إن التغيير أمر حتمي ولا بد منه، فالحياة كلها تتغير والظروف والأحوال تتغير.. حتى نحن نتغير من الداخل، فمع إشراقة شمس يوم جديد يزداد عمرك يومًا، وبالتالي تزداد خبراتك وثقافاتك ويزداد عقلك نضجًا وفهمًا، ولكن المهم أن توجه عملية التغيير كي تعمل من أجل مصلحتك أكثر من أن تنشط للعمل ضدك.
أخي الحبيب فما دمت تسأل عن التغيير، وما دامت نفسك تتطلع إلى السمو والارتقاء نحو المعالي؛ فإن ذلك يدل على حياة في قلبك وخير في نفسك، ولكن التفكير في التغيير المطلوب؛ بل إن الاكتفاء بهذا التفكير دون إحداث خطوات عملية نحو التغيير الحقيقي يجعل هذا التفكير مجرد أماني باطلة لا تنفع صاحبها؛ بل هي رأس مال المفاليس كما يقال.
إن معظم الناس تبرمج منذ الصغر على أن يتصرفوا بطريقة معينة ويعتقدوا اعتقادات معينة، ويشعروا بأحاسيس سلبية معينة، واستمروا في حياتهم بنفس التصرفات تمامًا، وأصبحوا سجناء في برمجتهم السلبية، واعتقاداتهم السلبية التي تحد من حصولهم على ما يستحقون في الحياة.
إن مجرد تفكيرك في التغيير يعدُّ بحدّ ذاته نوعاً من التغيير؛ لأن هناك فئاتاً من الناس ألفوا حياة الغفلة، واستساغوا مسيرة الضياع، واستحسنوا طريق الشهوات، فهم لا يبحثون عن التغيير؛ بل لا يتصورون ترك هذه الحياة التي يعيشونها طرفة عين، ولذلك فإنهم لا يشعرون بألم البعد عن الله، ولا يحسون بوحشة، وهؤلاء موتى في صورة أحياء، لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً، إلا ما أشربوا من هواهم، وهذا نتيجة تراكم الذنوب على القلب حتى اسودّ وانتكس.
بعد أن يتطلع القلب إلى التغيير لابد من العزيمة الصادقة على هذا التغيير؛ لأنه لولا هذه العزيمة سرعان ما يفتر القلب، ويزول عنه هذا الانزعاج، والعزيمة هي العقد الجازم على المسير في طريق الاستقامة، ومفارقة كل قاطع ومعوق، ومرافقة كل معين وموصل، فهي سبب في استمرار انزعاج القلب وانتباهه ورغبته في التغيير.
أخي الحبيب: سأسرد لك بعض الأمثلة ولكن في شكل أسئلة والهدف منها لكي يقف كل منا أمام نفسه مقيماً لسلوكه ولأوقاته المهدرة في حياتنا.. ماذا تمت الإستفادة لنا شخصياً وماذا قدمنا لمصرنا الحبيبة.
- كم من ساعةٍ يقضيها الكثير منا أمام شاشات التلفزيونات وأجهزة الحاسب الآلي ؟
- كم من ساعةٍ يقضيها الشباب على وجه الخصوص وهم يتجولون بسياراتهم هنا وهناك بلا فائدةٍ ولا مصلحة ؟
- كم من المكالمات يجريها كثيرٌ منا بلا داعٍ ولا ضرورة ؟
- كم من الساعات الزائدة ينامها كثيرٌ من الناس على مدار اليوم والليلة ؟
- كم من الفرائض تؤخر عن وقتها وربما تضيع تساهلاً وتهاونًا والعياذ بالله ؟
- كم من الكلمات التي يُطلقها الإنسان وهو لا يدري أهي محسوبةٌ له أم عليه ؟
- كم من النقود تُصرف في أشياء ليست ضرورية ولا تدعو إليها الحاجة؟
- كم من الساعات تقضيها النساء وبعض الرجال في القيل والقال؟
- كم من الأوقات ضاعت في ألوانٍ من اللهو والغفلة ولم يستفد منها معظم الناس في حياتهم ؟
- كم من النصائح والمواعظ والمواقف التي سمعناها وعرفناها وتأثرنا بها في حينها ثم نسيناها بعد ذلك؟
- كم من الأوقات تضيع منا في كثيرٍ من المناسبات والحفلات؟
- كم من الأوقات نُهدرها في تصفح الصحف والمجلات وغيرها من المطبوعات التي لا نفع فيها ولا فائدة منها ؟
أخي الحبيب: إن عملية التغيير وهي الجانب العملي، لابد أن يرافقها جانب علمي، وهذا الجانب العلمي هو الذي تنضبط به عملية التغيير، فلا تنحرف لا إلى التفريط ولا إلى الإفراط، وإنما تسير على المنهج الوسط الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، قال تعالى في شأن أعظم كلمة وهي كلمة التوحيد: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: من الآية 19] .
