طهي اللحوم بدرجات حرارة عالية تنتج عنه مواد كيميائية مسببة للسرطان، الا ان طريقة شيّها ربما يمكن تحويلها الى عملية اكثر أمانا.

لدى تناولنا اللحوم، او الاسماك، فنحن نأكل ايضا الانسجة العضلية المؤلفة في غالبيتها من خلايا عضلية، ومن بعض الكولاجين الذي يصنع الانسجة الرابطة (فكلما ازداد الكولاجين، كان اللحم اكثر قساوة) والدهون.

والطهي يحول مثل هذه الانسجة الى مادة جامدة ثابتة، رطبة وذات مذاق، عن طريق تحويل البروتين داخل الخلايا العضلية، لكي تصبح اكثر تقلصا وانكماشا متخلصة من الماء داخلها، استنادا الى كتاب «في الطعام والطهي» الكلاسيكي عن علم الطبخ من تأليف هارولد ماكغي.

* طهي اللحوم ولكن الشروع بالتسخين بدرجة حرارة 140 الى 150 درجة فهرنهايت (60 الى 65.5 تقريبا) يخرج الماء وينفخ البروتين اكثر ويجعل الانسجة تذبل وتتغضن، فالذي كان طريا ورطبا بات في طريقه لان يصبح قاسيا كجلد النعل، ان صح التعبير، وأعذرنا ايها القارئ.

وإفساد قطعة من اللحم ليس الامر الوحيد الذي ينبغي القلق بشأنه اذا كنت تطهي في درجة حرارة عالية.

فمع الحرارة المرتفعة، تتفاعل الحوامض الامينية وكتل البروتين التي تؤلف بناء اللحم مع الـ«كرياتين» creatine المركب الموجود في الانسجة العضلية لتشكيل ما يسمى بالأمينات مختلفة الدارة heterocyclic amines التي تنتج بكميات ضئيلة تقاس باجزاء من مليارات الغرام.

لكن التجارب المخبرية والحيوانية اظهرت ان هذه الامينات لها خصائص كامنة مسببة للسرطان. وكانت الوكالة الدولية لابحاث السرطان قد صنفت العديد منها على كونها تساعد على الاصابة بالسرطان، وان احدها كعامل محتمل مسبب له.

في هذا الوقت ازداد بروز الدليل الوبائي على ان الذين يتناولون الكثير من اللحوم معرضون اكثر من غيرهم للاصابة بأشكال مختلفة من السرطان. ونشرت في العام الحالي دراسات تربط الاستهلاك العالي للحوم بسرطان الثدي والكلى.

وكان باحثو جامعة هارفارد قد افادوا في العام الماضي ان استهلاك الكثير من اللحم الاحمر (البقري ولحم الخروف) قد يشكل عامل خطورة بالنسبة الى نشوء سرطان الثدي الحساس الى الاستروجين بين النساء في المرحلة التي تسبق انقطاع العادة الشهرية لهن.

وللباحثين عدد من الشروحات المحتملة حول اسباب قيام اللحم الاحمر بالمساعدة في نشوء السرطان، لكن اكثر العوامل ترشيحا هو التعرض الى الامينات مختلفة الدارة.

* الحرارة العالية ان أي بروتين محروق قد يحتوي امينات مختلفة الدارة، لكن الكميات الموجودة في البيض والـ«توفيو» (طعام غني بالبروتينات يصنع من فول الصويا)، هي كميات قليلة مقارنة لتلك الموجودة في اللحم والمشتقة من النسيج العضلي، لكون هذا النسيج مجهز تجهيزا جيدا بالكريتاين.

ورغم ان علم الاوبئة يشير الى اللحم الاحمر على انه المتهم الرئيسي عند الحديث عن الامينات مختلفة الدارة، فانهما مصدران لها ايضا، مثلها مثل الهامبورغر وقطعة اللحم المقلي (الستيك)، الا ان السمك والدجاج هي خيارات افضل من اللحم الاحمر، وذلك راجع بشكل رئيسي الى كمية الدهون التي تحتويها ونوعها.

