دعوة للايجابية حتى نتمكّن من استثمار الإيجابية وتوظفيها، لزمنا أن نتحلّى بإيجابية الفكر وإيجابية السلوك وإيجابية النظرة إلى الأمور وإيجابية التفاعل والتعاون مع الهمّة على تحقيق العمل المفيد.
البرمجة السلبية، احتقار الذّات، عدم توقع الخير، تضخيم مكر الأعداء، القناعة بعدم جدوى العمل وانتظار الحلول الغيبية (قيام الساعة - نزول المسيح - حدوث الكرامات)، أو الانخراط في عمل مهلك للنفس والغير كما فعل بعض الشباب المغرر بهم، والذين قدموا أرواحهم هدية مجانية لمفاهيم مغلوطة وقيادات مجهولة!.
ما سلف هو علامات لسلبية قاتلة تدفن الهمّة على العمل، وتئد الطموح للتغيير نحو الأفضل وتحطم الأمل بمستقبل مشرق، وبسبب ما تمرّ به الأمة من ضعف وتشتت واستضعاف، فقد الكثير من أبنائها النظرة الإيجابية للأمور، بعد أن استحوذ عليهم تشاؤم مشوب بعجز ووهْمٍ مع عدم القدرة على إنزال الأمور قدرها أو تقدير المسائل بحجمها وإيرادها مواردها.
وإذا صارحْتَ أحدهم بحاجة الأمة واضطرارها إلى سلاح الإيجابية لمواجهة واقعها الأليم ولتعزيز قدرتها على استيلاد الحلول من رحم الأزمات، فإنك ستفاجأ بحجم الوهْم الذي يكتنزه في داخله، يوم ظنَّ أن الإيجابية تعني مناطحة الجدر المسلحة، أو المخاطرة بأكل السمّ القاتل، أو إذلال النفس بتعريضها لما لا تطيقه.
والحق أن الإيجابية لا تحتاج إلى معجزة لتحقيقها، بل هي بسيطة سهلة بحسب قدرة كل شخص على التعرّف على ميوله النفسية ومواقع نجاحه وإبداعه، فالنفس كالأرض إن استصلحها صاحبُها واستثمرها، واكتشف ما فيها من كنوز ومعادن أمكنه الاستفادة منها على الوجه الأكمل، وعلى قدر تقصيره في اكتشافها يفوته الانتفاع بها.
الإيجابية سرّ من أسرار النجاح بعد توفيق الله وعونه، وإذا استطاع لينين وماركس أن يكونا إيجابيين تجاه أفكارهما فأخذا بالأسباب الكونية حتى قامت الشيوعية، حينًا من الدهر رغم مناقضتها للفطرة، فنحن أولى بذلك، فالأسباب الشرعية التي معنا تمكّننا من نشر رسالتنا في أصقاع الدنيا إن كنا إيجابيين تجاه أنفسنا وديننا ودعوتنا، والإسلام عقيدة تستقر في الذات ثم لا تلبث أن تنتشر في محيط الفرد.
الإيجابية لا تعرف سوى لغة التفاؤل، ولا ترى سوى النصف الممتلئ من الكأس، مفتاحها حسنُ الظن بالله، وفي الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي»، ولو أن الأمة أحسنت الظن بربها على مستوى الأفراد والشعوب لتغيّّرت أحوالها، واستعادت عافيتها، وجلّ الله أن يظنّ عبده به خيراً ثم يخيّب ظنّه به، لكن السلبية والوهم وتتابع الضربات المؤلمة، جعلت الكثير من أبناء الأمة يضيعون في أزقة المتاهات ولو كانت على ورق، وتقتلع هممهم أدنى زوبعة حتى لو كانت في فنجان.
