نادى الجد العجوز  وهو متكىء على فراشه  حفيده الذى جاءه مسرعا فدس يده فى جيبه واخرج مفتاح صغير يحتفظ به واعطاه للحفيد واشار له الى صندوق خشبى اسفل الكرسى الذى يجلس عليه الحفيد و قال له افتح واعطنى ما بداخله ففتح الصبى الصندوق  واستخرج منه قدوماً  صغيراً  و ناوله للجد الذى احتضنه بكلتا كفتيه و قبله و قال ستكون فى يدى هذه الايام.

استغرب الحفيد وسأل الجد عن هذا فقال له هذا القدوم شاركت  به  فى بناء السد العالى لم يدرك الصغير كثيراً مما قاله الجد ,, الذى هو احد البناءين العظماء للسد العالى  الذى تحل ذكرى ارساء اساسه هذا الاسبوع. و استطر قائلا و هو ينظر  بعيداً فى الافق من خلال نافذه حجرته التى تطل على النيل فى قريته الصغيره... منذ 62 عاماً كنت شاباً فتياً قوياً و بناءً مرموقاً  شاركت  فى بناء السد العالى الذى كان نقطة تحول فى حياة بلدنا مصر. فسأل الحفيد جده  جدى ماهو السد العالى يا جدى؟

فاعتدل و جلس مربعا رجليه و اشار للحفيد ان اقترب و اجلسه  فى مواجهته وقال له السد العالى جبل من قطع الجرانيت، وضع فى  مجرى نهر النيل، ويمتد  هلالياً من الغرب الى الشرق بطول 3600 متر، بارتفاع مقداره 111 متراً  ,عرض قاعدته 980 مترا، وعرض قمتة 40 مترا، والارتفاع 111 مترا،   ويقدر حجم جسم السد بحوالى  43 مليون متر مكعب، وامامه  ستارة رأسية قاطعة للمياه  تصل  لعمق 210 متر أسفل قاع النيل ، نفذت عن طريق الحقن،

 و للسد العالى بحيرة   مساحتها حوالى 5900 كيلو متر مربع، وطول هذه البحيره أكثر من 5000 كيلو متر  منها 350 فى مصر و 150 فى السودان و متوسط عرضها 20 كيلو متر تستوعب حوالى 164 مليار متر مكعب مياه،  . واردف الجد العجوز يا ولدى ايام بناء السد  كانت ايام  مصرية خالده.

مصر ارادت ان تبنى السد العالى و انهت الدراسات الخاصة بالمشروع خلال سنوات قليلة و قد شارك فى الدراسات خبراء مصريون واجانب و تم تقدير المبلغ  المطلوب لاتمام المشروع بأكثر من مئتى مليون جنيه مصرى, و بحثت مصر عن ممول للمشروع فاتجهت للبنك الدولى الذى ابدى موافقه مبدئية تراجع عنها تحت وطأة الضغوط الامريكية التى  كانت تناصب مصر العداء آنذاك وبحثت مصر عن ممول آخر  للسد  من بين الدول الصديقة  لينتهى الامر بموافقة الاتحاد السوفيتى السابق على تمويل السد و هنا تثور ثائرة العم سام و  التى نجمت عن توجه مصر الى معسكر الشرق وتسبب هذا  في قطيعة امريكية طويلة الامد مع مصر بل ومؤمرات أخرى قد أحكيها  لك فيما بعد.

وفى ضحى التاسع من  يناير عام 1960م بدأ الحلم فى التجسد بوضع حجر اساس السد العالى و اعطاء اشارة البدء، فى احتفال مهيب  بسرادق ضخم ضم المصريين الى جانب ضيوفهم الاجانب, أما الليلة السابقة  لارساء حجر الاساس او يمكننا ان نقول عنها ليلة التدشين للاحتفال العظيم،  آلاف العمال ومئات المهندسين قضوا ليلتهم يحفرون ستة حفر عميقة تشبه الأنفاق فى الجبل يقع بالقرب من "خور كوندى" ثم يعيدون ملؤوها بقرابة تسعة أطنان من الديناميت. .

أما الطريق  الممتد من مدينة أسوان  حتى موقع السد و هو قرابة تسعة كيلو متر فطوال ليلة وضع حجر الاساس عج بعشرات الألوف من البشر الذين رفعوا الأعلام ورددوا الهتافات  الحماسية فى مظاهرة وطنية كبرى للرد على الدول المعادية و التى حاولت تعطيل المشروع.

 خبيئة حجر الاساس

  ولانه حدث مختلف وعظيم فلابد ان تكون طقوسه مميزة ففى البناية البسيطة المقامة لوضع  حجر الاساس وضع صندوق خشبى أحتوى على نسخة من القرآن الكريم و نسخة من لائحة  هيئة  السد العالى و بعضاً من صحف عربية  نشرت فى هذا اليوم ,الى جانب ما كان فى جيب الرئيس المصرى جمال عبد الناصر وهو مبلغ 39,34 جنيهاً مصرياً ومبلغ من الدراهم المغربية وضعها  العاهل المغربى  الملك محمد الخامس  و مبلغ أخر بالليرة  السورية وضعها الرئيس السورى شكرى القوتلى , اتصور انه من الافضل او اقول اننى اقترح ان تستخرج هذه الخبيئة لتوضع فى متحف للسد العالى.

وعند الظهيرة حان الوقت  فضغط الرئيس المصرى على زر أحمر وفى الحال تفجرت شحنات الديناميت  التى قضى العمال ليلتهم  باشراف مهندسيهم فى دفنها اسفل الجبل القريب , عندها  قذف  الانفجار كميات هائلة من صخوره الصلبة قُدرت باكثر من 20 ألف طن، فتتها الانفجار الذى اهتزت له جبال منطقة المشروع  بأكملها؛ واحدث دوياً شديداً كاهمية الحدث، وصعدت الى سماء اسوان جراء الانفجار الضخم  سحابة دخان كبرى لتعلن للعالم أجمع اشارة بدء العمل فى السد العالى، وهنا بدأت الحفارات والبولدوزرات واللوريات الضخمة الواردة من الاتحاد السوفيتى  السابق فى نقل حطام الجبل المنسوف الذى سيشكل مكانه فيما بعد القناة الأمامية التى سيحول اليها  مجرى مياه نهر النيل بعد قفل النهر بالسد العالى.

و هنا قال الجد لحفيده بعدها انطلقنا فى البناء وقد استخدمت هذا القدوم الذى اشتريته خصيصا لبناء السد و لم ابن به شيئاً أخر سوى منزلنا هذا عند عودتى و احتفظت به تخليدا للذكرى التى تمر علينا هذا الاسبوع و يحتفل بها كل المصريين عامة و نحن أهل اسوان خاصة,,يا ولدى بناء السد كان يعبر عن كرامة و استقلالية وطننا العزيز.

المصدر: د احمد زكى ابو كنيز موقع آفاق بيئية الالكترونى

ساحة النقاش

د أحمد زكى

Ahmedazarc
يحتوى الموقع على مجموعة من المقالات الخاصة بالزراعة و المياه و البيئة و التنمية المستدامة. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

203,229