تناول الكتاب والسنة قضية الليل والنهار، وبيّنا هدي الإسلام فيها من حيث تخصيص الليل للسكن والراحة، والنهار للعمل والنشاط. وقد ثبت حديثًا وجود دورة ثابتة على مستوى الخلايا والأنسجة في الجسم تتوافق وقضية الليل والنهار، وسنطرح في هذا البحث الرؤية العلمية المعاصرة للساعة البيولوجية، من حيث تعريفها ومكانها وشواهدها وآثارها، وكيفية التحكم فيها على مستوى الأنسجة والخلايا، والمؤثرات الخارجية والداخلية التي تؤثر على عملها. وكيف تتأقلم وتتكيف مع المتغيرات، ثم يربط البحث بين الهدي الإسلامي وبين هذه الرؤية المعاصرة، ويبين مناط الإعجاز في الكتاب والسنة من حيث سَبْقِه لهذه الكشوفات العلمية.

 

أولاً: الجانب الشرعي

قال الله تعالى:(فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ الَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (الأنعام ـ 96).

(وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ) (الأعراف ـ 4).

(هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (يونس ـ 67).

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَئْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَآءِ) (النور ـ 58).

(أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا الَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (النمل ـ 86).

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَآءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (القصص 71 ـ 73).

(وَمِنْ ءَايَاتِهِ مَنَامُكُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَآؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (الروم ـ 23).

(اللَّهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (غافر ـ 61).

المستفاد من الآيات:

جعل الله ـ سبحانه وتعالى ـ للإنسان دورة يومية منتظمة مع تعاقب الليل والنهار، فخص النهار بالسعي والعمل، وخص الليل بالراحة والسكون، وجعله مظلمًا وجعل برده سببًا لضعف القوى المحركة، وظلمته سببًا لهدوء الحواس الظاهرة (الألوسي ـ روح المعاني)، وأكثر من ذلك جعل لكل فترة من فترات الليل والنهار خاصية منفردة؛ فذكّر التبكير في اليقظة صباحًا (ثلث الليل الأخير) للصلاة ـ قيام الليل، ثم صلاة الصبح، ثم جعل القيلولة في الظهيرة وهي الراحة، أو النوم منتصف النهار (الألوسي ـ روح المعاني)، ثم أمر بالمحافظة على الصلاة الوسطى (صلاة العصر)، وبالنسبة للّيل حث على الاستيقاظ في الثلث الأخير للتهجد، وأكثر من ذلك استثنى أصحاب الأعمال الضرورية مثل الحراسة والخدمات الضرورية للعمل ليلاً وبذا يكون معظم الليل سكون وراحة ونوم إلا فترة محددة (الثلث الأخير)، ومعظم النهار سعى وعمل ونشاط إلا فترة محددة (الظهيرة)، وهذا يتوافق تمامًا كما سنرى مع الإيقاع البيولوجي (الساعة البيولوجية) الذي يضبط عمل الجسم.

الأحاديث النبوية وهدْيُ المصطفى

          (حدثنا كثير بن هشام، حدثنا هشام، عن أبي الزبير، عن جابر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله  قال: (أغلقوا الأبواب بالليل، وأطفئوا السرج، وأوكوا الأسقية، وخمّروا الطعام والشراب، ولو أن تعرضوا عليه بعود)، (مسند الإمام أحمد).

          (عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي  قال: (إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه)، (مسلم).

          (عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي  يسألون عن عبادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها فقالوا: وأين نحن من النبي  قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل الناس فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله  إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له؛ لكني أصوم وأُفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سُنّتي فليس مني)، (البخاري).

          (حدثنا علي بن عبدالله، حدثنا سفيان، عن عمرو، عن أبي العباس قال: سمعت عبدالله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ يقول: قال لي النبي : (ألم أُخبَر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ قلت: إني أفعل ذلك، قال فإنك إذا فعلت ذلك هَجَمَت عينُك وَنَفِهَت نَفْسُك، وإن لنفسك حقٌّا، ولأهلك حقٌّا، فَصُم وأفطِر، وَقُمْ وَنَمْ)، البخاري 1085.

