منذ انهيار محادثات شرم الشيخ بين وزراء المياه في دول حوض نهر النيل وما تلاها من توقيع دول المنبع على اتفاقية إطارية للتعاون الفني لتنمية حوض النيل, يتواصل الحديث حول مياه نهر النيل و الحقوق التاريخية المكتسبة لدولة الممر السودان و دولة المصب مصر من ناحية وحقوق دول المنبع في المياه التي تخرج من أراضيهم من ناحية أخرى, وان الاتفاقيات الموقعة كانت في عهد الاستعمار – وبالرغم من وجود تحفظات على هذا الطرح لان جزأ لا بأس به من الاتفاقيات وقع بإرادة وطنية- إلا أنني هنا أود عرض طرح جديد لهذه المسألة
وهذا الطرح هو ما هي المياه التي يتم الحديث عنها هل هي مياه النيل التي يتم احتسابها عند أسوان والتي تشتمل على حصتي مصر 55,5 مليار متر مكعب و السودان 18,5 مليار متر مكعب بالإضافة إلى معدل البخر من مسطح البحيرة والذي يقدر بحوالي 10 مليار متر مكعب.
هل هذه هي كل المياه التي يتم الجدل حولها ألم تأخذ أي من الدول التي يمر النيل بدأ من رواندا وحتى أوغندا في الهضبة الاستوائية وارتريا وأثيوبيا في الهضبة الأثيوبية أي كميات من مياه نهر النيل هل لدينا بيانات تفصيلية عن استخدامات هذه الدول للمياه أو بمعنى أدق هل هناك إفصاح عن هذه الكميات أم لا؟
وإذا كان الكلام عن مياه النيل فالأدق أن لا ينحصر حول المياه المقدرة عند أسوان فقط, فحوض النيل الذي يشغل حوالى2,9 مليون كيلو متر مربع تسقط عليه 2147 مليار متر مكعب أمطار في المتوسط سنويا ومعروف أن 96,5 % من هذه المياه لا يصل إلى النقطة التي تقدر عندها المياه في أسوان ونقول عنها أنها تفقد والسؤال الآن كيف تفقد هذه المياه؟ بالطبع لا يمكن أن نقول أنها تبخرت بالكامل لان هذا غير معقول. بل هي تبقى حيث سقطت سواء تضاف إلى الخزانات الجوفية هناك أو تستخدم في ري أراضى زراعية هناك. وقد رأيت عند زيارتي لأوغندا وكينيا مساحات شاسعة من زراعات قصب السكر و الشاي أشجار الفاكهة الاستوائية وغيرها تعتمد في ريها على الأمطار نفس الكلام في أثيوبيا وبورندى. وكذلك مساحات المراعى التي تتغذى عليها الثروة الحيوانية هناك أليست مياه من مياه حوض النيل.
أيضا هناك الكثير من الآبار في دول حوض النيل وقد حفرت مصر منها حوالي 130 بئرا في عدة دول من دول حوض نهر لنيل ضمن التعاون بين مصر و دول الحوض إلى جانب آبار أخرى عديدة تسحب المياه من باطن الأرض وهذه المياه الجوفية مصدرها الأمطار الساقطة على الحوض. أذن المياه الجوفية في هذه المناطق مياه جوفية متجددة ومصدر التجدد مياه الأمطار التي تسقط على الحوض.
فإذا كانت المياه التي تتدفق في مجرى النهر لهم حق فيها فنحن لنا حق في مياه الأمطار التي تروى بها زراعاتهم ومراعيهم وكذلك المياه الجوفية التي تتجدد بفعل الأمطار. القاعدة هنا أن شعوب دول حوض النيل شركاء في كل قطرة مياه تسقط على مساحة الحوض.
بالإضافة إلى أن بعض الدول لديها مصادر أخرى من المياه بخلاف مياه نهر النيل مثل أثيوبيا التي تشتمل على أربعة عشر نهرا تخترق أراضيها وتلقى بأكثر من 100 مليار متر مكعب سنويا على دول الجوار كينيا, الصومال السودان اريتريا ... الخ أيضا الكنغو الديمقراطية ( الكنغو كينشاسا) لديها مصدر مياه ضخم هو نهر الكنغو وهذا النهر مياهه أكثر من عشرين ضعف مياه نهر النيل ثم تنزانيا التي تمتلك مياه نهر شير و بحيرة نياسا ...... الخ.
إذن حينما نتكلم عن التوزيع العادل لمياه نهر النيل لا يجب أن يتوقف التوزيع عند الأربعة وثمانين مليار مترا مكعبا المقدرة في أسوان على إنها هي مياه النيل فحسب . بل يجب أن تفصح الدول الأخرى عن الكميات التي تستخدمها من مياه النيل, بالإضافة إلى المياه الخضراء ( مياه الأمطار) و المياه الجوفية التي لديها. ويؤخذ في الاعتبار وجود أو عدم وجود مصادر أخرى للمياه في كل بلد أي مدى الاعتماد على مياه نهر النيل في الأنشطة الحياتية المختلفة. وكذلك مساحات الأراضي الزراعية التي تروى بمياه النيل وعدد السكان, فتكون عدالة التوزيع في الحوض على السكان وليس على الدول. وقبل ذلك لابد من احترام الحقوق التاريخية المكتسبة لدولتي الممر و المصب في مياه النيل و التي كفلتها الاتفاقيات الموقعة وتؤكدها قواعد القانون الدولي المعتبرة.
ولكن يتحتم قبل ذلك أن تعمل الدول معا وبمساعدة الجهات الدولية المانحة على تقليل الفاقد من المياه ويتم التقسيم في المياه التي تم توفيرها أو منع إهدارها فتحصل كل الشعوب على احتياجاتها من المياه على قاعدة الكل رابح ,أما خلاف ذلك فالكل خاسر.
ساحة النقاش