تذكر المراجع الطبية أن انتشار واستمرار الأمراض السارية بين الناس تعتمد على عاملين أساسيين: المخازن الحاوية للكائنات الدقيقة التي تسبب الأمراض، والطرق المؤثرة في نقل هذه الكائنات للإنسان، بالإضافة إلى العوامل الخاصة بالكائنات نفسها، والعوامل التي تتعلق بالإنسان والتي أهمها حالة أجهزة الدفاع والمقاومة لديه.

    وللوقاية من هذه الكائنات التي يمكن أن تصيب الإنسان بأضرار بالغة لابد من مراعاة أمور ثلاثة:

1- التخلص من مخازن هذه الكائنات أو تنظيفها بقدر الإمكان، والتي تتوزع بين الإنسان والحيوان والبيئة متمثلة في التربة والماء.

2- قطع الطرق الموصلة لهذه الكائنات إلى جسم الإنسان.

3- تقوية أجهزة المناعة والدفاع لدى الإنسان.

    وقد ذكرت في المقالة السابقة المنشورة في العدد الثالث من مجلة الإعجاز أن نصوص الشريعة حرصت على أن تستأصل هذه الكائنات من مخازنها لدى الإنسان، وتحول بينها وبين إلحاق الضرر به من خلال نظم ووسائل جعلتها عبادة يتقرب بها المسلم لربه ويفعلها محبا طائعاً فأرست قاعدة النظافة الشخصية لأفراد المجتمع وسمتها الطهارة وجعلتها شطر الدين، ورسخت عملياً وسائل تحقيق هذه القاعدة بتشريع الوضوء والغسل والتزام تطبيق سنن الفطرة من السواك والمضمضة والاستنشاق والختان وتقليم الأظافر وحلق العانة وغسل عقد الأصابع ونظافة السبيلين واجتناب النجاسات والحفاظ على نظافة الثياب والمظهر العام، فهذه التشريعات المترابطة بدقة والتي لا مثيل لها في أي تشريع أو دين أو معتقد تفضي إلى تنظيف بؤر ومخازن الكائنات الدقيقة للإنسان على الجلد وفي الأنف والفم والحلق وقناة الهضم.

    وفي هذه المقالة نتناول قطع الطرق الموصلة لهذه الكائنات إلى جسم الإنسان. وهو عامل رئيسي في الوقاية والحد من انتشار الأمراض والأوبئة.   

 لقد حمت نصوص الشريعة الإسلامية هذا الإنسان، ووقته من شرور وأخطار هذه الكائنات، فشرعت التدابير التالية للحيلولة بين الكائنات الممرضة والإنسان:

الماء الراكد بيئة خصبة للكائنات الدقيقة.

 

1- نظافة البيئة المحيطة بالإنسان:

    لقد حرص الشارع على نظافة البيئة التي ستنعكس حتماً على صحة الفرد والمجتمع والتي تتمثل في:

أ- نظافة المساكن والأفنية:

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا- أراه قال-: أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود" رواه الترمذي.

ب- نظافة الطرقات وأماكن التجمع:

    حث النبي صلى الله عليه وسلم على إماطة الأذى عن الطرق وعدم التخلي في طريق الناس وظلهم فقال:(عرضت عليّ أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ووجد في مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن). رواه مسلم.

    وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً:(البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها) رواه البخاري.

    وقال صلى الله عليه وسلم:(اتقوا اللعانين، قالوا وما اللعانان يا رسول الله! قال الذي يتخلى في طريق الناس وفي ظلهم) رواه مسلم.

    إن المناطق الباردة الرطبة وذات الظل تعتبر جواً ملائماً لنمو أغلب أنواع البكتريا وبويضات الديدان وذلك لخلوها من تأثير الأشعة فوق البنفسجية القاتلة للجراثيم والبويضات، وبما أن البول والبراز يعتبران من مصادر هذه الجراثيم والديدان- حيث يحتوي الجرام الواحد من البراز على أكثر من مائة ألف مليون جرثومة- لذلك نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم التبول والتبرز في الظل.

2- حفظ الطعام والهواء والماء من التلوث:

    إن جراثيم الأمراض والأوبئة تنتقل بشكل رئيسي من خلال الطعام والهواء والماء. فأمر الشارع الحكيم بأمور تصب كلها في حفظ هذا الثلاثي من التلوث بها:

حفظ الطعام من التلوث:

    يعتبر تناول الأطعمة الملوثة من أهم وسائل انتقال الأمراض كالتيفود والزحار وشلل الأطفال والتهاب الكبد الفيروسي حيث تنتقل جراثيم المرض من براز المريض أو حامل المرض إلى الإنسان وذلك عن طريق اليد أو الآنية ونسبة حدوث ذلك تعتمد اعتماداً كبيراً على مستوى نظافة الفرد والبيئة وتطورها، فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يبث الثقافة الصحية بين المسلمين قبل أن تكتشف الكائنات الدقيقة الممرضة ليقيهم أخطارها، فأمر المسلمين بتخصيص يد للأكل والمصافحة، ويد لمباشرة الأذى والخلاء، عن عائشة رضي الله عنها قالت:(كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهورة وطعامه واليسرى لخلائه وما كان من أذى) رواه أبو داود.

