الانتشار الجغرافي لأنفلونزا الطيور الناجمة عن فيروس H5N1 لدى الطيور
ابتداءً من أواخر تموز / يوليو 2005 تشير التقارير الرسمية المقدمة من السلطات الحكومية إلى المكتب الدولي للأوبئة الحيوانية إلى أن فيروس H5N1 وسَّع نطاقه الجغرافي. وأبلغ كل من روسيا وكازاخستان عن حدوث فاشية لأنفلونزا الطيور بين الدواجن في أواخر تموز / يوليو, وفي أوائل آب / أغسطس أكد كل منهما أن العامل المسبب لهاتين الفاشيتين هو فيروس H5N1. كما تم الإبلاغ عن حالات نفوق بين الطيور المهاجرة المصابة بعدوى الفيروس. وتُعزى الفاشيتان اللتان حدثتا في البلدين إلى الاختلاط بين الطيور المنزلية وبين الطيور المائية البرية عن طريق مصادر المياه المشتركة.
وهاتان هما أول فاشيتين تسجَّلان لأنفلونزا الطيور الناجمة عن فيروس H5N1 الشديد الإمراض في هذين البلدين. وكان كلا البلدين يُعتبر في السابق خالياً من ذلك الفيروس.
ومنذ ورود التقارير الأولية انتشرت فاشية فيروس H5N1 بين الدواجن في روسيا تدريجياً في اتجاه غرب البلد بعد أن كانت محصورة في سيبيريا, وانتقلت إلى ست مناطق إدارية. أما في كازاخستان فإن من المعروف الآن أن عدة قرى متاخمة لموقع الفاشية التي حدثت في البداية في سيبيريا تشهد انتشار المرض بين الدواجن. وحتى الآن شملت الفاشيتان في البلدين الأسراب الموجودة في المزارع الكبيرة وفي الأفنية الصغيرة حيث نفق أو أُهلك نحو 120000 طائر في روسيا وأصيب بالمرض نحو 9000 طائر في كازاخستان.
وفي أوائل آب / أغسطس أصدرت منغوليا تقرير طوارىء عقب نفوق 89 طائراً من الطيور المهاجرة في بحيرتين تقعان في الجزء الشمالي من البلد. وقد عُرف أن فيروس أنفلونزا الطيور من النوع " ألف " هو السبب في ذلك, ولكن لم يتم حتى الآن تحديد سلالة الفيروس. وتم تقاسم العينات مع المختبرات المرجعية التابعة لمنظمة الصحة العالمية, ويجري فحصها الآن. وفي أوائل آب / أغسطس أيضاً كُشفت فاشية لفيروس H5N1 بين الدواجن في منطقة التبت بالصين.
وفي كل هذه الفاشيات الحديثة أعلنت السلطات اتخاذ تدابير للمكافحة تتسق مع توصيات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة والمكتب الدولي للأوبئة الحيوانية فيما يتعلق بأنفلونزا الطيور الشديدة الإمراض. وحتى الآن لم تُكشف أي حالة بين البشر, وفي هذا الصدد يُتوخى الحذر الشديد ويجري تقصي الشائعات من قبل السلطات المحلية.
وتُعد الفاشيتان اللتان حدثتا في روسيا وكازاخستان دليلاً على أن فيروسات H5N1 تنتشر خارج مركزها الأساسي في بلدان جنوب شرق آسيا, حيث يُعرف الآن أن الفاشيات بدأت فيها في منتصف عام 2003. وعلى الرغم من جهود المكافحة الدؤوبة حذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة من أن حالات الإصابة بفيروس H5N1 مازالت تُكتشف في أنحاء كثيرة من فييت نام وإندونيسيا وكذلك في بعض أنحاء كمبوديا والصين وتايلند, وربما في لاوس أيضاً. وقد ترتبت على فاشيات جنوب شرق آسيا, التي أسفرت عن نفوق أو إهلاك ما يزيد على 150 مليون طائر, عواقب وخيمة بالنسبة إلى الزراعة, وخصوصاً بالنسبة إلى المزارعين الكثر الذين يعتمدون على أسراب الأفنية الصغيرة لكسب رزقهم والحصول على غذائهم. وتأكد في أربعة بلدان حدوث حالات إصابة بين البشر نتج معظمها عن الاختلاط بالدواجن المريضة أو النافقة في المناطق الريفية, وهذه البلدان هي فييت نام وتايلند وكمبوديا وإندونيسيا. ولم تُسجل إلا حالات قليلة من الانتقال المحدود من إنسان لآخر. وتمت بنجاح مكافحة فاشيات أنفلونزا الطيور الناجمة عن فيروس H5N1 في اليابان وماليزيا وجمهورية كوريا.
وتتفق منظمة الصحة العالمية تماماً مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة والمكتب الدولي للأوبئة الحيوانية في أن مكافحة عدوى أنفلونزا الطيور بين أسراب الطيور البرية غير مجدية ولا ينبغي محاولتها. ومن المعروف منذ حين أن الطيور المائية البرية هي المستودع الطبيعي لفيروسات الأنفلونزا من النوع " ألف ". ويمكن أن تحمل الطيور المهاجرة هذه الفيروسات في شكلها القليل الإمراض لمسافات طويلة, ولكن لا تظهر عليها عادة علامات المرض, ونادراً ما تنفق بسببه. أما الحالات التي كُشفت فيها فيروسات أنفلونزا الطيور الشديدة الإمراض بين الطيور المهاجرة فهي حالات نادرة بالمثل, ومازال الفهم قليلاً لدور هذه الطيور في انتشار أنفلونزا الطيور الشديدة الإمراض.