إن الله تعالى: قد دلنا على الطريق إلى الارتقاء بأنفسنا وتغيير حياتنا إلى الأفضل فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11].
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد دلنا على الكيفية التي نغير بها أنفسنا، فقال صلى الله عليه وسلم: "ومن يستغن يغنه الله ومن يستعفف يعفه الله ومن يتصبر يصبره الله".
إذاً ماهو سبب وجودك في تلك الحياة؟ وما الهدف من بقاءك فيها ؟
لقد حاول البشر طويلاً على مر العصور اكتشاف ماهية الحياة، ولكن ما اغفلناه نحن واسلافنا خلال تلك الرحلة من البحث المتواصل هو عدم وجود إجابه متفق عليها لذلك السؤال، حيث تختلف ما هي الحياة من شخص لآخر.
فلكل إنسان هدفه وطريقتة الخاصة به الذي يعتبر فريداً من نوعة ومختلفاً عن أي شخص آخر، وأثناء إبحارك في رحلة الحياة ستتاح لك الفرصه لتتعلم دروساً كثيره ستحتاج إلى استيعابها، كي تتمكن من تحقيق هذا الهدف, وما يتاح لك من دروس خلال رحلتك هي حكر عليك وحدك وإستيعابها هو سبيلك الوحيد كي تكتشف وتحقق الهدف الذي تنشده من حياتك الخاصة.
وحينما تفرغ من استيعابك للدروس الاساسية التي تتلقاها من جسدك, فعليك أن تستعد لتلقى دروسك من معلم اقدر هو عالمك الذي تحيا فيه، وستتاح لك الفرصة لتتعلم دروساً جديدة خلال كل موقف تتعرض له طوال حياتك فعندما تشعر بالالم مثلاً، فانك تتعلم درساً جديداً، وعندما تشعر بالسرور، فانك تتعلم درساً آخر لم تتعلمة من قبل، فمن خلال أي عمل تقوم به أو حدث يقع لك فانك دائماً ما تصادف درساً يجب عليك تعلمة، ولا مفر امامك لتجنب تعلمك للدروس المتاحة لك، ليس ذلك فحسب بل عليك أن تستبعد أي احتمال للتملص من عملية التعلم.
وأثناء إبحارك في رحلة حياتك قد تواجهك تحديات لا يضطر الآخرون إلى مواجهتها، وبالمثل قد يمضي أيضاً الآخرون سنوات من الصراع مع تلك التحديات التي لا يلزم عليك التعامل معها، فقد لا يمكنك مثلاً ادراك السبب وراء فوزك بزواج ناجح في الوقت الذي يعاني فيه اصدقاؤك من نزاعات مريره أو حالات طلاق مؤلمة، تماماً مثلما يحدث عندما لا يمكنك التأكد من السبب وراء تعثرك في حياتك المالية في الوقت الذي ينعم فيه اقرانك بثراء واسع.
إن الشيء الوحيد الذي يمكنك التأكد منه هو أنك ستتاح لك الفرصه لتتعلم كل دروسك خاصة تلك التي تحتاج إلى تعلمها، أما اختيارك لتعلمها من عدمه فهو امر مرده إليك.
الدكتور / رمضان حسين الشيخ
خبير التطوير التنظيمي والموارد البشرية
ساحة النقاش