بدون ادنى شك فأن الحرب الروسية على اوكرانيا ستكون لها آثار كارثية ممتدة فى العديد من المجالات و من أهمها الغذاء و الطاقة, فبالنظر لاسهاماتهما الضخمة فى تجارة الطاقة و الغذاء العالميين لادركنا حجم التداعيات السلبية لهذه الحرب على المستوى العالمى فى هذين المجالين.
وبصرف النظر عن موقفنا من طرفى هذه الحرب , فالعديد من البلدان العربية أمام تحد خطير يتمثل في الأثر السلبى الناجم عن الحرب على امكانية حصولها على احتياجاتها من السلع الزراعية، كالحبوب و اهمها القمح، و نفس التاثير السلبى يقع على بلدان القارة العجوز (اوربا) فيما يخص الطاقة بالاضافة الى التأثير التفاقمى المستمر على أسعار المواد الغذائية و الطاقة على المستوى العالمى مع استمرار الحرب.
فمن المؤكد حدوث تصاعد متتال فى اسعار الغذاء والطاقة و سيذداد هذا الارتفاع باستمرار الحرب واطالة امدها و ستكتوى الدول العربية باشتعال اسعار الغذاء كما ستكتوى الدول الاوربية باشتعال اسعار النفط و الغاز. كما تكتوى اوكرانيا بنيران الاعتداء الروسى على اراضيها. و توقفها تماما عن انتاج او تصدير سلعها و العكس من ذلك روسيا, و معلوم ان روسيا من كبار منتجى القمح و العديد من السلع الزراعية الاخرى بالاضافة الى احتياطى كبير من الغاز الطبيعى و النفط تصدرهما بشكل رئيسى الى اوربا فماذا عن اوكرانيا؟
ان اوكرانيا يمكنها توفير الاحتياجات الغذائية لاكثر من نصف مليار انسان, فهى تمثل ثانى دولة على المستوى العالمى فى انتاج الشعير و المنتج الثالث للذرة والرابع فى انتاج البطاطا الخامس فى انتاج الجادوار (الشيلم او الراى) و السادس فى انتاج عسل النحل و الثامن عالميا فى انتاج القمح و التاسع فى انتاج البيض . اذن وقوع الحرب سوف تؤدى الى خروج دولة بهذا الحجم الانتاجى الضخم من الاسواء مما سيكون له اكبر الاثر على الامن الغذائى العالمى.
و من المؤكد خروج اوكرانيا تماما من التجارة العالمية بسبب الاعتداءات الروسية و خروج روسيا كلياً او جزئياً بسبب العقوبات الغربية, و الامر فى النهاية يؤدى الى ازمة عالمية فى الغذاء و الطاقة تعانى منها كافة الدول بدرجات مختلفة وسيطول امد هذه الازمة طالما الحرب مستمرة او توترات ما بعد وقف اطلاق النار و قبل الوصول الى تسوية عادلة..
و لان القمح هو محصول الحبوب الاهم لانتاج الخبز فى العالم و يمثل عنصراً حيوياً هاماً من عناصر الامن الغذائى العالمى فاذا ما علمت عزيزى القارىْ ان روسيا و اكورانيا تشكلان معاً 25% من السوق العالمي للقمح فستدرك مدى خطورة نشوب و استمرار و استطالة امد هذه الحرب على الغذاء فى العالم, و ربما تكون القارتين الاسيوية و الافريقية هما القارتين الاكثر تعرضاً لتداعيات سلبية فى توافر الغذاء جراء استمرار هذه الحرب المجنونة.
و من وجهة نظرنا فأن أهم المناطق التى ستتأثر بهذه الحرب بل يزداد التأثير باطالة امد الحرب ( لاقدر الله) منطقتنا العربية .و لنستعرض هنا الوضع بالنسبة لاستهلاك القمح لتوضيح مدى الاثار السلبية لهذه الحرب البوتينية التى ضربت اوكرانيا فانتشر القلق و الترقب فى المنطقة العربية و اوربا و جراء النقص المتوقع فى المعروض من النفط والغاز الطبيعى و القمح فى الاسواق العالمية..., وخلال 48 ساعة من بدء الغزو الروسي لاوكرانيا تخطى سعر برميل النفط 103 دولار و ازداد سعر طن القمح عالميا بحوالى 34 دولاراً فما بالنا اذا ماستطالت هذه الحرب المجنونة.
العرب و القمح
لا توجد من بين الدول العربية من نقول عنها انها مكتفية ذاتيا من هذه السلعة الزراعية الهامة فالمغرب الذى يعتمد على استيراد القمح سنوياً سيتأثر بشدة من نقص المعروض و ارتفاع الاسعار لتأمين احتياجاته . اما الاردن فهو يستورد كافة احتياجاته , وان كان الاردن و طبقا لتصريحات حكومية ,لديه احتياطى يكفى قرابة 15 شهراً مما يجعل شبح التأثير السلبى للحرب عليها من هذه الناحية مؤجل الى حين , و فى اليمن تلك الدولة التى تعصف بها الحرب الاهلية و التى تعتمد على الاستيراد فى كافة السلع الغذائية ربما تذداد معاناتها و تستحكم ازمتها اكثر لو طال امد هذه الحرب. و تحصل اليمن على القمح من روسيا و اوكرانيا و استراليا و امركا فهى تستورد حوالى 80% من احتياجاتها من القمح. و تماثلها فى نفس النسبة تونس و التى ستعانى ايضاً جراء الحرب و تزداد معاناتها باطالة امدها. واخيرا من اكثر الدول العربية استيرادا للقمح مصر و الجزائر , وربما تكون الحرب الروسية على اوكرانيا قد القت ظلالاً من القلق فى الدولتين لتوقع ارتفاع اسعار القمح عالمياً بسبب هذه الازمة .
و بالرغم من أننا كعرب نشكل اقل من خمسة بالمائة من سكان العالم ,الا اننا نستحوز على اكثر من 20 % من حجم تجارة القمح العالمية , للحصول على حوالى 60% من احتياجاتنا العربية منه, ويذكر ان المنطقة العربية بالكامل تنتج أقل من 3% من الانتاج العالمى من القمح, ووفقاً لتقرير صادرة عن قسم (وزارة )الزراعة الامريكية عام 2020 استوردت مصر 9,6 مليون طن قمح بما يقارب استحوازها على 6% من التجارة العالمية للقمح , تعقبها الجزائر بحوالى 7 مليون طن مستحوزة بذلك على حوالى 4,5 % من السوق العالمى, تليهما المغرب بنحو 5 مليون طن مستحوزة بذلك على حوالى 3.2 % من السوق العالمى ثم السعودية و العراق و اليمن بحوالى 3.5 مليون طن فالسودان 2,7 مليون طن و أخيراً تونس و الامارات 1,7 مليون طن لكلا منهما.
لذا نقول ان غالبية الدول العربية ستعانى من اعباءاً اضافية تؤدى الى زيادة ملموسة فى عجز الموازنه بها باسثناء دول الخليج و العراق و الجزائر و ليبيا ومصر لانهم ربما يستحوزون على نسبة كبيرة من سوق الطاقة العالمى باسعاره المتوقع ارتفاعها مما سيعوض مدفوعاتهم فى شراء القمح . فهل يتمكنون من ذلك؟ هذا ما أتمناه
ساحة النقاش