كثير من الناس الذين صادفتهم في حياتي أجدهم مصابين بمرض خطير يمكن أن نسميه بداء فقدان المناعة المكتسبة ضد الإحباط واليأس، وهو مرض أرى استفحاله كثيرا هذه الأيام بين معظم الشباب، وأعراضه هي فقدان الأمل في تغيير قريب يطرأ على حياتهم نحو الأفضل، لذلك تجدهم يشتغلون على خواصهم لا يضرهم من ضل، إن اهتدوا هم لمصالحهم الشخصية، شعارهم نفسي نفسي، أنا ومن بعدي الطوفان.
طبعا لا ننكر بأنه من حق كل واحد أن تكون له مصالحه وأهدافه وطموحاته التي يجب ان يناضل ويضحي من أجل تحقيقها وبلورتها وتجسيدها واقعا يمشي على الأرض، لكن العيب كل العيب أن يجعل من طموحاته الشخصية تلك حاجزا وضخرة تتحطم عليها المصالح العليا للوطن والأمة.
قد ينبري قائلا ليرد علي: وما الذي قدمه لنا الوطن والأمة حتى نضحي بمصالحنا من أجل مصلحته؟
وأليس ما تقوله أسطوانة مشروخة يرددها المشتدقون بالوطنية لإخضاع قطيع من الشعب لرغباتهم وخدمتهم؟
أو ليس سعينا للصلحة العامة يصب في النهاية لخدمة جيوب طغمة مهيمنة في كل مجالات المجتمع والسياسة والثقافة؟
أقول بداية: نعم إن الواقع مظلم، والتحديات كبيرة، والمسؤولية الكبرى يتحمل المسؤولون بالدرجة الأولى، ويجب علينا أن ننضال في سبيل تحميلهم لهذه المسؤولية كل حسب موقعه.
لكنني مع ذلك أقر بأن مسؤولية التغيير كذلك هي مسؤولية شخصية ملقاة على عاتق كل فرد منها، ومن أهم سنن التغيير كما حدد الله عز وجل: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيرو ما بأنفسهم.
فتغيير ما بالمجتمع لا يمكن أن يتم إلا من خلال مسار واحد وهو تغيير ما بالنفس، وإذا كان شباب اليوم لا يرى من خلاص لوضعه المأزوم سوى إلقاء الكرة في ملعب الخصم، فإن في نفس الوقت يحاول بذلك التملص من جانب من المسؤولية الملقاة على عاتقه.
ربما يصيح أحدهم في وجهي الآن، عن أية مسؤولية تتحدث لشباب لا حول ولا قوة لهم؟ إن كل المسؤولية على أولي الأمر، وإنما أنت بخطابك هذا تحاول أن تلمع ساحتهم وتدافع عنهم؟ لكنني أقول، كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وسنة التغيير لن تمر وتتحرك إلا إذا أخذ كل فرد موقعه في المسيرة، وتسلح بالأمل والعمل في ذات الوقت، أما شعارات الخلاص الفردي التي تجده أينما حللت وارتحت هذه الأيام فلن تلد لنا إلا صناع التذمر والإحباط
ساحة النقاش