسداد، وييسر لك طريق الصلاح، فالُموفَّق مَن وفّقه الله، والخاسر مَن خذله الله.
التغيير عملية تتطلب كثيرًا من المعرفة عن أنفسنا، وعن الهدف الذي نتحرك في اتجاهه، وتتطلب أيضًا الكثير من المهارات. وعمومًا كلما ارتفعت طموحات الفرد ومستواه الثقافي كان استعداده للتغيير أكبر.
لكل تغيير مقاومة جلية وأخرى خفية، فاحرص على التعرف عليها واستمالتها وترويضها، ولا تهملها فيتعاظم أمرها ويزداد شرها.
التغيير مشروط بقناعتك بأنه ممكن؛ فحدث نفسك أنه ممكن، وأنك بإذن الله تستطيع.... تخط الخوف من التغيير، الخوف من مواجهة موقف جديد، الخوف من الأخطاء، فالأخطاء ليست فشلا بل محولا لاتجاه جديد ونتائج جديدة.
إذا كنت جادًّا في تغيير طباعك وعاداتك وأفكارك وسلوكك ليكن شعارك (ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النيّة). أي أنّ عزمك على فعل شيء أو تركه هو القوّة الدافعة والمحرّكة، فإذا كان عزمك وتصميمك قويين استجاب البدن لأوامرهما وانصاع.
هناك نقطة جوهرية في إحداث التغيير أو التبديل أو التعديل في الطباع، وهي أنّك لا بدّ أن تعرف أنّ طبيعة كلّ إنسان غنيّة بالممكنات والمواهب والقدرات التي عليه أن يكتشفها ويحسن استغلالها.... إنّ الذين غيّروا طباعهم وثاروا على نقاط ضعفهم هم الذين وضعوا أيديهم على مكامن القدرة في شخصياتهم ووظّفوها أفضل توظيف، وبإمكانك أنت أيضًا أن تشقّ طريق التغيير مثلهم.
إذا جرّبت أن تغيّر سلوكًا أو طبعًا معينًا، أو كسرت عادة مألوفة فلم تعد أسيرها ولم تعد تستعبدك، فإنّ ذلك يعني أنّ لديك القدرة على تغيير سلوك آخر واجتناب عادة سيئة أخرى، كما يعني أنّ إرادتك قويّة، وأنّك أنت الذي بتّ تتحكّم بنفسك وغرائزك وشهواتك، لا هي التي تتحكّم فيك.
يطرح بعض المهتمين بشؤون النفس أسلوبًا عمليًا لتغيير الطباع والعادات المستحكمة، وهو أن تستبدل بالعادات القديمة أخرى جديدة حتى تنسخ الجديدةُ القديمةَ، ويقترحون أن تكون العملية تدريجية، ذلك أنّ العادة المستحكمة لا تزول بسرعة وإنّما تحتاج إلى شيء من الوقت..... هذه العادات الجديدة جيِّدة وصحّية ونافعة، ومع الإصرار والمواصلة والانتباه ستقلع عن عادتك القديمة.
ابدأ كلّ عملية تغيير بكلمة «أريد».. اكتب ذلك وتابعه وتذكره دائمًا، فإذا كنتَ تعيش القلق قل: «أريد أن أتغلّب على قلقي» ابحث عن سبل الخلاص منه.. ضع خطّة ونفِّذها، فذلك يزيد في قدرة الوعي والإرادة والتحكّم، ولا تنسَ أنّ بناء العادة السلبية استغرق زمنًا وأنّه ترسخ نتيجة الإهمال واللاّمبالاة وعدم التصدي لها في مهدها، ولذا.. لا تغيِّر عدّة طباع دفعة واحدة.. ركِّز على طبع واحد، ولا تنتقل إلى غيره حتى تطمئن أنّك قد تغلّبت عليه. فتناول الدواء دفعة واحدة لن يشفي من الداء بقدر أخذه على جرعات وفق الوصفة الطبية، لذا فإن التدرج واستخدام استراتيجية تجزئة المشروعات أمر مهم لنجاح عملية التغيير.