الإيجابية تعين على رؤية وتذوّق أجمل ما في الحياة بدلاً من تضييع العمر في اجترار المآسي واستذكار الآلام، وهي لا تشترط المثالية لكي نحققها، فنحن بشرٌ نصيب ونخطئ، ونفلح ونقصّر، وننجح ونفشل، وإنّ وقوعنا في الخطأ لا يعني الاستسلام للإحباط وجلد الذّات، بل يعني مزيدًا من الاستعانة بالله (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين) واستدراكًا للخطأ، وما سوى ذلك يعني الهبوط المتدّرج بالإحباط ثم الموت البطئ. إنّ الماء العذب الزلال يأسن الماء إذا لم يتحرك، والجواد الأصيل يصبح طعاماً للديدان إذا لم ينهض من كبوته.
إني رأيـت ركـود المـاء يفسـده إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطـب
والأسد لولا فراق الأرض ما افترست والسهم لولا فراق القوس لم يصـبِ
والشمس لو وقفت في الفلك دائمـة لملّها الناس من عجم ومن عـربِ
والتِّبرُ كالتُّرب مُلقـى فـي أماكنـه والعود في أرضه نوع من الحطـبِ
ولكي نتمكّن من استثمار الإيجابية وتوظيفها، لزمنا أن نتحلّى بإيجابية الفكر، وإيجابية السلوك، وإيجابية النظرة إلى الأمور، وإيجابية التفاعل والتعاون، مع الهمّة والتصميم على تحقيق العمل المفيد، وطرد الخجل - وفرق بين الخجل والحياء – فمهما كان الإنسان خجولاً فإنه لن يمتنع من الزواج لأن الدافع قوي، ومهما كان الإنسان خجولاً فلن يمتنع من طلب الرزق لأن دافع الكسب أقوى.
ومفتاح ذلك كله الثّقة بالله، مع عدم الالتفات للمعوّقات، وإصلاح السريرة، فكثيراً ما يؤتى الإنسان بسبب ذنوبه.
والصحابة هزموا يوم أحدٍ بسبب معصية المخالفة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وأحد أولي العزم من الرسل ومؤيد بالوحي. ويتبع هذا الحذر من البرمجة السلبية «كذا تعودنا، ما نقدر، مستحيل»، ثم الاعتراف بحاجتنا إلى التغيير والصبر على ذلك، إذ لا يوجد علاج أو وصفة سحرية تحقق التغيير ما بين طرفة عين وانتباهتها، ولابد من المجاهدة، وتحديد الأهداف وعدم استكثار ما نبذله لتحقيقها، ولابد دون الشّهد من إبر النحل (والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا).
وعندها سنكون أكثر منعة، وأكثر قوة، وأكثر رحمة بالآخرين، وأكثر شجاعة في مواجهة المشكلات، وأكثر ثقة في قدرتنا على حلّها، وأقدر على الابتكار والإبداع، وأكثر جاذبية في الفكر والحوار، وأكثر حماساً لقضايانا، بدلاً من أن نشتغل بالهدم دون البناء، وبدلاً من الاستهانة بالمخدّرات ولو كانت صغيرة، وتضييع الطاقات ولو كانت محدودة، فمصانع الصّين الصغيرة لكثرتها وحسن الاستفادة منها استطاعت أن تغرق أسواق العالم بمنتجاتها
المصدر: مقالات الرسالة
الرسالة للتدريب والاستشارات.. ((عملاؤنا هم مصدر قوتنا، لذلك نسعى دائماً إلى إبداع ما هو جديد لأن جودة العمل من أهم مصادر تميزنا المهني)). www.alresalah.co
نشرت فى 9 إبريل 2011
بواسطة Al-Resalah
الرسـالة للتدريب والاستشارات
مؤسسة مهنية متخصصة في مجالات التدريب والإستشارات والبحوث والدراسات، وتُعتبر أحد بيوت الخبرة متعددة التخصصات في العالم العربي.. ومقر الرسالة بالقاهرة.. إن الرسالة بمراكزها المتخصصة يُسعدها التعاون مع الجميع.. فأهلاً ومرحبا بكم.. www.alresalah.co - للتواصل والإستفسارات: 00201022958171 »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
2,026,318
ساحة النقاش