إن أكبر خطأ علمي سقطت فيه البشرية هو اعتماد اللحوم كمادة أساسية في التغذية.

 

مقدمة عامة

 مما لا شك فيه أن الإنسان يميزه العقل عن باقي المخلوقات الأخرى، وهو المخلوق الوحيد الذي جعل له الله سبحانه وتعالى تفكيرا وأعطاه أدوات يميز بها الأشياء، وطبعا فالذي خلق هذا المخلوق على هذه الحال يعلم أنه ذو عقل، يجب أن يستخدمه ليعيش العيش الحسن والحياة الطيبة الهادئة، وكذلك ليتذكر الله سبحانه وتعالى وهو ما نسميه بالعبادة فتظل العلاقة قائمة بين الله والإنسان، أو بين الخالق والمخلوق، ولا يمكن أن تكون هذه العلاقة إلا بالأحكام أو الشرع .والإسلام شرع أحكاما مطلقة وثابتة لا تقبل التغيير والتجديد والتكييف، مخافة التحريف كما وقع للتوراة، وهذه الأحكام هي التي تنظم الحياة العامة للناس، وتتفق مع ما ينفع ويحفظ المجتمع مما كان عليه في الجاهلية، وتتفق كذلك مع فطرة الإنسان السليمة، وحبد بعض الأحكام، ودم أخرى، كما أباح بعضا آخر، وكل الأحكام التي أتت في القرآن تقبلها النفس بسهولة وتقبلها الفطرة، ولذلك يؤكد الإسلام على تكوين وتهديب الشخصية المسلمة قبل المنع والتحريم.

 

بعد مرور أزيد من أربعة عشر قرنا على نزول القرآن، لم نتمكن إلى حد الآن من تناوله بالدراسة العلمية، ليس الجانب العلمي المحض الذي يخص العلوم الحقة، أو العلوم الكونية، أو العلوم الحسية، ولكن العلوم التربوية والاجتماعية والإنسانية، وهذا هو الوجه القوي للإعجاز القرآني، لأنه ليس هناك مستوى نابغ لهذه العلوم، لنتناول بالدراسة والبحث، ما جاء في القرآن بخصوص هذه العلوم. ولنا أن نقارب بين الظروف التي نزل فيها القرآن، إذ كانت البشرية على جاهليتها، وكانت على وجاهتها اللغوية والعرفية والقبلية. ومن جملة ما كان عليه المجتمع قبل مجيء الإسلام : الإدمان والفساد وأكل الميتة والأنصاب والأزلام والربا والزنى وقطع الرحم والوأد وكل ما يمكن أن يتصوره الإنسان من أوجه الفساد والضلال والقهر والظلم، بل لم يعد للفقير والضعيف مكان في هذا المجتمع، ولنرى كيف بدأ التغيير والتحول وضبط الأشياء التي كانت صعبة المنال، وأمام هذه التصرفات لم يكن من الممكن استعمال أي أسلوب لتنظيم الحياة العامة وفي هذه الظروف الصحية والقاهرة يأتي الوحي من السماء، لأنه الحل الوحيد الذي بإمكانه أن يعيد البشرية إلى الطريق الصواب، والقرآن لا يتكلم عن الزجر والعنف ومقابلة العنف بالعنف، كما هو الشأن بالنسبة للقانون الوضعي، وإنما يتكلم عن حلال وحرام، بمعنى ليس هناك خيار فيما عدا ما رسمه الله للناس، ولنرى كيف بدأ الإصلاح القرآني للمجتمع ومن أين بدأ. ونتناول النهج السليم والصحيح الذي نهجه الإسلام في إقناع الناس على الكف في التمادي في الفساد والظلم والجبروت.

 

وقبل أن نتطرق إلى النصوص المتعلقة بالتحريم، وهي النصوص اللفظية التي جاءت في سورة المائدة، لابد أن نتطرق إلى الجانب التربوي. ففي كل المشاهد التي يصف فيها القرآن الشرع  الإلهي، الذي سيبقى مع البشر إلى يوم القيامة، نجد الإعداد النفسي لهذا الشرع، فيتدخل القرآن لينوب عن الطب النفسي، ليجعل هذا الإنسان العادي الجاهل ينهض ويتعلم ويتقوى، بعدما أضنته الجاهلية، وحطمت معنوياته بظلمها. وفي هذه الآية التي جاءت ضمن القرآن المكي، وهو قرآن المبادئ والأسس التي ستؤدي إلى شخصية قوية واعية صحيحة، هذه الشخصية التي كانت مدمنة على الفساد، فإذا بها تستيقظ وتعي كل الوعي حقيقة الأمور، فيبدأ القرآن بالدرس الأول، درس القيم والوعي، فيعرف القياس الذي يفرق بين ما تقبله النفس بالفطرة وما ترفضه، وبين الحسن والقبيح، أو بين الخبيث، والطيب وهو ما جاء في سورة الاعراف  (157)لقوله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

