علَّمنا الإسلام أنَّ أول وسيلةٍ لعلاج أيِّ داءٍ هي اكتشاف أسبابه ثمَّ الصدق في حبِّ الشفاء منه، فلتعلم أنَّ سبب هذه المشكلة هو الشيطان الذي يستغل لحظات الضعف الإنسانيِّ ليفسد ويخرِّب، فإن كان عندك الصدق في طلب العلاج، فعليك اتِّخاذ الأسباب التي تُعينك، والتي بمجرَّد أن تتَّخذها، فسيحدث تغييرٌ إن شاء الله تعالى، كما قال تعالى: "إنَّ الله لا يُغيِّر ما بقومٍ حتَّى يُغَيِّروا ما بأنفسهم".
وأسباب العلاج نوعان:
الأوَّل: تقدير حجم المشكلة.
الثاني: الخطوات العمليَّة للعلاج.
النوع الأوَّل: تقدير حجم المشكلة: من خلال:
1 - العلم بحجم الثواب الذي يفوتك إذا تكاسلت عن الصلاة:
فأداء الصلاة في أوَّل وقتها أحبُّ عملٍ إلى الله تعالى على وجه الأرض، وإذا أحبَّ الله عملاً أجزل له الثواب، فلعلَّ ذلك يكون حافزاً لك على الالتزام بها.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ العمل أحبُّ إلى الله تعالى؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قلت: ثمَّ ماذا؟ قال: "برُّ الوالدين"، قلت: ثمَّ ماذا ؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"رواه البخاريُّ ومسلم.
ثمَّ إنَّ الصلاة فترةٌ للاتِّصال بالخالق لطلب عونه ورزقه.
2 - العلم بذنب التكاسل عنها:
فالخوف يدفع إلى العمل لاجتناب الأضرار، قال تعالى: "فويلٌ للمصلِّين، الذين هم عن صلاتهم ساهون"، فهم لا يتركون الصلاة، بل يؤدُّونها، ولكن بتهاونٍ أو عندما يتذكَّرون، فالويل والذنب لهم؛ فما بالك بمن يتكاسل عنها عدَّة مرَّات؟
الثاني: الخطوات العمليَّة للعلاج:
1 - الاستعانة بالله ودعاؤه بالتنشيط والتغلب على وساوس الشيطان:
قال تعالى: "وقال ربُّكم ادعونِي أستجب لكم"، وقال: "قل أعوذ بربِّ الناس، مَلِك الناس، إله الناس، من شرِّ الوسواس الخنَّاس"، فالشيطان يخنس، أي يتراجع بذكر الله تعالى ذكراً فيه حضور قلبٍ ويقينٌ بقدرة الله على التغيير.
والدعاء لابدَّ وأن يكون بإخلاص، أي بإرادةٍ حقيقيَّةٍ في الشفاء؛ إذ الإخلاص سببٌ رئيسيٌّ للتوفيق.
2 - التدريب على قوَّة الإرادة والصبر:
ويكون هذا ببعض الأعمال التي تعين على ذلك، كالصوم مثلا؛ فقد وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم لمن عجز من الشباب عن الزواج ليعصمه من الخطأ، فقال: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء"رواه الخمسة، الباءة: أعباء الزواج، وِجاء: أي ضابطٌ للشهوة.
ولا يقعدك الشيطان عن الصوم بوسوسته "إنَّك إذا كنت لا تلتزم بالصلاة؛ فكيف تصوم؟"، وأنت إن كنت ضعيفاً في شيءٍ فأنت قويٌّ في أشياء أخرى كثيرة؛ فهذه هي طبيعة البشر.
وجرِّب كذلك أن تُلزم نفسك بشيءٍ ما، كأن تمشي يوميًّا مسافة كذا، أو تقرأ لمدَّة كذا، في محاولة لتدريب النفس على الإرادة والعزم.