          (حدثنا جرير، عن منصور، عن خيثمة، عن رجل من قومه، عن عبدالله ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله : (لا سَمَر بعد الصلاة ـ يعني العشاء الآخرة ـ إلا لأحد رَجلين؛ مُصَلٍّ، أو مسافر)، مسند أحمد 3421.

وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتابعين ومَن بعدهم في السمر بعد صلاة العشاء الآخرة؛ فَكَرِهَ قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء، ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد منه من الحوائج، وأكثر الحديث على الرخصة.

المستفاد من سُنّة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم

1 ـ      تخصيص الليل للسكون والراحة، إلا ثلث الليل الأخير فللصلاة والذكر والتفكر.

2 ـ      النوم المبكر بعد صلاة العشاء إلا لحاجة.

3 ـ      الحض على تهيئة الجو المناسب للراحة والسكينة بالليل، وذلك بالأمر بإطفاء المصابيح عند النوم، والنهي عن الطَّرْقِ الفُجائي بالليل، وكلها مؤثرات خارجية هامة تؤثر على الساعة البيولوجية ـ كما سنرى.

4 ـ      النهي عن مواصلة الصلاة بالليل (النافلة) عند الشعور بالإرهاق والنوم، وفي هذا استجابة لمتطلبات الجسم الطبيعية.

5 ـ      النهي عن مواصلة العمل حتى في العبادات دون إعطاء البدن حقه وتلبية احتياجاته الفطرية والغريزية.

ثانيًا: الجانب العلمي

الإيقاع الدوري البيولوجي

هو التغير الدوري من حد أدنى إلى حد أقصى ثم إلى حد أدنى في نشاط العضو، وذلك وفق خطة زمنية ثابتة لا تتغير، وهو أحد الخصائص الهامة للمادة الحية، ويوجد عند كل الأحياء من وحيدي الخلية إلى الإنسان، وأيضًا على كل المستويات في الكائن الحي الواحد: أجهزة، أعضاء، أنسجة، خلايا، مركبات الخلايا. (مرجع6).

خصائص الإيقاع

          يكون محددًا أصلاً بالوراثة، وغير مكتسب.

          ثابت داخل الجنس الواحد (الفأر: نشاط ليلي، راحة نهارية ـ الإنسان: نشاط نهاري، راحة ليلية).

          لا يتوقف وجوده على العوامل الخارجية مثل الضوء والظلام ولكن يتكيف معها بتغيرات تتناول مدة الإيقاع بالزيادة والنقصان. (مرجع 6).

التصميم الزمني للجسم

كل الأجهزة والوظائف والأعضاء تعمل ضمن خطة شاملة متوازنة هدفها خدمة مصلحة الجسم العليا (حياته وسلامته) (التكامل والتناسق) مثلاً: ينشط أثناء النهار: الجهاز العصبي، القلب، والدورة الدموية، والتنفس. ويزداد إفراز الهرمونات التي توفر الطاقة؛ مثلاً الكورتيزون (قمة صباحية)، والهرمون الحاث لإفراز الكورتيزون قبله بساعة. وأثناء الليل يزداد نشاط الإفرازات التي تؤدي إلى راحة واسترخاء أجهزة الجسم مثل الميلاتونين، البورستاجلاندين، الجهاز العصبي غير الودي، الخلايا اللمفاوية وكرات الدم البيضاء ـ لتعزيز دفاعات الجسم، ولذا غالبًا ما تأتي الحمّى بالليل، كما يقل هرمون الكورتيزون، وبالتالي تنشط وسائل المناعة حيث يتلاشى التأثير المثبط للمناعة لهذا الهرمون. (مرجع 9).

الساعة البيولوجية

هي التي تتولى توجيه الإيقاع الدوري والتصميم الزمني بشكل ثابت ومنسق.

أين توجد؟

ـ توجد في النواة فوق التصالبية بالدماغ، وأيضًا في الخلايا الأخرى والأنسجة، حيث أظهرت البحوث أن قطع رأس ذبابة الفاكهة لا يفصل الإيقاع الدوري البيولوجي. (مرجع 19).