وأكثر من نوع الطعام، فان الحرارة العالية هي عامل مهم في تشكل الامينات المتحولة الدورة، وهذا هو السبب في ان عمليات الشي والقلي والتقمير والتحميص هي المشكلة. فهذه العمليات تسخن اللحم الى درجات حرارة عالية جدا.

وتتركز الامينات مختلفة الدارة عادة في المليمترات القليلة الخارجية لقطعة اللحم القريبة من مصدر الحرارة.

لكن الشيّ هو مشكلة مزدوجة نظرا الى انه يعرض اللحم ايضا الى الكيميائيات المسببة للسرطان (التي تدعى الهيدروكاربونات العطرية المتعددة الدارة) الموجودة في الدخان الذي ينفثه الفحم المحترق، والمنبعثة من قطرات الدهون والشحوم المتساقطة التي تسبب هبوب الفحم المحترق.

ومدة اللحم المطهي عامل آخر ايضا في تشكل الامينات مختلفة الدارة، والتجارب التي اجرتها مختبرات لورانس ليفرمور الوطنية في الولايات المتحدة اظهرت ان اللحم المقلي لمدة عشر دقائق بدرجة حرارة 450 درجة فهرنهايت (232 درجة مئوية تقريبا) يحتوي ضعف كمية الامينات مختلفة الدارة مقارنة باللحم المقلي لمدة اربع دقائق فقط. في اي حال، فانه في ظروف الطهي بدرجة حرارة منخفضة لا تكون زيادة كميات الامينات بهذا المقدار الكبير.

ووفقا لدرجة الحرارة التي يجري خلالها طهي اللحم، فان تحميره كروستو، او «خبزه» في الفرن، يولد بعض الامينات المتحولة الدورة لكنها اقل بكثير من اللحم المشوي، او المقلي. كما وجد الباحثون مستويات عالية من المركبات في الصلصات المصنوعة من الدهن السائل المتساقط من اللحم المشوي شواء مباشرا بحيث انه ليس غائبا ابدا.

وحتى الآن لم يجر نشر اي شيء عن محتويات امينات مختلفة الدارة، الخاصة باللحوم المطهية في اصداف الشوي داخل المنازل كالتي يروج لها الملاكم السابق جورج فورمان.

لكن مارك كنايز الباحث في مختبرات لورانس ليفرمور الذي نشر عددا من الاوراق في ما يتعلق بالامينات مختلفة الدارة يقول إنه عندما اختبر اللحم المطهي حسب طريقة فورمان كانت هناك كميات قليلة جدا من تلك الامينات، ربما لان اللحم المشوي لم يجر شيّه هنا بالحرارة العالية.

* اللحوم المنقوعة
اللحوم المنقوعة بالصلصات والتوابل غالبا ما كانت احدى الوسائل في تخفيض تشكل الامينات مختلفة الدارة.

والفكرة من وراء ذلك هي ان هذا النقيع يساعد في الحفاظ على اللحم رطبا طريا تحت حرارة منخفضة، وربما ايضا يساعد في تعزيز اللحم بمضادات الاكسدة التي تحيّد مفعول الامينات مختلفة الدارة.

ولكن عندما وضعت انواع النقيع قيد الاختبارات والدراسات كانت النتائج مختلطة، فقد وجد كنايز على سبيل المثال ان الدجاج المنقوع بالتوابل والصلصة، قلص من وجود نوع واحد من هذه الامينات.

لكنه زاد من وجود الاخرى. كما وجدت دراسة اخرى انه في حين قلصت صلصات الترياقي والكركم والثوم من وجود الامينات المتحولة الدورة في قطع الستيك المشوية، الا ان صلصة الباربكيو (الشواء) زادتها.

وكانت دراسة ايطالية نشرت في العام الحالي قد اشارت الى ان استخدام زيت الزيتون قد يقلل من خطر سرطان القولون الناجم عن تناول اللحم المقلي عن طريق تخفيض الامينات مختلفة الدارة.

