أول من اكتشف أن الحشرات تنقل حبوب اللقاح من زهرة إلى أخرى، هو القس (كرستيان شبرنجل ) في عام 1793 بألمانيا . وقد اعترف أن هذا العمل من معجزات الله وقضى كثيراً من الوقت يدرس الزهر والحشرات حتى أشغله ذلك عن كنيسته التي يتولى الوعظ فيها فانصرفت عنه رعيته .
و جاء " داروين" بعده بستين سنة يعلن أن النباتات لها وسائل معقدة، بعضها تمنع التزاوج بين أعضاء تذكير وتأنيث نفس الزهرة، وإذا لقحت صناعياً لا تنتج بذوراً . ففي بعض الأزهار نرى عضو التذكير يبلغ نضجه قبل عضو التأنيث، فلا يتم التلقيح إلا إذا جِيء بحبوب اللقاح من نبتة أخرى، قد تم نضج أعضاء التذكير فيها، في موعد يوافق تلقيح عضو التأنيث في تلك . وبعضها تلقح نفسها بنفسها، دون معونة لنقل حبوب اللقاح بالهواء أو الحشرات . وهذه قد توافقت تراكيبها كما في الذرة والقمح وغيرها، فأعضاء التذكير التي تحمل اللقاح، تميل إلى مواضع فتحات أعضاء التأنيث بتقدير وضبط لا يمكن استناده إلى شيء فتنعقد بذلك الحبوب .. فهل هذا مصادفة ؟ .
أما أصناف النوع الأول فنرى أن للأزهار حِيلاً عجيبة، فبعضها ما إن يحس بالحشرة تطأ أعضائها، حتى يهوي عليها وعاء اللقاح، فيضربها ضرباً رقيقا ليغمرها باللقاح، وبعضها يقوم بما يدل على قوة الإلهام في وضوح ودون لبس، فزهرة القطرب لا يتم تلقيحها إلا بفراش الليل ، فلذلك تذبل بالنهار، فإذا غابت الشمس تفتحت أكمامها، وانتشرت رائحتها الجذابة، وبرزت أعضاؤها الداخلية بما عليها من حبوب اللقاح استعداداً لتلقي فراش الليل، فإذا ما أقبل الفجر عادت الزهرات إلى حالتها الأولى .
فإذا كان هذا هو الشأن في الإنسان والحيوان والنبات، فسبحـان من لا شغله شـأن عن شأن ...!!!
قال تعالى: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11)
الأمــومــة
تسمو عاطفة الأمومة على أية عاطفة على وجه الأرض، وقد أودعت كافة الأحياء تلك العاطفة التي تتجلى فيها بوضوح، قدرة الخالق ورحمته عموماً .. فهل إذا نزعت هذه العاطفة من قلوب الأحياء يعمر الكون ؟!.
تتحمل الأم في سبيل هذه العاطفة من الآلام ما لا طاقة عليها . وفي سبيلها تهون كل ما تجده من عذاب دونه من عذاب دونه أي عذاب في الدنيا ... ونحن نلمس في حياتنا كيف أن الأم تفيض سعادة، بقدر ما يفيض عليها حملها من نصب وتعب .... وكلما زاد حملها عليها وزنه، أشرقت العاطفة بنورها بين جنباتها .. ومن عجب أن الإنسان دائما يطلب تأخير كل ما يتصل تحياته من جراحة أو تمريض . فيما عدا الأم .. التي تستعجل ... وضع وليدها، بالرغم مما في هذا الوضع من آلام تتفق كافة الآراء على شدتها . والأمثلة على تضحية الأم بحياتها، في سبيل وليدها بسخاء وجود، كثيرة لا تقع تحت حصر ... وتعلق الأم بطفلها .. وسهرها عليه .. وحبها له لما هو مضرب الأمثال .
و الإلهام في عاطفة الأمومة، يظهر أوضح في الحيوانات، فهي تأتي في سبيل وليدها من العجيب ما حير الباحثين ...فالقطط والكلاب التي تحمل أولادها بأنيابها الحادة المخيفة، وتعدوا بها المسافات الشاسعة، دون أن تخدش جلدها وطيران الخفاش وصغاره معلقة به، وهو ينوء بحملها ولا يضعها إلا حيث الأمان ،و لو اقتضى ذلك منه طيران الليالي بأكملها وحملالكنجارو لوليدها في كيس بطنها، والقفز به من مناطق الخطر، كل هذه أمثلة توضح إلهاما من الله، سبب عاطفة، هي أرق واخلص عاطفة من كائن لكائن ..!!
