لقد حان الوقت للبدء في تنفيذ سياسات ترمي لحماية الموارد الطبيعية المتبقية - قبل أن يفقد كثير منها والى الأبد
في مكتبها بمقر منظمة الأغذية والزراعة في روما، تعكف آيرين هوفمان، رئيس إدارة الإنتاج الحيواني لدى المنظمة، على إنجاز العرض الذي ستقدمه في مؤتمر خاص بالثروة الحيوانية يعقد في أنطاليا/ تركيا في سبتمبر/ أيلول. وقد خصص لها عشرون دقيقة خلال حلقة عمل بشأن الموارد الوراثية لحيوانات المزرعة - الاستراتيجيات والإنجازات، لكن هذا العرض تضمن بالفعل ما يزيد على 40 شريحة من الخرائط والرسوم البيانية واللوحات التوضيحية. وتقول السيدة هوفمان "إنها لمشكلة دائماً عندما يكون لديك الكثير مما تريد قوله. وفي مجال الموارد الوراثية الحيوانية، يبدو أن الأمر دوماً سباق مع الزمن."
وتبرز لوحة الأعمدة على الشريحة 22 إلحاحية هذا الموضوع. فمن بين زهاء 7600 سلالة حيوانية مسجلة في بنك البيانات العالمي الخاص بالموارد الوراثية لحيوانات المزرعة لدى المنظمة، أصبحت 190 سلالة منقرضةً خلال خمسة عشر عاماً الماضية، كما تعد 1500 سلالة أخرى "معرضة لخطر" الانقراض. وتبين التقارير القطرية الخاصة بتقرير المنظمة الأول عن "حالة الموارد الوراثية الحيوانية في العالم"، الذي سينشر في 2007، أن 60 سلالة من الأبقار والماعز والخنازير والخيول والدواجن قد فقدت خلال السنوات الخمس الماضية، أي بمتوسط سلالة واحدة كل شهر.
في أنطاليا، وكذلك من خلال اثني عشر اجتماعاً آخر عقدت في أماكن تمتد من البرازيل إلى بلجيكا خلال عام 2006، تعمل السيدة هوفمان ومسؤولون آخرون من مجموعة الموارد الوراثية الحيوانية (AnGR Group) لدى المنظمة على زيادة التوعية بالتهديد الذي يتعرض له تنوع حيوانات المزرعة في العالم، والحاجة إلى استخدام السلالات المحلية بصورة أفضل. كما يقومون خلال هذه العملية بحشد التأييد لمؤتمر مشترك بين الحكومات في العام القادم من المتوقع أن يقرّ استراتيجية عالمية وخطة عمل لإدارة الموارد الوراثية الحيوانية (راجع الإطار على اليمين). وتقول السيدة هوفمان "إن الإدارة المستدامة والتحسين الوراثي للسلالات المحلية أمران أساسيان إن أرادت البلدان أن تلبي احتياجاتها الغذائية المستقبلية وأن تستجيب لبيئات الإنتاج المتغيرة. وقد حان الوقت للبدء في تنفيذ سياسات ترمي لحماية الموارد الطبيعية المتبقية - قبل أن يفقد كثير منها والى الأبد."
عالية المدخلات، عالية المخرجات: تقول المنظمة أن أكبر عامل مستقل يؤثر على تنوع حيوانات المزرعة هو عولمة أسواق الثروة الحيوانية. حيث أن شطراً كبيراً من الطلب العالمي المتصاعد باطراد على المنتجات الحيوانية تتم تلبيته من جانب نظم إنتاج مكثف تقوم على أساس بضعة أنواع وسلالات من الحيوانات عالية المدخلات - عالية المخرجات. فعلى سبيل المثال، يقدم عدد ضئيل جداً من السلالات التجارية أكثر من ثلث الإمدادات العالمية من الخنازير، في حين تقدم بضعة سلالات تجارية من الدجاج البياض نحو 85% من إنتاج البيض. كما تشير بعض التقديرات إلى أن سلالات الأبقار الحلوبة عالية المخرجات، أو الأبقار المهجنة منها، تقدم نحو ثلثي إمدادات الحليب في العالم.
وعلى الرغم من أن زيادات الإنتاج التي تحققت من عدد صغير من السلالات قد كانت ملحوظة، إلا أن نظم الإنتاج المكثف كثيراً ما جلبت معها انجرافاً في الموارد الوراثية الحيوانية المحلية. فعندما يزداد الضغط على موارد الأراضي وتجري تربية الثروة الحيوانية بصورة أكثر كثافة، يختار صغار المربين عادةً السلالات المهجنة التي تقدم عوائد أعلى للشغل. حيث تصبح تربية السلالات الأقل إنتاجاً غير مجدية اقتصادياً.