ما الذي يقود الساعة البيولوجية؟

توجد جينات تسمى بير Per، وتيم Tim less تتأثر بدورة الظلام والضوء؛ فتنخفض مع الضوء الساطع، وتزداد في الظلام، فإذا زادت كميتها تتحد معًا ثم تقوم عن طريق التغذية الاسترجاعية بوقف نشاط الجينات التي صنعتها، ثم تتحلل، ثم تبدأ الدورة من جديد، ويوجد جينان يسميان كلوك ويامال يتحدان مع جينَي بير وتيم لتنشيطهما وبدء تشغيل الساعة البيولوجية، وهذه الجينات الأربعة تشكل قلب الساعة البيولوجية، وتبدأ الدورة في منتصف النهار ثم تتراكم البروتينات حتى تصل ذروتها قبل الفجر، ثم تتناقص لتبدأ دورة جديدة وهكذا (مرجع 13، 10).

المؤثرات الخارجية على الساعة البيولوجية

ينبغي التنبيه إلى أن الساعة البيولوجية مدعمة ذاتيٌّا وتعمل بصورة فطرية وأن المتغيرات أو المؤثرات الخارجية تعمل في إطار إعادة ضبط الساعة مع زيادة أو نقص الدورات البيولوجية:

          الضوء والظلام

          اليقظة والنوم والسكون.

          الضوضاء.

          هذه المؤثرات الخارجية تعمل على إعادة تكيف الساعة البيولوجية مع الدورة البيئية السائدة، وذلك عن طريق التغير الكمي والنوعي في الجينات التي تتحكم في ضبط الساعة البيولوجية مما يؤدي بدوره إلى متغيرات في الوظائف العضوية للسلوك (مرجع 14).

الضوء

          ينشط الضوء إفراز هرمونات النشاط مثل الهرمون الحاث لإفراز الكورتيزون وهرمون الذكورة (منتصف النهار بالضبط) ويقل إفراز الميلاتونين، وذلك عن طريق الغدة الصنوبرية، وتحدد عدد ساعات الإضاءة الوقت الذي يبلغ فيه الإيقاع البيولوجي ذروته. ويبدأ نشاط الجهاز العصبي الودي في الازدياد وهو المنشط لإفرازات الهرمونات النشطة، وكذلك سرعة ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة الطاقة المطلوبة للنشاط، وزيادة الدورة الدموية للمخ؛ لزيادة الانتباه والتركيز والتوافق الحركي (مرجع 6).

          يزيد من إفراز الكورتيزون.

          يزيد من إفراز السكر وتحليل الدهون والبروتينات.

          يتيح للجسم الحصول على الأحماض الأمينية.

          يؤدي إلى زيادة الطاقة المطلوبة للنشاط النهاري.

في منتصف النهار

          ترتفع نسبة التستوستيرون إلى القمة.

          لا يزال مستوى هرمون الأدرنالين مرتفعًا.

          الإحساس بالجوع يؤدي إلى التوتر.

          قمة أخرى لإفراز الأدرنالين (2 ـ 4م).

          زيادة النشاط القلبي، بحيث يجب تجنب الإجهاد في هذه الفترة (من الظُّهر ـ القيلولة).

          لقد بين (إلترغام) و(دوبسون) أن احتمال توقف القلب يزداد أثناء الفترة الممتدة بين الساعة الواحدة والساعة الثالثة بعد الظهر، وكذلك بين السادسة والتاسعة مساءً.

          ودعمت هذه النتائج بأبحاث (جلستون) كما بين (جوي) وجود تغيرات في تخطيط القلب (نزول الفاصل S.T) أثناء التمرين بالنسبة لمرض ضيق شرايين القلب التاجية، أو ما يسمى بالذبحة الصدرية، ولقد نزل الفاصل س ـ ت (S.T) إلى حده الأقصى في الساعة الثامنة صباحًا والثانية عشرة صباحًا.

          كما أن (ديوار) وجد أن الجلطة القلبية تحدث أثناء الليل، كما تحدث أيضًا بصفة عامة بين الرابعة والسادسة مساءً. كما أن (صمولنسكي) وجد أن أحد أعلى معدلات التنويم في المستشفى من أجل جلطة قلبية يكون أيضًا في حدود الساعة الثامنة مساءً.

