حذرت الإدارة الوطنية الأمريكية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي NOAA من عودة ظاهرة النينو لتضرب باستقرار مناخ الأرض من جديد. حيث ذكرت وحدة التنبؤ بالمناخ التابعة للإدارة في تقريرها الصادر الخميس 5-8-2004 أن درجات حرارة سطح الماء في وسط وشرق المنطقة الاستوائية من المحيط الهادئ ارتفعت؛ مما ينبئ بمراحل مبكرة لبداية الظاهرة التي تتسبب غالبا في تغيرات مناخية وجوية تؤدي إلى كوارث بيئية عديدة في معظم أنحاء كوكب الأرض.
وتشير توقعات التقرير الذي يصدر شهريًّا لرصد الظاهرة إلى إمكانية حدوث النينو خلال الشهور الثلاثة أو الستة القادمة على أقصى تقدير. علما بأن هذه الظاهرة تحدث غالبا كل 3 إلى 10 سنوات.
يذكر أن ظاهرة النينو El Nino تحدث نتيجة لتغير مؤقت في مناخ المنطقة الاستوائية بالمحيط الهادئ، الذي يُحدث بدوره تأثيرات مختلفة ومتباينة على مناطق كثيرة في أنحاء العالم؛ فبينما تسبب زيادة سقوط الأمطار في المناطق الجنوبية للولايات المتحدة وبيرو ووسط أوربا؛ وهو ما يتسبب في حدوث فيضانات مدمرة، تكون وراء حدوث الجفاف في مناطق غرب المحيط الأطلنطي، وفي بعض الأحيان يصاحبها حرائق مدمرة في أستراليا وجنوب شرق آسيا وأعاصير في وسط الولايات المتحدة.
و"النينو" تعني بالأسبانية الولد أو ابن المسيح، وقد أطلق الصيادون في الإكوادور وبيرو على تلك الظاهرة هذا الاسم؛ لأنها كانت تأتي قرب أعياد الميلاد، وكانت تجعل المحيط الهادي أكثر دفئا، وتغير اتجاه التيار بالمحيط، فتقل الأسماك بشكل ملحوظ؛ وهو ما يساعد الصيادين على قضاء هذه الفترة في البيوت مع أسرهم، لكن الاسم لم يعد يُستخدم للتعبير عن هذه التغيرات الموسمية الطفيفة فقط، ولكن تجاوزها للتعبير عن التغير المتواصل في جو المحيط الهادي.
قلب النظام.. سر حدوثها
اضغط هنا لتشاهد فيلم توضيحي لظاهرة النينو
وعن كيفية حدوث تلك الظاهرة ففي العادة تهب الرياح التجارية تجاه الغرب على طول خط الاستواء، وهذه الرياح تجمع مياه السطح الدافئة غرب المحيط الهادئ؛ فيرتفع السطح حوالي نصف متر عما في الشرق، وعندما تتجمع مياه السطح في الغرب تصعد المياه الباردة فتحل محلها آتيةً بالمواد الغذائية nutrients من قاع المحيط إلى السطح؛ فتكثر الأسماك عند ساحل الإكوادور، وبيرو، وكولومبيا. أما المياه الدافئة المتجمعة فتسخن الهواء الذي يعلوها. وتكون كمية بخار الماء الكبيرة سحبًا تأتي بالأمطار لجنوب شرق آسيا، ويبقى الساحل الغربي لأمريكا اللاتينية خاليا من الأمطار.
أما عندما تبدأ النينو فإن الرياح التجارية تفشل في إزاحة مياه السطح الدافئة؛ وهو ما يعكس النظام الجوي لهذه المنطقة الواسعة بالكامل، فيظهر الجفاف في جنوب شرق آسيا، وتعم الفيضانات أمريكا اللاتينية، كما تقل الثروة السمكية على شواطئ بيرو، والإكوادور، وكولومبيا. والنينو لا يوقف جماحها شيء إلا نفسها؛ حيث تنتهي دورتها، ويرجع كل شيء لما كان عليه بعد فترة.
النينو.. تاريخ مليء بالكوارث
وكنتيجة مباشرة لتلك التغيرات الشديدة في المناخ التي يحدثها النينو تنتشر العديد من الفطريات والبكتريا والفيروسات، وبالتالي تنتعش الأمراض المعدية مثل: التهاب الكبد الوبائي، والتيفود، والكوليرا، والملاريا، كما تكثر الآفات الزراعية مثل القوارض والحشرات؛ لهذا اهتم العلماء كثيرا بالتنبؤ بالنينو؛ فطوروا العديد من أجهزة الرصد لترصد بداية ارتفاع درجة حرارة سطح ماء المحيط الهادي؛ وهو ما مكّنهم من التنبؤ بالنينو 1997/98 قبل حدوثها بستة أشهر، وكانت تُعد من أقوى النوبات التي حدثت، وقد نتج عنها خسائر في الولايات المتحدة وحدها تُقدر بـ2,4 مليار دولار، وتسببت في مقتل 189 شخصا غير الجرحى.
وكانت أقوى نينو في القرن الماضي بل على مدار التاريخ تلك التي حدثت عام 82-1983؛ فقد تسببت في حدوث كوارث على معظم القارات. وكان منها الجفاف والحرائق التي عانت منها كل من أستراليا وأفريقيا وإندونيسيا. والأمطار الغزيرة في بيرو التي لم تشهد المنطقة مثلها من قبل. وقد قُدرت الخسائر بحوالي 13 مليون دولار، وقُتل حوالي من 1300 إلى 2000 شخص.
كما انتشرت بعض الأمراض مثل الالتهاب الدماغي encephalitis الذي انتشر بشدة في الساحل الشرقي للولايات المتحدة. كما ساعد هذا الجو على انتشار البعوض والفئران والثعابين، وحتى أسماك القرش تكرر هجومها على ساحل Oregon بالولايات المتحدة.
وربما كان أغرب التأثيرات التي أحدثتها "النينو عام 82-1983" والتي أذهلت العلماء هي ما اكتشفه فريق من العلماء في جامعة كامبريديج بولاية ماساشوستس من تغير لزاوية عزم الأرض وزيادة طول اليوم بمقدار 0.2 ميللي/ ثانية.
وكانت آخر ضربة للنينو عام 2002- 2003 لتكون ثامن مرة تضرب فيها النينو الأرض خلال الخمسين عاما الأخيرة، وقد أحدثت أسوأ موجة جفاف شهدتها أستراليا على مدار القرن الماضي.