* ما هو مدى الخطورة؟
وكانت بعض التقارير الاولى حول الامينات مختلفة الدارة والسرطان قد جعلت الاخطار عالية جدا. ووجدت احدى الدراسات، التي غالبا ما يستشهد بها، ان النساء اللواتي يتناولن الهامبورغر والستيك وغيرها واللحوم المحمرة جيدا، هن معرضات اكثر بأربعة اضعاف لسرطان الصدر من النساء اللواتي يستهلكنها مشوية بشكل ضئيل، او وسط.

وكانت دراسة قد اجريت في العام 2003 قد خلصت الى ان خطورة سرطان القولون تتضاعف تقريبا مع الاستهلاك الزائد عن الحد للحوم الحمراء المشوية جيدا. وكانت دراسة اخيرة قد وضعت هذه الخطورة بمستوى منخفض.

وعلى سبيل المثال افاد تقرير اصدره باحثو المعهد القومي الاميركي للسرطان (إن سي آي) في العام 2005 بان اللحم المشوي جيدا، او اكثر من اللزوم، مرتبط بزيادة مقدارها 20 في المائة فقط بالاورام الغدّية الخاصة بالقولون والمنطقة الشرجية، وهي الاورام التي تسبق عادة سرطان القولون.

لكن تذكروا ان عامل الخطورة هو بالنسبة الى الاشخاص الذين يتناولون الكثير من اللحوم المشوية جيدا، اما الذين يتناولون الهامبورغر، او الستيك بين الحين والآخر، حتى ولو كانا مشويين جيدا فانهما لا يشكلان سوى خطر ضئيل ان وجد مثل هذا الخطر.

* نصائح وإرشادات
حتى ولو لم تكن اللحوم المنقوعة بالصلصة هي الجواب، فان اساليب طهي الطعام على درجات حرارة منخفضة ولفترات قصيرة من الزمن من شأنها تخفيض الامينات مختلفة الدارة. وهنا بعض النصائح والارشادات الخاصة بالشواء من المعهد القومي الاميركي، ومن المصادر الاخرى، التي من شأنها ان تجعل اللحم المشوي اكثر امانا للاستهلاك:

- استخدم قطعا صغيرة للشي او الطبخ فانها تصبح جاهزة للاكل بسرعة وبدرجة حرارة منخفضة.

- اختر اللحم الطري الخالي من الدهون الذي يخفض من لهيب النار، وبالتالي من الدخان الذي يحتوي على العوامل المسببة للسرطان.

- اخضع اللحم الى الطهي بالميكرويف لمدة دقيقتين على حد توصية المعهد القومي للسرطان قبل شيه او طبخه، لانه يقلل من محتويات الامينات مختلفة الدارة بنحو 20 في المائة. ولكن لا تزيد عن هذه المدة ابدا لكون الميكرويف يجفف اللحم.

- قم بتسخين اللحوم قليلا، اذ يقول ماكغي في كتاب «الطعام والطهي» انه كلما كان اللحم ساخنا بعض الشيء لدى الشروع بطبخه كلما استغرقت عملية الطهي هذه فترة اقل. وهو يقترح لف قطع اللحم والستيك ووضعها في ماء دافئ لمدة 30 الى 60 دقيقة. لكن ان فعلت ذلك قم بطبخ اللحم فورا لكون البكتريا تنمو بسرعة على اللحم الدافئ.

- التقليب المستمر للحم اثناء الشواء او الطبخ الذي هو اقتراح آخر من ماكغي للتسريع بعملية الطبخ. وهو يقول ان التقليب المستمر له يعني عدم اتاحة المجال امام كل جانب من جوانبه لامتصاص، او فقدان الكثير من الحرارة.

بحيث ينضج اللحم ويصبح جاهزا للاكل بسرعة قبل ان تنتهي الطبقات الخارجية منه مطبوخة او مشوية اكثر من اللزوم، مع افتراض وجود كمية اقل من الامينات مختلفة الدارة.

 

 

AkrumHamdy

Akrum Hamdy [email protected] 01006376836

  • Currently 65/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 204 مشاهدة
نشرت فى 29 ديسمبر 2008 بواسطة AkrumHamdy

أ.د/ أكـــرم زيـن العــابديــن محـــمود محمـــد حمــدى - جامعــة المنــيا

AkrumHamdy
[email protected] [01006376836] Minia University, Egypt »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,789,386