أعلم أنَّ ذلك يحتاج جهداً في أوَّل الأمر، لكنَّه –كأيِّ شيءٍ يتمُّ التدريب عليه- يسهل ويصبح عادةً بالتدريج، وصدق من قال: "العلم بالتعلُّم، والحلم بالتحلُّم".
3 – التدريب على القيام أوَّل الوقت:
وهذا يتحقَّق من خلال ضبط الساعة أو الاتِّفاق مع زميلٍ أو جارٍ على تذكرتك، أو المرور عليك؛ لأخذك للصلاة عند سماع الأذان، منعاً للانشغال عنها أو التكاسل، أيُّ وسيلةٍ توصل لذلك قم بها، المهمُّ أن نصل للنتيجة.
4 - التواجد ما أمكن في وسطٍ صالح:
وهذا من شأنه أن يعين على الطاعة، ويبعد عن المعصية، قال صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالل"رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم، وصحَّحه".
وتقول الدكتورة عزَّة لبيب من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أمَّا عن المحافظة على مستوى وقوَّة الصلاة (الخشوع على ما فهمت)، فإنَّها مشكلةٌ يعاني منها الكثير من الناس، فعدم الخشوع في الصلاة وغزو الخواطر الدنيويَّة لهم وهم واقفون بين يدي الله مشكلة الجميع، والكلُّ يعرض شكواه متأثِّراً متألِّما.
الخشوع ضروريٌّ في الصلاة، ومن رحمة الله أنَّه اطَّلع على ضَعْف العباد، فلم يجعل الخشوع شرطاً في صحَّة الصلاة، وليس ركناً إن تركه بطلت، فإذا حاول العبد الخشوع أو لم يحاوله فصلاته صحيحةٌ على الراجح من أقوال العلماء.
إنَّ الخشوع ضروريّ، وجديرٌ بالمسلم أن يحرص عليه، وأن يأتي بأسبابه الموصلة إليه، وقد عرَّف الإمام ابن القيم في "مدارج السالكين" الخشوع بأنَّه: "قيام القلب بين يدي الربِّ بالخضوع والذلّ"، وإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء؛ لأنَّها تابعةٌ له، والخشوع محلُّه القلب.
وعادةً ما يحاول الشيطان أن يصرف الإنسان عن خشوعه في الصلاة بمَكْرِهِ وكيده، فيلجأ إلى الوسوسة، ويحاول أن يحول بين المرء والصلاة والقراءة، فيلبسها عليه، فإذا حصل شيءٌ من ذلك فليستعذ العبد بالله.
وثمرة الخشوع عظيمة، ويجب أن نحرص عليها كلَّ الحرص بالمجاهدة المستمرَّة، ومنها: تكفير الذنوب- تحصيل الثواب الذي أعدَّه الله للطائعين الخاشعين من عباده- استجابة الدعاء في الصلاة- حبِّ الحلال والبُعد عن الحرام، فقد قال تعالى: "اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر".
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من امرئٍ مسلمٍ تحضره صلاةٌ مكتوبة، فيُحسِن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت له كفَّارةً من الذنوب ما لم تُؤتَ كبيرة، وذلك الدهر كلُّه"رواه مسلم.
كلُّ ما عليك هو أن تأخذ بالأسباب، ومحاولة حلِّ المشاكل أو الصعوبات التي تواجهها.
وإليك الآن بعض الأمور التي تُعين على الخشوع في الصلاة:
1 - استحضار عظمة الله ملك الملوك، وجبَّار السماوات والأرض، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبَّار، المتكبِّر.
2 - استحضار تقصيرك، وضعفك، وحاجتك إلى الله كي يعينك على الخشوع.
3 - استحضار تفاهة الدنيا، وأنَّ البقاء فيها مهما طال إلى رحيل، وأنَّ متاعها متاع الغَرور، وأنَّنا صائرون إلى الله ليوفِّينا أعمالنا.