تقوم منظمة الأغذية والزراعة بتنسيق تطوير استراتيجية عالمية لإدارة الموارد الوراثية لحيوانات المزرعة كي تتولى توجيه العمل الدولي من أجل استخدامها المستدام وتنميتها وصيانتها. وأحد العناصر الأساسية لهذه الاستراتيجية هو التقرير الأول عن "حالة الموارد الوراثية الحيوانية في العالم" الذي يقدم عرضاً شاملاً للتنوع الحيوي الحيواني. حيث سيتم تقديم التقرير ومسودة الاستراتيجية العالمية للمؤتمر الفني الدولي الأول بشأن الموارد الوراثية الحيوانية (إنترلاكين/ سويسرا) في سبتمبر/ أيلول 2007).
تقول المنظمة بأن ربع التنوع الحيواني العالمي قد تطور في، وهو متكيف مع، المناطق الجافة في العالم. لكن الرعي في مناطق جافة كثيرة مهدد الآن - كنظام إنتاج، وكسبيل معيشة، وكمصدر للموارد الوراثية الحيوانية - من جانب زحف المحاصيل على أراضي المراعي، وقلة الاستثمارات والخدمات المساندة، والجفاف المتكرر، والنزاعات المسلحة. ولأن شطراً كبيراً من التنوع الحيواني في المناطق الجافة يتكون من سلالات عابرة للحدود - حسبما تقول المنظمة - فإنه يتعين على السياسات والأطر القانونية أن تدعم تبادل الموارد الوراثية وتجارتها فيما بين البلدان والأقاليم.
وتقول السيدة هوفمان "إن التحدي الرئيس في مجال الموارد الوراثية الحيوانية الآن هو توضيح لماذا يتعين على البلدان والمجتمع الدولي أن يقوما بصيانة السلالات التي هجرها المزارعون أو المعرضة بصورة حرجة للخطر - حيث أن قيمة الغالبية العظمى من الموارد الوراثية الحيوانية لا تحظى بالفهم الدقيق من جانب العلماء وصناع السياسات على حد سواء".
حيث يجب أن يتضمن التقويم الشامل لتنوع حيوانات المزرعة تقديراً لكلٍ من قيم استخدامه - كالقيم الناجمة عن الأغذية والألياف أو المنتجات الأخرى أو الخدمات - والقيم غير الاستخدامية، التي يمكن أن تشمل الرضا الذي يحصل عليه الناس من مجرد وجود هذا التنوع. ثمة أمر رئيس آخر هو "قيمة القدرة على الاختيار" - أي الاحتفاظ بالمرونة اللازمة للتكيف مع الأحداث غير المتوقعة في المستقبل كتغير المناخ، أو المطالب المستقبلية.
والحقيقة أن ترجمة تلك العلاقات المعقدة إلى عامل واحد، مثل سعر السوق، ضرب من المستحيل. ومما يعقد مسألة تقويم الموارد الوراثية الحيوانية أن حيوانات المزرعة تملك خواص البضائع الخاصة والعامة معاً - فاستخدام حيوان تربية بعينه أمر حصري، لكن مستودع جينات مجموعات الحيوانات الداجنة يمكن أن يستخدم من جانب مزارعين آخرين وأجيال المستقبل.
إعادة النظر في السياسات: من خلال تحليل التقارير القطرية الخاصة بتقرير "حالة الموارد الوراثية الحيوانية في العالم"، حددت منظمة الأغذية والزراعة المجالات الرئيسة للعمل، على الصعيدين القطري والدولي، لتشجيع الاستخدام المستدام للموارد الوراثية الحيوانية وصيانتها. وأول هذه المجالات إعادة النظر في سياسات قطاع الثروة الحيوانية التي "تشوّه ميدان اللعب" الذي تنافس السلالات الأهلية غيرها على أرضه. ففي بلدان نامية كثيرة تمنح السياسات الأفضلية لاستخدام حيوانات تربية دخيلة مستوردة، ما يتيح للمنتجين التجاريين كبيري النطاق اقتناص شطر كبير من الأسواق المحلية. وهذا اتجاه، إلى جانب تطبيق نظم صحية أكثر صرامة، يستبعد المزارعين صغيري النطاق الذين يربون غالبية الموارد الوراثية الحيوانية الأهلية. كما يتعرض المزارعون للمزيد من الضرر من جانب الإعانات المالية التي تقدم للأعلاف والتلقيح الاصطناعي والمدخلات الأخرى التي تفضل السلالات الدخيلة.
لم يجر إلا القليل من البحوث على التكاليف والأرباح الصافية للموارد الوراثية الحيوانية نتيجةً لمثل تلك السياسات - فعلى الرغم من أنها قد تكفل إمدادات معقولة السعر من المنتجات الحيوانية الآمنة، لكنها أضرت من ناحية أخرى بنظم الإنتاج الأقل كثافة وبالمزارعين ذوي الدخل المتدني. وربما تطلب تخفيف تلك الآثار السلبية لوائح تأخذ في الاعتبار العوامل الخارجية السلبية للإنتاج الحيواني المكثف - كجعل المنتجين يدفعون مقابل التخلص من الفضلات أو مراقبة الأمراض، وتقديم حوافز لصيانة التنوع الحيوي الزراعي، على سبيل المثال.