          ومن الملاحظ أنه في حالة مرض ارتفاع ضغط الدم لم يتغير الإيقاع الدوري المعروف لسرعة نبض القلب، ولقيمة ضغط الدم، ولهرمونات الكاتيكول أمين. (مرجع 12).

وعليه يمكن أن نستنتج ما يلي:

1 ـ      أن المضاعفات الخطيرة لمرضى القلب تقع في فترة بعد الظُّهر.

2 ـ      أن إفراز الأدرينالين يحافظ على قمّته حتى في الحالة المرضية، وهي ارتفاع ضغط الدم، بحيث إن هذه القمة تحدث بعد الظُّهر كما في الحالة السوية.

ومن الواضح أنه يكون من الأسلم لمرضى القلب ومرضى ارتفاع الضغط أن يلتزموا بفاصل من الاسترخاء والراحة يقطعون به انشغالهم بالحياة اليومية في فترة بعد الظُّهر، مما يزيح عن القلب جزءًا من المجهود، وبالتالي يمنعه من تجاوز خط الإجهاد الأحمر الذي يحدث فيه المكروه، كما بينته الإحصاءات السابقة.

العِشاء

يحدث في خلال فترة العشاء وما بعدها التغيرات التالية:

          يزداد إفراز هرمون الميلاتونين.

          ينشط الجهاز العصبي غير الودي.

          تنخفض دقات القلب وحرارة الجسم.

          الميل للنوم.

          يقل إفراز الكورتيزون.

          تنشط المناعة.

التغييرات الفسيولوجية خلال 24 ساعة

          في الساعة 1 صباحًا ـ النساء الحوامل غالبًا ما يبدأن في الوضع.

          2 صباحًا : خلايا محصنة تسمى الكريات الليمفاوية المساعدة (تي) تكون في ذروتها.

          4 صباحًا : مستويات هرمون النمو تكون في قمة ارتفاعها.

          تكون مستويات الأنسولين في الدم في أقل مستوياتها، يبدأ ضغط الدم ومعدل ضربات القلب في الارتفاع، كما ترتفع مستويات هرمون التوتر (الكورتيزول).

          7 صباحًا: تبدأ مستويات الميلاتونين في الانخفاض.

          مخاطر النوبة القلبية والسكتة الدماغية تكون في أعلى معدلاتها.

          تكون التهابات المفاصل (الروماتيد) في أسوأ أعراضها.

          يكون مستوى الكريات الليمفاوية المساعدة (تي) في أقل مستوى أثناء النهار.

          4 عصرًا: تكون درجة حرارة الجسم ومعدل النبض وضغط الدم في ذروتها. (مرجع 7).

أثر التدخل الحضاري على الساعة البيولوجية

نوبات العمل الليلية، والسفر بالطيران لمسافات طويلة مع وجود فوارق واضحة في الساعات، والسهر ليلاً والنوم نهارًا (عكس الدورة الطبيعية)، والإجهاد القلبي والعضلي فترة ما بعد الظُّهر (لارتفاع الأدرينالين وضغط الدم والنشاط القلبي، كل ذلك أدى إلى اضطراب هذه الساعة البيولوجية. كما أننا ننبه الذين يعملون ليلاً إلى أن النشاط العضوي والنفسي والعقلي يكون عند أدنى مستوى له في الثالثة صباحًا.

ثالثًا: وجه الإعجاز في هذا الموضوع

في قول الله ـ جل في علاه:

(هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا) (يونس 67).

وقوله: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَآءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (القصص 71 ـ 73).

وفي أمر ربِّنا بصلاة الفجر، وهدي نبينا بنوم القيلولة، وإشارة القرآن الكريم للراحة وقت الظهيرة، في قوله تعالى: (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ).

نجد أن لفتات إعجازية وردت في هذه الآيات السابقة تتناول تنظيم الإيقاع البيولوجي للجسم وتضمن تناسق النشاط البدني والذهني للمسلم مع إيقاع هذه الساعة البيولوجية ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1 ـ      النشاط النهاري (المتمثل في الاستيقاظ المبكر لصلاة الصبح، والسعي للرزق والحث على ذلك في حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كل ذلك يتوافق مع ذروة هرمونات النشاط التي تفرز في الجسم عن طريق الساعة البيولوجية، فالطاقة متوفرة والاستعداد تام والتناسق متحقق).