حتى الاستعداد الوراثي كما يرى بعض علماء النفس خاضع لقانون التغيير وذلك بتبديل العوامل التي تخضع لها وتحسينها. فلو ورث شخص المزاج الحادّ عن أبيه فلا يستسلم، فإنّه إذا اتّبع خطّة وقائية لتجنّب الانفعال، واعتياد التوازن والاعتدال، فإنّه سيتغلّب على حدّيّة المزاج. فالموروثات إذا لم يُفسح لها المجال في أن تنمو وتستحكم فإنّها تصاب بالضمور والتلاشي، وربّما كان الأب انفعاليًا لأنّه لم يراقب سلوكه وعواطفه ولم يعالج حالة الانفعال لديه، ولكنّ الابن إذا وعي خطر الانفعال وكبحه في وقت مبكر فليس ضروريًا أن يكون انفعاليًا مثل أبيه.
- الطباع السيِّئة أو العادات القبيحة غالبًا ما تكون نتيجة إمّا «إفراط» أي إسراف ومغالاة وتجاوز، وإمّا «تفريط» أي تقصير وإهمال وتهاون. واعتماد قاعدة العدل والوسطية في الأمور كقاعدة حياتية عامّة، طريق مهم لتبديل الطباع ونبذ الفاسد منها.
- الوحدة قاتلة، وطريق التغيير طويل وشائك، لذا فأنت بحاجة إلى خليل مؤيد لأفكارك التغيرية، يؤانسك في وحشتك، ويخفف عليك غربتك، ويسليك عندما يضيق صدرك من نقد المعارضين وإساءة المقاومين.
- الطبع يكتسب من الطبع، فكما أنّ معاشرة الضعفاء ومسلوبي الإرادة تنقل عدوى الضعف والانهيار إلينا، فكذلك معاشرة الأقوياء وأصحاب العزائم تنقل بعض شحنات القوة والجرأة التي يتمتعون بها.
- فإذا كان صديقك خائر الإرادة، مغلوبًا على أمره، لا يستطيع مقاومة طبع سيِّئ أو عادة سلبية أو خلق مشين، فإنّه قد يترك في نفسك فكرة أنّك لستَ الوحيد المصروع، بل الصرعى كثيرون. ولهذا فأنت بحاجة إلى مصادقة ومعاشرة ومسايرة الذين اقتحموا أسوار الضعف والتردد، وتمكّنوا من مقاومة طباعهم السيِّئة.
- تجارب الذين حاولوا تغيير طباعهم ونجحوا تنفعك في معرفة الطرق التي استخدموها للوصول إلى التغيير، وفي الإرادة التي استقووا بها على إنجاز أهدافهم وبلوغ النتائج المذهلة.
- هناك نفر قليل من الناس لو تغير حمار ابن الخطاب لتغيروا، وأفضل أسلوب للتعامل مع هؤلاء هو عدم الالتفات إليهم، كما أن الزمن كفيل بإبعادهم عن طريقك «إما بالإقالة أو الاستقالة أو التقاعد أو الانتقال أو الموت أو... إلخ.نتائج التغير لا تأتي سريعًا.. لا تتأفف.. أو تنسحب في منتصف الطريق.. كن صبورًا ولا تتعجل الثمار قبل نضوجها وإلاّ أكلتها فجّة.... لا تغيير من غير مرونة، لذا احذر أن تلجأ إلى سياسة «إما... وإلا...» أي إما أن تقبل العملية التغيرية بالكامل وإلا فلا تغيير، فالتغيير في الطباع يحتاج إلى وقت، ولكنّك يمكن أن تتلمّس آثاره الأولية كلّما خطوت خطوة في اتجاه إصلاح ما فسد منك. كل تغيير له ثمن، فإما أن تدفع ثمن التغيير أو تدفع ثمن عدم التغيير، علمًا بأن ثمن التغيير معجل وثمن عدم التغيير مؤجل، والعاقل من أتعب نفسه اليوم ليرتاح غدًا. إن بداية كل جديد هو أصعب ما في الأمر. لذا عندما تبدأ بأي من هذه النصائح ستشعر في البداية بعدم الرغبة في الاستمرار، لكن مع المثابرة ومقاومة الروح السلبية الكامنة فينا ستتمكن من الاستمرار وتتغلب على خمولك وأسلوب حياتك الفاتر وتستمتع بالقيام بما هو جديد ومختلف.. إن التجديد والتغيير هو أكثر الثوابت في حياتنا التي نحتاجها باستمرار كاحتياجنا للماء والهواء.. فلا تبخل على نفسك بالتجربة.. تجربة التغيير.
ساحة النقاش