كما تحتاج البلدان النامية لعمل قوائم جرد كاملة لحجم سلالاتها الأهلية وتوزيعها وخصائصها الأساسية وأدائها النسبي وحالتها في الوقت الحاضر. لكن بلداناً قليلة تملك مثل هذه البيانات، ما يحدّ من قدرة صانعي السياسات على تقرير أي السلالات يتعين تحسينها أو حمايتها، وكيفية توزيع الأموال القليلة المتاحة لأغراض الصيانة. ولأن الموارد الوراثية الحيوانية لا تستقر على حال، لابد من الرصد المستمر للحيلولة دون أن تصبح السلالات معرضة للخطر قبل أن يعرف المزارعون والحكومات والمجموعة الدولية بأي تناقص ملموس فيها (لاسيما وأن المنظمة تقول بأن تآكل القاعدة الوراثية قد بدأ بالتحول بصورة متصاعدة إلى مشكلة، حتى بالنسبة للسلالات التجارية).
وحالما يتم تحديد السلالات المعرضة للخطر، يتعين على الحكومات أن تنفذ تدابير زهيدة التكاليف لرصد هذه السلالات وصيانتها. لكن ثمة سلالات كثيرة معرضة لخطر شديد في بلدان نامية لا تملك إلا القليل من الموارد لتصميم وتنفيذ برامج للصيانة. كما أن بلداناً نامية كثيرة - وكذلك عدة بلدان متقدمة - تقول بأنه لا يوجد لديها برنامج صيانة شامل، ولا حتى سياسات، للموارد الوراثية الحيوانية.
لكن ثمة استراتيجية واعدة بالنسبة لصانعي السياسات والمنتجين على حد سواء، وهي ربط الصيانة بالاستخدام. فالصيانة في الموقع الطبيعي - مواصلة استخدام الحيوانات في العمليات داخل المزرعة - يساعد على زيادة أعداد السلالات إلى المستويات الآمنة من خلال ربطها بمنتَج يوجد طلب عليه. ففي اليابان تم إنشاء نوافذ للحوم سلالات الأبقار الوطنية في الأسواق، والتي تجذب مستهلكين يدفعون أثماناً عالية تكفي لصيانتها.
برامج التربية: تقول المنظمة بأنه يمكن تحسين قدرة البلدان النامية على استخدام وتنمية الموارد الوراثية الحيوانية كذلك من خلال دمج النُهُج التقليدية والحديثة في نظم الإنتاج الحيواني كافة على اختلاف أنواعها. والتربية هي المكون الأكثر أهمية في هذه الحالة. حيث أن الحيوانات عالية المخرجات الموجودة الآن كان قد جرى انتخابها عبر ما لا يقل عن عشرين جيلاً في نظم تربية نقية، تتطلب تزاوجاً مضبوطاً واختباراً للأداء ومعالجة معقدة للبيانات. غير أنه في أقاليم نامية برمتها، مثل غرب أفريقيا ومناطق شاسعة من آسيا، لا توجد برامج تربية نظامية للسلالات الأهلية، وذلك لاعتماد التربية في كثير من نظم الرعي والزراعة المختلطة على التبادلات غير الرسمية للحيوانات.
وتقول المنظمة بأن التربية لأجل نظم الإنتاج قليلة المدخلات ستبقى مهمة القطاع العام، إلا أنه يمكن لتعاونيات المنتجين أو مبادرات المجتمعات المحلية أن تسانده في ذلك. كما أن الاهتمام بالسلالات المحلية آخذ في الازدياد، وكذلك الدلائل على أنه - من خلال توفر إدارة أفضل وإدخال منافع غير سوقية - مثل مقاومة الطفيليات - في تقديرات الإنتاجية، يمكن للسلالات المحلية أن تتفوق في الأداء على الحيوانات الدخيلة. وهاهم بعض المزارعين التجاريين في زيمبابوي وناميبيا مثلاً يفضلون السلالات المحلية لأن إنتاجيتها، في البيئات التي يستهدفونها، أعلى.
لكن بلداناً كثيرة لا تملك إطاراً قانونياً لتسجيل الحيوانات من سلالات أهلية أو لإقامة اتحادات للتربية. ووضع برامج كهذه، خصوصاً في مجتمعات محلية ليس لها باع طويل في التربية النظامية، يتطلب قدراً كبيراً من بناء القدرات والتدريب. وتضيف آيرين هوفمان "نظراً للديناميكيات الحالية في نظم الإنتاج الحيواني ومحدودية الموارد المتاحة للصيانة في القطاع العام، يعد فقدان شيء من السلالات المحلية أمراً حتمياً. ولذلك يتعين على البلدان والمجموعة الدولية أن تكونا مدركتين للخسائر التي يمكن أن تقع، وما هي الخسائر التي يمكن أن تقبل بها، وما هي الاستثمارات اللازمة لكفالة الصيانة."
- إحصل على النشرة الملونة الصادرة عن المنظمة حماية التنوع الوراثي الحيواني للأغذية والزراعة: حان الوقت للعمل
(PDF, 1.8Mb) - الاستراتيجية العالمية لإدارة الموارد الوراثية لحيوانات المزرعة (اللغة الإنجليزية)
- Options and strategies for the conservation of farm animal genetic resources
(PDF, 410K)