 

وهذه الخصال التي جاءت في هذه الآية هي من باب التربية والتحسيس، وجاءت بأشياء أصلية وفطرية، تقبلها النفس بالفطرة، وأخرى ترفضها النفس كذلك بالفطرة، فالخطاب في الآية "يحرم عليهم الخبائث ويحل لهم الطيبات"، يعيد الأمور إلى نصابها، فاقتران الخبيث بالتحريم مقبول للعلة والفطرة، وإحلال الطيب مقبول كذلك للعلة والفطرة. والمنطق والموضوعية سيجعلان الشرع الذي سيأتي بالتحريم فيما بعد مقبولا ومعمولا به، فالإنسان الذي تعلم وعرف الخبيث والطيب، سيختار لنفسه الطيب، وسيحرم هو على نفسه الخبيث.

 

وتعتبر هذه الآية من سورة الأعراف، قاعدة عامة لكل حلال أو حرام، قبل أن نصل إلى الآيات التي تفيد التفصيل، وتزكي كل العلل التي يحرم من أجلها حرام، أو يحل من أجلها حلال، وتعتبر كذلك هذه الآية علمية من حيث المقصود والغاية، لأن القواعد الصحية الحديثة تمنع كل ما يؤدي الجسم وتصنفه خبيثا، وتوصي بكل ما ينفع الجسم وتصنفه صحيا. وإذا انطلقنا من هذه القاعدة، فلا نختلف في الحلال والحرام من حيث العلل، إذا كان من الممكن أن تبين العلوم ذلك، وإلا فيجب أن نأخذ بالشرع في الحلال والحرام لتعذر الأمر على العلوم، ونقصها وضعفها وعجزها، على تبيان الضرر والمنفعة في المواد الغذائية. وقد تكون النتائج العلمية غير واضحة في بعض الوقائع، ولذلك فالمسلم يطمئن لشرع الله، ويمتثل لأمره سبحانه، فلا يقرب الحرام لأنه خبيث ومضر، ولا يقرب إلا الحلال لأنه طيب، ولا يسأل عن هذه الأشياء لأن الامتثال طاعة لله ورسوله، والطاعة درجة عالية في العبادة.

 

وفي ما يلي سنفصل إن شاء الله الغاية من إباحة الطيبات، والعلة من تحريم الخبائث، من خلال ما جاء في كتاب الله عز وجل و ما جاء في الأحاديث النبوية الشريف، مع بيان أوجه الإعجاز في ذلك لجعل العلوم أكثر نفعا في حياة البشر، على مستويين،  على المستوى العقدي بالتقوى وعلى المستوى العلمي بتجنب الأخطار المتعلقة بهذه المحرمات.

اللحوم الحلال

 

لقد بينت النصوص القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، ما يحل وما يحرم من الأطعمة والأشربة. ولقد بدأ القرآن الكريم برفع الحجز عن الحلال قبل أن يتطرق إلى الحرام وهو أسلوب الإيجابية، والقرآن لا يبدأ بالسلبية في خطابه وتربيته، وكل الأوجه التي جاء بها تبدأ بالإيجابية، ونرى هذا النهج الإيجابي في تحليل الطيبات قبل النهي عن المحرمات في سور كثيرة من كتاب الله : قال المولى تبارك وتعالى في الطيبات: ]يسألونك ماذا أحل لهم، قل أحل لكم الطيبات[ (سورة المائدة : الآية 4). وقال أيضاً: ]يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً[ (سورة المؤمنون : الآية 2). وآمر الناس بأكل الطيب (الحلال) من الأطعمة، ومنفراً إياهم من خلاف ذلك: ]يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنـهّ لكم عدو مبين[ سورة البقرة : الآية 168 وحين قال  أيضا: ]ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث[ سورة الأعراف: الآية157. فكل الآيات تبين الإيجابية في الخطاب القرآني، إذ أنه يبدأ بالتحليل قبل التحريم، لأن المنع ممقوت من لدن البشر الذي يقبل الإباحة أكثر مما يقبل المنع. ولذلك جاء الرفق من العلي القدير الذي يعلم كيف يدبر الأمور.

 

ومن الطيبات من المواد الحيوانية المذكورة في كتاب الله عز وجل نجد كل من بهيمة الأنعام وصيد البر وصيد البحر ولحم الطير.

.

 .1 بهيمة الأنعام 

أخص الله تعالى الأنعام بالتحليل في سورة المائدة  لقوله: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }.