2 ـ      القيلولة في وقت الظهيرة }وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ} تزيل التوتر الناتج من جراء وجود نسبة من هرمونات النشاط والأدرينالين والكورتيزون، وكذلك القمة المرتفعة لهرمون التستوستيرون، والتي قد تتطلب البعد عن التوتر في ذلك الوقت، وكذلك تعطي الفرصة للجسم لأخذ قسط من الراحة استعدادًا للقمّة الثانية لإفراز الأدرينالين والتي تمتد بين الثانية والرابعة ظهرًا.

3 ـ      صلاة العصر }حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} ـ متوافق مع قمة الأدرينالين حيث تؤدي إلى الاسترخاء والبعد عن التوتر.

4 ـ      السكون الليلي: حيث تفرز الهرمونات التي تعمل على استرخاء الجسم (الميلاتونين) يقل نسبة الهرمونات النشطة (الكورتزول ـ الأدرينالين) ويسود الجهاز العصبي غير الودي، وتنشّط المناعة وتستعيد دفاعات الجسم قوتها ومكنتها لتعمل على إصلاح وتعويض ما تبدد أثناء النشاط النهاري، ولا توجد جلبة ولا أصوات ولا أضواء تثير الجهاز العصبي وتؤدي إلى التوترات العصبية والنفسية، بل والحث على تخصيص جزء الليل الأخير قبل الفجر للصلاة حيث صفاء الذهن واستعداد الجسم لاستقبال الضوء كمؤشر لبدء الدورة البيولوجية الجديدة في ميعاد منضبط.

          كما أن اليقظة في هذا الوقت المبكر تعطي فرصة لتفادي الأزمات القلبية وحوادث النزيف المخي التي تحدث في هذه الأوقات، وذلك بتنبيه الإنسان إلى اتباع الاحتياطات المرضية وتناول الدواء واستدعاء الأطباء إذا حدث مثل هذا، وأيضًا المشي إلى المساجد هذا الوقت (حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم) كنوع من الرياضة يؤدي إلى خفض ضغط الدم وتقليل احتمالات الأزمات القلبية والمخية.

مواعيد الصلاة وارتباطها بمواعيد حيوية في فسيولوجيا الجسم

1 ـ يستيقظ المسلم في الصباح ليصلي صلاة الصبح وهو على موعد مع ثلاثة تحولات مهمة:

          أ ـ الاستعداد لاستقبال الضوء في موعده، مما يخفض من نشاط الغدة الصنوبرية، وينقص الميلاتونين، وينشط العمليات الأخرى المرتبطة بالضوء.

          ب ـ نهاية سيطرة الجهاز العصبي (غير الودي) المهدئ ليلاً وانطلاق الجهاز (الودي) المنشط نهارًا.

          ج ـ الاستعداد لاستعمال الطاقة التي يوفرها ارتفاع الكورتيزون صباحًا. وهو ارتفاع يحدث ذاتيٌّا، وليس بسبب الحركة والنزول من الفراش بعد وضع الاستلقاء كما أن هرمون السيرتونين يرتفع في الدم وكذلك الأندرفين.

2 ـ يصلي المسلم الظُّهر وهو على موعد مع ثلاثة تفاعلات مهمة:

          أ ـ يهدئ نفسه بالصلاة إثر الارتفاع الأول لهرمون الأدرينالين آخر الصباح.

          ب ـ يهدئ نفسه من الناحية الجنسية حيث يبلغ التستوستيرون قمّته في الظُّهر.

          ج ـ تطالب الساعة البيولوجية الجسم بزيادة الإمدادات من الطاقة إذا لم يقع تناول وجبة سريعة.

وبذلك تكون الصلاة عاملاً مهدئًا للتوتر الحاصل من الجوع.