4 - عدم الاستعجال في أداء الصلاة، فالعجلة قد تؤدِّي إلى ضياع بعض الخشوع، فالصلاة تحتاج إلى نفسٍ مجتمعة، وفكرٍ متدبِّر، وقلبٍ حاضر.
5 - الصلاة في أوَّل الوقت أَعْوَن على الخشوع، كذلك إحسان الوضوء.
6 - أداء السنن الرواتب القبليَّة يوقظ القلب (أداء الرواتب والنوافل يسهِّل الوصول إلى الخشوع).
7 - تقليل الحركة في أثناء الصلاة (إلا لضرورة)، فسكون الجوارح يعين على حضور القلب.
8 - استبعاد المشاغل كلِّها في وقت الصلاة، كان أبو الدرداء يقول: "من فقه الرجل أن ينهي حاجته قبل دخوله في الصلاة؛ ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ"، وعلينا ألا نشغل أنفسنا بأمر الدنيا في أثناء الصلاة، وأن نطرد الخواطر كلَّما وردت، وأن نستعيذ بالله من الشيطان ووسوسته، وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلِّي "صلاة مودِّع"رواه الطبرانيُّ ورجاله ثقات.
9 - البعد عن النمطيَّة والاعتياد في الصلاة، وذلك يؤدِّي إلى عدم التأثُّر والتدبُّر، وعلاج ذلك بالوسائل التي تعين على الخشوع والوصول بالله، مثل:
أ. تدبُّر معنى الأذكار والآيات التي قرئت في الصلاة.
ب. قراءة الفاتحة وآياتٍ جديدةٍ غير التي قرئت في الصلوات السابقة.
ج. تدبُّر ما يُقرَأ، والموازنة بين حالنا وحال من يمرُّ بنا ذكرهم في آيات القرآن من أهل الجنَّة.
د. نتفكر في مدى تقصيرنا، أو من يمرُّ بنا ذكرهم من أهل النار وخصالهم التي تشبهنا، وهذا يجعلنا نراجع أنفسنا، ونحسُّ بالحاجة لمغفرة الله وعفوه سبحانه، وربَّما يؤدِّي بنا ذلك إلى البكاء، وهو من الخشوع.
10 - العمل على الازدياد من العلم الشرعيِّ ومعرفة الله تعالى، ومحبَّته، والخوف منه، ورجاء رحمته، والثقة بما عنده، كلُّ ذلك يؤدِّي إلى الوصول إلى الخشوع في الصلاة.
11 - التوبة إلى الله من الذنوب، وتجديد هذه التوبة مرَّةً بعد مرَّة.
12 - الإكثار من قراءة القرآن، وذكر الله، والإكثار من ذكر الموت، ومحاسبة النفس، والبعد عن الرياء كذلك.
وهناك حقيقةٌ إسلاميَّةٌ مقرَّرة، وهي أنَّ الله لا يكلِّفنا ما لا نطيق، قال سبحانه: "لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إلا وُسْعها"، فعلينا أن نسعى جهدنا إلى الخشوع في الصلاة، ولنجاهد وساوس الشيطان، ونطلب من الله العون والمساعدة.
13 - الحرص على فتح أبوابٍ أخرى للخير ما أمكن:
فإن كان الشيطان قد غلبك في الصلاة؛ فلا يغلبك مثلاً في إتقان عملك وتقوى الله فيه، والمواظبة على مواعيدك، والوفاء بالوعود والأمانات مع الناس، وخدمتهم وعونهم ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم، فإن حرصت على هذه المعاملات الإسلاميَّة سيكون ذلك بإذن الله حافزاً على محاولة استكمال بقيَّة جوانب الخير في نفسك، خاصَّةً الصلاة، وسيأتي عليك يومٌ تواظب عليها وتخشع فيها، وتعين غيرك ممَّن لا يصلُّون بوسائل العلاج التي اتَّخذتَها سابقا، وستكون نِعْم الداعي إلى الإسلام".