 

«أحلت لكم بهيمة الأنعام » يأتي في هذه الآية التعبير، بالفعل المبني للمجهول، والتعبير بالمجهول يعني أن الأمر مقضي للناس، وليس فيه أي تراجع أو أخذ ورد. ونجد المبني للمجهول في آيات عديدة منها قوله تعالى في سورة المائدة - أحلت لكم بهيمة الأنعام- وكذلك قوله تعالى - حرمت عليكم الميتة -  وقوله تعالى في سورة الروم - الم غلبت الروم-  وقوله تعالى في سورة البقرة -  كتب عليكم الصيام-  وقوله  تعالى في سورة الحج - أذن للذين آمنوا -   وما إلى ذلك من الآيات التي جاء فيها المبني للمجهول، وهذا يعني أن الأنعام لم تكن حرام قبل مجيء الإسلام ثم أحلها الإسلام،  وإنما كانت حلالا منذ أن خلق الله الإنسان، وليس مقتصرا على الإسلام. لكن مع اختلاف التشريعات، ومع تحريف الكتب، وبعدما أخذ رجال الدين يتفضلون على الناس، بشرع من عندهم ومن زعمهم، جاء الحد الفاصل، والنهاية لهذه الافتراءات، ومن جملتها ما جاء في سورة المائدة، بشأن السائبة والبحيرة والوصيلة والحام، وكذلك ما جاء في سورة الأنعام، بشأن جعل النصيب لله، وتحريم بعض الأشياء على النساء دون الرجال.

 

 لقد جاء في الجامع لأحكام القران للقرطبي تفسير قوله تعالى: { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } أنه كانت للعرب سنن في الأنعام من البحِيرة والسائبة والوصيلة والحام؛ فنزلت هذه الآية رافعة لتلك الأوهام الخيالية، والآراء الفاسدة الباطلية. وٱاختلف في معنى { بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } والبهيمة ٱسم لكل ذي أربع؛ سميت بذلك لإبهامها من جهة نقص نطقها وفهمها وعدم تمييزها وعقلها؛ ومنه باب مُبْهَم أي مُغلق، وليل بَهِيم، وبُهْمَة للشجاع الذي لا يُدرَى من أين يُؤتَى له. وقيل: «بَهِيمَةُ الاٌّنْعَامِ» ما لم يكن صيداً؛ لأن الصيد يسمى وحشاً لا بهيمة، وهذا راجع إلى القول الأوّل.

 

يصنف العلماء الأنعام مع التذيات العاشبة المجترة، ذوات الأصبوعين. وهذا التصنيف يجمع الإبل مع الغزال، والبقر والضأن والمعز وعدة حيوانات أخرى منها اللامة والزرافة. ومن بين هذه الحيوانات، الأنعام الأربعة: البقر، والإبل والضأن، والمعز، وهي ما يكسب، والغزال والزرافة وبعض ذوات الأصبوعين الأخرى، وهو ما لا يكسب، ولا يتحكم فيه الإنسان، وهذا يسمى وحشا وليس بهيمة، وهو كذلك حلال، ويشترك مع الأنعام في الخصائص الأحيائية، وهي كلها حيوانات عاشبة مجترة وثدييات، ولهذا استعمل العلي القدير كلمة بهيمة، لفرز الأنعام عن الوحش، فنقول بهيمة الأنعام لما نتكلم عن الأنعام الأربعة التي تكسب وتملك،  ووحش الصيد لكل ما لا يكسب ولا يتحكم فيه. ونضيف بالمناسبة، أن ليس هناك تصنيف للأنعام كمجموعة لها خصائصها ومميزاتها، في الكتب العلمية المعروضة إلى حد الآن، ويبقى القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي  يصنف هذه الحيوانات في مجموعة تسمى الأنعام، لأن الكتب العلمية لا تصنف الإبل مع الغنم والبقر. والبهيمة جاءت كذلك نكرة تامة ليكون التعبير عاما بمعنى أنها تدل على الذكر والأنثى من الأنعام كلها ولا تقتصر على نوع ولا على جنس.

 

التصنيف العلمي للأنعام الأربعة

 

الغنم

المعز

الحيوانية

المملكة:

الحيوانية

المملكة:

حبليات

شعبة:

حبليات

شعبة:

ثدييات

صف:

ثدييات

صف:

مزدوجات الأصابع

رتبة:

مزدوجات الأصابع

رتبة:

Bovidae

فصيلة:

Bovidae

فصيلة:

Caprinae

:تحت فصيلة 

Caprinae

:تحت فصيلة 

Ovis

جنس:

Capra

جنس:

O. aries

نوع:

C. aegagrus

نوع:

 

الإبل

البقر

الحيوانية

 المملكة:

الحيوانية

   المملكة:

حبليات

 شعبة:

BORDER-RIGHT: #ece9d8; PADDING-RIGHT: 1.5pt; BORDER-TOP: #ece9d8; PADDING-LEFT: 1.5pt; PADDING-BOTTOM: 1.5pt; BORDER
AkrumHamdy

Akrum Hamdy [email protected] 01006376836

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 416 مشاهدة
نشرت فى 28 أغسطس 2008 بواسطة AkrumHamdy

أ.د/ أكـــرم زيـن العــابديــن محـــمود محمـــد حمــدى - جامعــة المنــيا

AkrumHamdy
[email protected] [01006376836] Minia University, Egypt »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,789,673