وقال صلى الله عليه وسلم (يا غلام ! سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) رواه البخاري ومسلم.

حفظ الهواء من التلوث:

    إن نفخ الرزاز وزفره يؤدي إلى انتقال كثير من الأمراض المعدية كالأنفلونزا وشلل الأطفال والنكاف والحصبة الألمانية والرشح والتهاب الحلق والجدري والسل وغيرها من الأمراض وخاصة الفيروسية، لذلك وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أتباعه عدم النفخ والتنفس في آنية الأكل والشرب، كما أمرهم بتغطية الوجه أثناء العطاس والتثاؤب، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه) رواه أبو داود.

    وفي الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب، فقال رجل: القذارة أراها في الإناء ؟ قال: " احرقها " قال: فإني لا أروى من نفس واحد ؟ قال: " فأبن القدح عن فيك " رواه الترمذي.

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا عطس غطى وجهه بيديه أو بثوبه وغض بها صوته) رواه الترمذي.. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه) رواه البخاري.

حفظ الماء من التلوث:

    يعتبر الماء الراكد جواً ملائماً لنمو الكثير من البكتريا كالكوليرا والسالمونيلا والشيجلا وغير ذلك، كما تحتاج بعض الطفيليات الأولية والديدان كالزحام الأميبي والديدان المستديرة والبلهارسيا إلى الماء لإكمال دورة حياتها خارج جسم الإنسان، ويساعد التبول والتبرز على نمو هذه الطفيليات والديدان وسرعة تكاثرها وانتشارها، لذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التبول في الماء الراكد- الذي لا يجري- لكي يبقى الماء في وقاية من التلوث.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه) متفق عليه.

كما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغطية الآنية وربط قرب الماء منعاً من تلوثها من الجراثيم الوافدة والتي تؤدي إلى ظهور الأوبئة وانتشارها فقال صلى الله عليه وسلم (غطوا الإناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكائ إلا نزل فيه من ذلك الوباء) رواه مسلم.

ولوقاية الماء من التلوث أيضاً نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إدخال المستيقظ من نوم يده في الإناء قبل أن يغسلها ويطهرها فلعله مس أو حك بها سوءته أو عضواً مريضاً متقرحاً من جسمه وهو نائم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده) رواه مسلم.

ولحفظ الماء من التلوث أيضاً نهى صلى الله عليه وسلم عن الشرب مباشرة من فم السقاء روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما:(نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرب من في السقاء). إن المليلتر من اللعاب يحوي بلايين الجراثيم فعندما تخرج هذه البلايين في لعاب الشارب أثناء شربه من إناء كبير، يمكث فترة طويلة كمصدر لشرب كثير من الناس، تتهيأ الفرصة لتكاثر هذه البلايين وتسبب تلوثاً لهذه الماء ويصير مصدر خطر لمن يشرب من هذا الماء بعد ذلك.

3- عزل المرضى والحجر الصحي:

    ومنعاً لانتشار الأمراض والأوبئة وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدتين أساسيتين تعتبران من أساسيات الطب الوقائي الحديث بعد اكتشاف مسببات الأمراض والأوبئة وهما قاعدتي العزل والحجر الصحي، ففي الأولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا يوردن ممرض على مصح) رواه الشيخان، وفي الثانية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها) رواه الشيخان.

لقد كانت الأوبئة الفاتكة والأمراض المعدية في العالم الإسلامي أقل بكثير منها في أوربا، في نفس المرحلة بل إن موجات الطاعون التي كانت تقضي على ربع سكان أوربا كانت تنكسر حدتها عند حدود العالم الإسلامي.

4- تجنب لحوم الحيوانات الخطيرة:

    كما قد تنتقل الكائنات الدقيقة للإنسان عن طريق أكل لحم الحيوانات الخازنة أو المصابة بها أو تناول منتجاتها لذلك حرم الإسلام أكل لحومها أو حتى التعامل معها وسماها خبائث في قوله تعالى:(وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ ).(الأعراف157).

    فحرم أكل لحوم الحيوانات الميتة والدم وأكل لحمTimes

AkrumHamdy

Akrum Hamdy akrum312@hotmail.com 01006376836

  • Currently 105/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
35 تصويتات / 345 مشاهدة
نشرت فى 14 يوليو 2008 بواسطة AkrumHamdy

أ.د/ أكـــرم زيـن العــابديــن محـــمود محمـــد حمــدى - جامعــة المنــيا

AkrumHamdy
akrumhamdy@hotmail.com [01006376836] Minia University, Egypt »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,791,823