3 ـ صلاة العصر:

          مع التأكيد البالغ على أداء هذه الصلاة لأنها مرتبطة بالقمّة الثانية للأدرينالين، وهي قمّة يصحبها نشاط ملموس في عدة وظائف، خاصة النشاط القلبي: كما أن أكثر المضاعفات عند مرضى القلب تحدث بعد هذه الفترة مباشرة، مما يدل على الحرج الذي يمر به هذا العضو الحيوي في هذه الفترة.

          ومن الطريف أن أكثر المضاعفات عند الأطفال حديثي الولادة تحدث أيضًا في هذه الفترة حيث إن موت الأطفال حديثي الولادة يبلغ أقصاه في الساعة الثانية بعد الظهر، كما أن أكثر المضاعفات لديهم تحدث بين الثانية والرابعة بعد الظهر.

          وهذا دليل آخر على صعوبة الفترة التي تلي الظهر بالنسبة للجسم عمومًا والقلب خصوصًا، (أغلب مشكلات الأطفال حديثي الولادة مشكلات قلبية تنفسية) وحتى عند البالغين الأسوياء، حيث تمر أجسامهم في هذه الفترة بصعوبة بالغة وذلك بارتفاع ببتيد خاص يؤدي إلى حالة قلة التركيز والميل إلى النوم، مما يؤدي إلى حوادث وكوارث رهيبة. وتعمل صلاة العصر على توقف الإنسان عن أعماله ومنعه من الانشغال بأي شيء آخر اتقاءً لهذه المضاعفات.

4 ـ أما صلاة المغرب:

          فهي موعد التحول من الضوء إلى الظلام، وهو عكس ما يحدث في صلاة الصبح، ويزداد إفراز الميلاتونين بسبب بدء دخول الظلام فيحدث الإحساس بالنعاس والكسل، وبالمقابل ينخفض السيروتونين والكورتيزون والأندروفين.

5 ـ وصلاة العشاء:

          هي موعد الانتقال من النشاط إلى الراحة ـ عكس صلاة الصبح ـ وتصبح محطة ثابتة لانتقال الجسم من سيطرة الجهاز العصبي (الودي) إلى سيطرة الجهاز (غير الودي)، لذلك فقد يكون هذا هو السر في سُنّة تأخير هذه الصلاة إلى قبيل النوم للانتهاء من كل المشاغل ثم النوم مباشرة بعدها. وفي هذا الوقت تنخفض حرارة الجسم وتنخفض دقات القلب وترتفع هرمونات الدم.

          ومن الجدير بالملاحظة أن توافق هذه المواعيد الخمسة مع التحولات البيولوجية المهمة في الجسم ـ يجعل من الصلوات الخمس منعكسات شرطية مؤثرة مع مرور الزمن. فيمكن أن نتوقع أن كل صلاة تصبح في حد ذاتها إشارة لانطلاق عمليات ما، حيث إن الثبات على نظام يومي في الحياة ذي محطات ثابتة ـ كما يحدث في الصلاة مع مصاحبة مؤثر صوتي وهو الأذان ـ يجعل الجسم يسير في نسق مترابط جدٌّا مع البيئة الخارجية.

          ونحصل من جراء ذلك على انسجام تام بين المواعيد البيولوجية داخل الجسم، والمواعيد الخارجية للمؤثرات البيئية كدورة الضوء ودورة الظلام، والمواعيد الشرعية بأداء الصلوات الخمس في مواقيتها. (مرجع 6).

هديُ الرسول صلى الله عليه وسلم في النوم والاستيقاظ

أ ـ       تتوافق مواعيد النوم بعد العشاء مباشرة والاستيقاظ المبكر لصلاة الليل، ثم الصبح ـ مع مواعيد الساعة البيولوجية التي تنظم عمل الأجهزة في الجسم، حيث تبدأ دورة منضبطة مع استقبال أول ضوء وحتى حلول الظلام (النهي عن السمر بعد العشاء).

<SPAN lan

AkrumHamdy

Akrum Hamdy [email protected] 01006376836

  • Currently 69/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
23 تصويتات / 352 مشاهدة
نشرت فى 15 سبتمبر 2008 بواسطة AkrumHamdy

أ.د/ أكـــرم زيـن العــابديــن محـــمود محمـــد حمــدى - جامعــة المنــيا

AkrumHamdy
[email protected] [01006376836] Minia University, Egypt »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,789,901