'بلفور' الذي لا يملك أعطى وعدًا لمن لا يستحق
لم يثنِ 'هرتزل' رفض السلطان عبد الحميد لعرضه عن المُضيِّ في العمل على تحقيق مشروعه، وبدأ اليهود ينشرون فكرتهم على نطاق واسع في أوربا، ووجدت الفكرة صدىً وتجاوبًا لها في الغرب لدى عدد من الساسة والزعماء، وكان 'آرثر بلفور' - وزير الخارجية البريطاني - من أكثر المتحمّسين لها، فقد كان معروفًا بتأثره بالفكر الصهيوني، وتعاطفه الشديد مع الصهيوني ين.
ونشط الصهيونيون في التقرب من البريطانيين، وانبروا يؤكدون لهم قدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا والحفاظ على مصالحها، وهكذا بدأ البريطانيون يضعون الخطوط الرئيسية لفكرة الوطن اليهودي، وتركزت في البداية على مفهوم إيجاد ملجأ للمضطهدين من اليهود المهاجرين، ولكن الجانب الصهيوني عارض هذا الاتجاه، واستقر الطرفان - في النهاية - على مشروع الوطن القومي.
وقد قوبلت الفكرة بمعارضة شديدة من بين اليهود أنفسهم، خاصةً اليهود الليبراليين الذين استطاعوا أن يندمجوا في المجتمعات التي عاشوا فيها، ورأوا في هذه الفكرة دليلاً قد يتخذه أعداء السامية على غربة اليهودي، وعدم قدرته على الاندماج في المجتمع الذي يعيش فيه، وعدم انتمائه إلى موطن إقامته. ولكن بعد نقاش طويل- داخل 'مجلس ممثلي اليهود البريطانيين' - رجحت كفة مؤيدي الفكرة، وكان 'حاييم وايزمان' و'ناحوم سوكولوف'، من أكثر الصهيونيين حماسًا لهذه الفكرة وتأييدًا لها، وأظهر 'وايزمان' براعة سياسية ونشاطًا دءوبًا في إقناع ساسة الحلفاء بوجهة نظر الصهيونيين؛ لدفع 'بريطانيا' إلى وضع فكرة الوعد، الذي صاغه 'وايزمان' بنفسه في حيّز التنفيذ.
وعد بلفور
تعتبر الرسالة التي بعث بها وزير الخارجية البريطانية عام 1917 إلى اللورد روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة والتي عرفت فيما بعد باسم وعد بلفور، أول خطوة يتخذها الغرب لإقامة كيان لليهود على تراب فلسطين. وقد قطعت فيها الحكومة البريطانية تعهدا بإقامة دولة لليهود في فلسطين... وبتكليف من الحلفاء أقدمت 'بريطانيا' على تلك الخطوة الخطيرة، فأصدرت 'وعد بلفور'،
وكان نصه:
وزارة الخارجية 2 من نوفمبر 1917م عزيزي اللورد 'روتشلد'
يسرني جدًّا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرّته: إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في 'فلسطين'، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهومًا بشكل واضح أنه لن يُؤتَى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى. وسأكون ممتنًا إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علمًا بهذا التصريح.
المخلص : آرثر بلفور
وفور إعلان هذا الوعد سارعت دول 'أوربا'- وعلى رأسها 'فرنسا' و'إيطاليا' و'أمريكا'- بتأييده،
بينما كان له وقع الصاعقة في مناطق العالم العربي، واختلفت ردود أفعال العرب عليه بين الدهشة والاستنكار والغضب.
|
ساحة النقاش