فى بدء الخليقة اعتمد الانسان فى طعامه على الالتقاط و الجمع ثم الصيد ولما لم تكفه هذه أتجه الى زراعة ما يلتقط و يجمع و تربية مايصطاد فكانت الزراعه. أن الخبز و الخضروات و اللحوم هى المأكل و القطن و الكتان و الحرير هى الملبس و جميعها من يد المزارع تخرج. لايوجد طعام على وجه الارض لم تنتجه يد المزارع فكل طعام مصدره الزراعة, حتى الاسماك ننسبها للزراعة. فالزراعة هى المهنة الاقدم الاقدس و الأعظم على وجه الأرض.
تحية كبيرة لمن يطمعنا من عرقه و يؤمن لنا غذائنا بكده و تعبه, يبذر الحب على الارض و يطمره بالثرى و بالماء يسقيه, و بعافيته يرعاه معتمداً على معبوده و على خبرته وحرفته لمهنته التى ورثها عن آباءه و اجداده كابراً عن كابر, بسيط فى ملبسه, كريم فى مسكنه, طيب فى معشره, يعمل وزوجه وابناءه فى حقله او مزرعته, معتمداً على الغيب فى نجاح محاصيله يحصى الرياح و يعد الامطار و الانواء, ويخشى الحشرات و الآفات على زرعه ومصدر رزقه.
وفى مصر نتذكر فى ادبياتنا الفلاح الفصيح الذى تحدث فأبهر و تكلم فعبر عن مطالبه و مطالب أهل مهنته, ومن بعده جاء أحمد عرابى زعيم الفلاحين القادم من شمال مصر المحروسة و النابت من طين الدلتا و الذى اطلقوا عليه زعيم حملة المقاطف سخريةً منه و تهكماً عليه, لكنه كان عظيما مهاباً وقف فى وجه الحاكم و المستعمر ليبعبر عن مطالب أهله وزويه و كان الثائر الاول من ابناء مصر, وقفه عظيمه خلدها التاريخ , مطالباً لبنى وطنهه بالعزة والكرامه فاحبوه و اتبعوه.
و بعد 71 سنة جاء جمال عبد الناصر من قلب الصعيد ليقرر ما طالب به أحمد عرابى و ليحقق آمال و آحلام المزارعين فى تملك اراضيهم التى يروونها بعرقهم فتنبت خيراً لهم و لبنى جلدتهم, فيصدر قانون الاصلاح الزراعى الذى اعاد الارض للمالك الحقيقي لها, بعد ان ظلت قروننا طويلة يتوارثها البكوات المماليك ثم العثمانيين و من فى ركابهم و من بعدهم سيطر عليها الوالى محمد على فاستولى عليها بالكامل و تملكها ثم جاء خلفاءه فاقطعوها لبنى جلدتهم و غيرهم ممن ساروا فى ركابهم, و ان وقع القليل منها فى حوزة بعض المصريين من ذوى الحظوة لدى المحتل المملوكى او العثمانى او الانجليزى و خلفاء محمد على من بعده.
ففى التاسع من سبتمبر 1881 وقف الزعيم أحمد عرابى فى وجه الخديوى الذى انحاز للمحتل الانجليزى يقسم انه و بنى جلتده من المصريين لن يستعبدوا بعد اليوم حيث قال لقد خلقنا الله احراراً و لم يخلقنا تراثاً أو عقارا فلن نستعبد بعد اليوم. فكانت وقفه عظيمة للمصريين كافة, وفى التاسع من سبتمبر 1952 صدر القانون رقم 178 لسنة 1952 الذى أبر بما أقسم عليه الزعيم التاريخى أحمد عرابى قبل سبعين عاماً فذاكرة المصريين لا تنسى و لكن قد تنتظر.
و هذا اليوم اعتبرته الدولة المصرية عيداً للفلاح و هو بحق كذلك ففى الواقعة الاولى و قف خلف الزعيم و فى الثانية اعاد الزعيم الاخر الارض لاصحابها, فهذا عيد حقيقى , ان كان لى تحفظ على تعبير عيد الفلاح, فأرى انه من الاصوب و الانسب ان نقول عيد المزارع و ليس عيد الفلاح, فكلمة فلاح نطلقها على مجموعة من المصريين الذى يقيمون فى شمال القاهرة حول الدلتا اذن هى تسمية لمجوعة سكانية, و هناك المجموعة السكانية للصعيد, الذين يقيمون فى المنطقة من جنوب القاهرة حتى اسوان. اذن كلمة مزراع تعبيراً أعم و أشمل يمكن أن نطلقه على كل ممتهن للزراعة, فليتنا ننتبه لذلك.
وفى عيد المزارع الذى يطعمنا بيديه الخشنه من ارضه و يؤمن غذائنا بكده و تعبه, و الذى فر لنا الغذاء فى جائحة الكورورنا, حينما اوصدت الدول ابوابها و لم يعد هناك تصدير ولا استيراد فلولا المزارع لتضورنا جوعاً و لدفعنا الغالى و النفيس من أجل لقمة خبز أو جرعة لبن أو قطعة لحم أو طبق خضار.. هذا الملاك العظيم يعانى الكثير فى الحصول على مستلزمات مزروعاته و الدفاع عنها جراء هجوم الآفات و الامراض. يعانى اختفاء الاسمده و تعاظم سعرها وتتعالى عليه تكاليف عمليات الخدمه حتى تكاد تلتهم ايراد حقله بالكامل, علي الدولة دعمه و مساندته وحل مشاكله ,هذه هى اكبر تحية نقدمها له فى عيده.. عزيزى المزارع كل عام و انت بخير.
ساحة النقاش