الحقيقة إن معركة بلاط الشهداء حملت تأثيراً درامياً على العسكرية الفرنسية ومن بعدها الأوربية، الذي لا يعرفه الكثيرون أن الأروبيون في هذا العهد لم يعرفوا ( السرج ) وكانوا يركبون الخيل بلا سروج، ونتيجة ذلك، كانت الخيالة لديهم خفيفة جداً إذ لم يسمح غياب السرج للفارس بارتداء دروع ثقيلة، ولهذا كانت خيالتهم بالكامل تستخدم في المناوشات والاستكشاف بينما لم يكن لها دور رئيسي في المعارك لعدم فاعليتها ضد المشاة المدرعة الثقيلة، في ذات الوقت كان سلاح الفرسان العربي متطوراً إلى حد كبير، فكانت الخيالة الثقيلة هي سلاح الهجوم الرئيسي في الجيش العربي المسلم، وإن كان مستوى تدريعها لم يصل إلى ما اتبعه الأروبيون لاحقاً والتي وصلت إلى التدريع الصلب الكامل لكلاً من الفارس والجواد وهو المعروف بالـ Baladin، ولكن كان التدريع يعتمد أساساً على الزرد ( قميص من حلقات حديدية ) وبعض القطع الصلبة للصدر والسواعد والأقدام ، وفي بعض الأحيان تضاف قطعة من الزرد لمقدمة الحصان لحمايته من طعن الرماح، وكانت غارة من الفرسان الثقيلة التدريع ذات أثر مروع على المشاة الذين لم يمتلكوا سلاحاً يصدها أو يؤثر في أطنان الحديد الطائرة في اتجاههم، فكان الكثير منهم يسحق تحت سنابك الخيل بينما تعمل حراب الفرسان عملها في المشاة من الحركة، كذلك كان لدى الجيش المسلم نمط أخر من الفرسان الخفيفة وهو الفرسان قاذفي السهام، وتدور فرقهم بشكل مستمر حول العدو وتمطره بوابل السهام من جميع الاتجاهات، وخذا ايضاً لم يكن من الممكن أن يتوفر لولا وجود السرج.

 


على كل حال، عندما أتى شارل مارتل إلى المعركة كان يسمع الأهوال عن الفرسان المسلمين، لذا أتى جيشه وقد تسلح بحراب شديدة الطول من الخشب( كانت الغالبية الساحقة من جيشه من المشاة ) وعندما حلت المعركة احتل ربوة عالية وصف جندوه فيها في شكل مربع تخرج منه أسنة الرماح الطويلة ( فيما بعد سصبح هذا تخصص أساسي في المشاة الأوربية ويعرف بالـ BecMan) وكان الجيش الإسلامي يواجه هذه التقنية للمرة الأولى، فلم يستطع النفاذ من هذا السد خلال المناوشات فأخذت الفرسان الخفيفة تمطرهم بوابل السهام عدة أيام، والحقيقة إن وضع شارل كان جد خطير، إذ كانت القوات الإسلامية تحيطه وتصاعدت أعداد القتلى والجرحى في صفوفه دون أن يتمكم من الرد أو الهجوم، وفي غمرة هذا اليأس، تهور أحد قادة كتائب الفرسان المسلمين وقام بهجوم رأسي على أحد جوانب تشكيل المشاة الخاص بشارل، فوقعت فيهم خسائر كبيرة من الحراب الطويلة، وتوجه عبد الرحمن الغافقي بنفسه إليهم كي ينقذ الموقف لكنه استشهد، وانفك عقد الجيش المسلم، مما اتاح لشارل الغير مصدق لنفسه أن يشن هجومه المضاد الرئيسي ويربح المعركة

 



أما التأثير المباشر لهذه الموقعة، فقد أدرك شارل مدى تفوق المسلمين العسكري بسبب فرسانهم، ولهذا أمر أن يتم تأسيس سلاح مشاة ثقيلة لديه يوازي ما لدى المسلمين، واستدعى هذا ان بحث الفرنسيين عمن يعلمونهم صناعة السروج وللأسف نقل بعض الأندلسيين تلك الحرفة إليهم، فتأسس سلاح الفرسان الثقيل الفرنسي، والذي تميز بالمبالغة في التدريع بشكل لافت، ومنه انتشرت تلك التقنية إلى أوربا وإن ظل الفرنسيين أصحاب أقوى سلاح فرسان من حيث التدريع، وتعرف العرب على سلاح الفرسان الفرنسي وتأثيره في الحروب الصليبية لاحقاً، وبذلك كانت تلك المعركة نقطة تحول أساسية في العسكرية الأوربية.

المصدر: بقلم : أحمد سيد إبراهيم
AhmedIbrahim

أحمد سيد إبراهيم

  • Currently 118/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
37 تصويتات / 1537 مشاهدة
نشرت فى 21 ديسمبر 2008 بواسطة AhmedIbrahim

ساحة النقاش

أحمد سيد إبراهيم

AhmedIbrahim
أسعى أن يكون قلمي منارة، في عالم اعتاد الناس فيه الخلط بين الحقائق ووجهات النظر »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

133,884