و من أروع الأمثلة على الإلهام، ما نراه في حيوانالاكسيلوكوب الذي يعيش منفرداً في فصل الربيع، ومتى باض مات فالأمهات لا ترى صغارها ولا تعيش لتساعدها في غذائها لمدة سنة كاملة، لذلك نرى الأم تعمد إلى قطعة من الخشب فتحفر فيها حفرة مستطيلة ثم تجلب طلع الأزهار وبعض الأوراق السكرية، وتحشوا بها ذلك السرداب، ، فمتى فقست البيضة وخرجت الدودة كفاها الطعام المدخر سنة . فانظر إلى ذلك التدبير الحكيم، وتلك الرحمة من حيوان على ولده، الذي سيرى العالم بعد فمن أودع فيه تلك الرحمة .. ومن ألهمه ذلك الحنان !!
و حشرة الزنبور الحفار تحفر أنثاه نفقاً في الأرض تضع فيه بيضهاً، وبعد أن تحفر النفق لا تضع فيه البيض مباشرة . بل تبحث عن دودة تلسعها لسعة تخدرها ولا تميتها ثم تسحبها إلى داخل النفق، وتضع عليها البيض وتسد النفق . وتموت الأنثى عن بيض قد توافر لدوده عنده عند فقسه ما يكفيه من القوت .
و لعل من أعجب ما أكتشفه العلم، أن كل إناث الطير من أي نوع كانت تضع من البيض عادة نفس العدد الذي تضعه في كل بطن، فبعضها يضع من ثلاث بيضات إلى خمس، وبعضها من خمس إلى ست وهكذا . غير أنه قد لوحظ أنه إذا رفع من تحتها بعض بيضها وضعت بدلاً منه لتساويه في العدد وهذه القدرة على إنتاج البيض تكاد تكون عجيبة لا يصدقها العقل !!.....
وقد ذكرت مجلة " ذي اوك " أن بعض علماء الطير عمدوا إلى طائر النقار، فأخذوا من وكره بيضه ما عدا واحدة، وظلوا يكرر أخذ البيض ليروا إلى متى يظل يضع من البيض بدل ما سرق، فوضع الطائر الذي حيره الأمر 71 بيضة في 73 يوماً .
و الجهد الي يعانيه الطير في جلب الطعام لصغاره وتغذيتهم لأمرٌ يعلمه كل من رأى الطير وصغارها .
و يقول الدكتور " أرثر ألن " من جامعة "كورنل " أنه تحرى الدقة في عدد رحلات أنثى عصفور العصو، تطلب الطعام لتغذية صغرها، فوجد أطعمتها 1217 مرة، ما بين الفجر ومغرب الشمس .
أما كيف تميز أم أفراخ الطير أياً من صغارها ينبغي أن يتغذى، فهو من دلائل ما أودعه الله من أسرار وإلهام . فإن النظام الدقيق الذي ركب في حلق كل فرخ . يقضي بأنه إذا أمتلأ أبطأ في ابتلاع ما يزق به، فما على الأم إلا أن تزق الذي يفتح لها منقارها، ثم تراقب العاقبة بدقة، فإذا رأت الطعام لا ينزلق في الحلقوم، امتصته ثانية وزقت به الذي يليه . أي أن الذي يبتلع الطعام من فوره، هو أفرغها من الطعام جوفاً ..!!
و حزن الأم على فقد ولدها إذا كان مضرب الأمثال في الإنسان، فإن من الحيوان، يأتي من ضرب الحزن والألم، في هذا الحال، أكثر مما يشاهد في الإنسان .
فحزن الناقة على صغيرها، أو الكلبة على جروها .. لما يتوارد في الأحاديث، على سبيل العظمة والعبرة، وقد ضرب الخيل أروع الأمثلة في هذا الشأن،، ومن يشاهد حياتها يعرف أن الفرس إذا مات صغيرها نهنهت بصوت مسموع يعرفه القاصي والداني، وكثيراً ما يفيض الحزن بالفرس فتأتي من الأعمال ما لا يصدقه العقل .. فهذه الفرس التي صاحت وبكت حتى نزلت من عينها الدموع لموت صغيرها وفاض بها الحزن حتى أنها توحشت ولم يستطع انسان أن يقترب من جسد صغيرها، وما إن هدأت وحمل جسد الصغير حتى سارت خلفه . ولما دفن لازمت قبره، وانقطعت عن الأكل والشرب، ولم تفد فيها أية محاولة، حتى قادها عذابها وحزنها إلى الموت .. تتكرر حالاتها بين الحين والآخر في مختلف أنحاء العالم .