كما أن نفوق الطيور المهاجرة بأعداد كبيرة جداً نتيجة أنفلونزا الطيور, مثلما حدث في نهاية نيسان / أبريل في بحيرة كنغهاي بوسط الصين, حيث نفق ما يزيد على 6000 طائر, يُعتبر أمراً غير معتاد. وتشير البحوث المنشورة في تموز / يوليو إلى أن فيروسات H5N1 التي سببت هذه الفاشية مماثلة للفيروسات التي كانت تسري في جنوب شرق آسيا خلال العامين الماضيين.
وتبين تحاليل فيروسات الفاشية التي حدثت في روسيا, والتي نُشرت مؤخراً في موقع المنظمة العالمية لصحة الحيوان على الإنترنت, أن هناك تشابهاً واضحاً بينها وبين الفيروسات المعزولة من الطيور المهاجرة أثناء الفاشية التي حدثت في بحيرة كنغهاي. وينبغي كذلك أن تثبت العينات المأخوذة من الفاشية التي حدثت في منغوليا بين الطيور المهاجرة فائدتها في تسليط الضوء على هذه التطورات الحديثة. ومن الأنشطة الضرورية لتقدير خطر حدوث جائحة من جوائح الأنفلونزا رصد انتشار وتطور فيروسات الأنفلونزا H5N1 بين الطيور ومضاهاة هذه النتائج بسرعة مع فيروسات H5N1 التي حُددت في السابق.
الآثار الواقعة على صحة الإنسان
نجمت الفاشيتان اللتان حدثتا بين الدواجن في روسيا وكازاخستان عن فيروس برهن مراراً وتكراراً على قدرته على عبور الحاجز بين الأنواع لكي يصيب البشر بعدواه مسبباً المرض الشديد مع معدل إماتة مرتفع, وذلك في الفاشيات التي حدثت في كل من هونغ كونغ في عامي 1997 و2003, وفي جنوب شرق آسيا منذ أوائل عام 2004. ويُحتمل بالمثل وجود حالات بين البشر في المناطق التي ظهر فيها مؤخراً المرض الناجم عن فيروس H5N1 بين الدواجن.
وتبين الخبرة في جنوب شرق آسيا أن حالات العدوى بين البشر نادرة, وأن الفيروس لا ينتقل بسهولة من الدواجن إلى البشر. وحتى الآن حدث معظم حالات الإصابة بين البشر في مناطق ريفية. ومعظم حالات الإصابة بين البشر, وليس جميعها, ناجم عن التعرض المباشر للدواجن النافقة أو المريضة, وخصوصاً أثناء ذبحها في المنزل ونزع ريشها وإعداد الطعام. ولم يتأكد حدوث أية حالات بين العاملين في تربية الدواجن ولا بين العاملين في ذبح الدواجن. ولم يتم ربط أية حالة باستهلاك لحوم الدواجن أو بيضها بعد طهوهما جيداً.
ويمكن أيضاً للعوامل المتعلقة بازدحام الدواجن وكثافة نظم الزراعة في مختلف البلدان أن تؤثر في احتمال حدوث حالات إصابة بين البشر. وخلال فاشية أنفلونزا الطيور الشديدة الإمراض التي حدثت عام 2003 بسبب سلالة H7N7 في هولندا كُشف ما يربو على 80 حالة من حالات التهاب الملتحمة بين العاملين في تربية الدواجن والعاملين في ذبح الدواجن ومن يخالطونهم عن كثب, وتوفي أحد الأطباء البيطريين. ويؤكد هذا الحدث الذي تم احتواؤه بعد إهلاك نحو 30 مليون من الدواجن ضرورة أن تتبع البلدان التي انتقل إليها المرض في الآونة الأخيرة الاحتياطات الموصى بها من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة والمكتب الدولي للأوبئة الحيوانية ومنظمة الصحة العالمية لدى اتخاذ تدابير المكافحة في المزارع الموبوءة.
عوامل الاختطار الخاصة بالجوائح
لا يمكن استبعاد إمكانية انتقال أنفلونزا الطيور الناجمة عن فيروس H5N1 إلى الدواجن في بلدان أخرى. وتوصي منظمة الصحة العالمية بتعزيز ترصد الفاشيات لدى الدواجن ولدى الطيور المهاجرة التي تنفق بأعداد كبيرة, كما توصي بالمسارعة باتخاذ تدابير االاحتواء على النحو الموصى به من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة والمكتب الدولي للأوبئة الحيوانية. كما يوصى بتوخي الحذر الشديد فيما يتعلق بحالات الأمراض التنفسية لدى الأشخاص الذين سبق وتعرضوا لدواجن مصابة بالعدوى في البلدان المعروف أنه حدثت فيها فاشيات. ويتيح أيضاً تزويد المختبرات المرجعية التابعة لمنظمة الصحة العالمية والمكتب الدولي للأوبئة الحيوانية / منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة بعينات سريرية وفيروسات معزولة من البشر والحيوانات إجراء دراسات تسهم في تقدير مخاطر الجائحة وتساعد على ضمان استمرار العمل من أجل استنباط لقاح.
ويثير اتساع الرقعة الجغرافية التي يوجد فيها الفيروس القلق لأن ذلك يزيد فرص تعرض البشر. وتؤدي كل حالة إضافية تحدث بين البشر إلى زيادة فرص الفيروس في تحسين قدرته على الانتقال, إما من خلال الطفرة التكيفية أو من خلال التفارز مجدداً. ويُعد ظهور سلالة من سلالات H5N1 تنتقل بسهولة بين البشر علامة تدل على بداية جائحة. |