يعيش معظم المعوقين في العالم في قرى وأحياء وتجمعات فقيرة لا يرون فيها أي خبير في إعادة التأهيل ولا أي عامل في << العلاج الطبيعي>>. لكن هذا لا يعني دوماً أنهم لا يتلقون أي <<تأهيل >> أو <<علاج >>. ففي كثير من القرى والأحياء والبيوت هنالك أفراد وعائلات وحرفيون محليون وأطباء شعبيون ومعوقون يكتشفون ويخترعون بأنفسهم طرقاً لمساعدة أصحاب الإعاقات على إنجاز ما يقومون به وعلى فعل الأمور بشكل أفضل ، وعلى التحرك بسهولة أكبر.
ولقد رأينا أمثلة عديدة لنجارين وحدادين وسمكريين وصانعي جلود صنعوا عكازات وعربات وأرجلاً خشبية ووسائل مساعدة أخرى بسيطة ، كما أننا نعرف آباء وأمهات طوروا أعمالهم اليومية بحيث يتمكن أبناؤهم المعوقون من المساعدة في أعمال المزرعة أو الأعمال المنزلية أو الدكان وأن يقوموا ، في الوقت نفسه بكثير من التمارين (العلاج ) التي يحتاجونها . وفي بعض الأحيان تكون << إعادة التأهيل >> التي يطورها الأهل والناس بأنفسهم أفضل في ظروفهم الخاصة من الطرق أو الأدوات المساعدة التي يقدمها الأخصائيون <<من خارج مجتمعهم >>. وندرج هنا مثالين على ذلك :1 - رأيت في الهند قرويأ فقد ساقه في أثناء عمله في ورشة بناء، فاستخدم مخيلته وصنع لنفسه ساقاً خشبية وقدماً مرنة مصنوعة من الأسلاك القوية واستخدم شرائط من ملاءة قطنية قديمة كحشوة . وبعد عدة أشهر سنحت له الفرصة للذهاب الى المدينة حيث صنع له أحد المختصين في الأطراف الاصطناعية ساقاً حديثة من الألياف الزجاجية (الفيبر غلاس )، كلفته غاليأ . وحاول الرجل استخدام طرفه الاصطناعي الجديد لمدة شهرين متواليين ، لكن الساق كانت ثقيلة وحارة ، ولم تكن تسمح للبقية الباقية من فخذه بالتنفس كما كان الحال مع الساق التي صنعها بنفسه ، وكان يسميها <<القفص السلكي>>. ولم تسمح له ساقه الجديدة كذلك بالجلوس مقرفصاً لتناول الطعام أو استعمال المرحاض بشكل مريح ، كما كان الأمر مع ساقه القديمة . وأخيراً ، توقف الرجل عن استعمال ساقه الجديدة وعاد الى قديمه الذي صنعه بنفسه ، إذ كانت أكثر ملائمة للمناخ والحياة التى اعتادها .
هناك كلمتان تستعملان كثيراً في حديث العاملين مع المعوقين ، هما : << إعادة تأهيل >> و <<العلاج>> .
وإعادة التأهيل تعني استعادة القدرة أو مساعدة المعوق على تدبر أموره بشكل أفضل في البيت وبين الناس .
أما العلاج فيعني المعالجة أساساً . والعلاج الطبيعي هو فن تحسين أوضاع الجسم وحركته وقوته وتوازنه والتحكم به . أما العلاج الوظيفي فهو فن مساعدة المعوق على تعلم القيام بأعمال مفيدة أو ممتعة .
ونحن نتحدث عن <<العلاج >> كفن وليس كعلم لأن هنالك مفاهيم كثيرة مختلفة للعلاج ولأن الشعور الإنساني الذي يوظف في العلاج يساوي وسائل العلاج في أهميته .
2 - في احدى قرى المكسيك الصغيرة طور السكان مع مواطنيهم المصابين بالصمم ، وعلى مدى سنوات ، طريقة بسيطة ولكنها مذهلة ل << التخاطب بالاشارات >> تعتمد على استخدام اليدين والوجه والفم وكل الجسم للتعبير عما يراد قوله . ونتيجة لذلك صار الأطفال الذين يولدون وهم يعانون من الصمم يتعلمون التعبير عن أنفسهم وحاجاتهم بسرعة ، وصاروا مقبولين في المجتمع وأصبح بعضهم من أمهر الحرفيين بعد أن كبروا. وتسمح طريقة <<الاتصال الكامل >> هذه للأطفال الصم بتعلم لغة مفيدة بأسرع وأسهل وبشكل أكثر فعالية من طريقة <<لغة أو قراءة الشفاه >> التي يجري تعليمها الآن في المدن . وبالنسبة للأطفال الذين يولدون صماً فإن الاقتصار على تعليمهم لغة الشفاه للقراءة والكلام كثيراً ما انتهى الى خيبات أمل قاسية (انظر الصفحة 264). ويمكن ل <<المعلمين الخاصين>> في المدن أن يتعلموا الكثير من هؤلاء القرويين.
واذا ما أتيحت الفرصة للأطفال المعوقين فإنهم كثيراً ما يظهرون مخيلة واسعة وطاقة كبيرة في إبتكار طرق للتحرك والاتصال مع الآخرين أو في الحصول على احتياجاتهم. والواقع أن الكثير مما يفعلونه هو <<علاج >> يقوم كل طفل بتطويره لنفسه بشكل فني بارع .
وبقليل من المساعدة والتشجيع والحرية يمكن للطفل المعوق في كثير من الأحيان أن يصبح أفضل معلج لنفسه. والشيء الأهم هو أن الطفل سيتأكد ان علاجه <<عملي>> ومفيد، وانه يغير باستمرار في هذا العلاج ليلبي احتياجاته . ويعرف الطفل المعوق بشكل غريزي، مثله مثل بقية الأطفال ، أن عليه أن يعيش حياته الآن وأن جسمه وعالمه ينتطران منه استكشافهما واستخدامهما وتحديهما . والعلاج الأفضل هو الموجود في الأنشطة اليومية للطفل ، كاللعب والعمل وإقامة العلاقات مع الآخرين والاستراحة والمغامرة .
لهذا، فإن التحدي الذي يواجه العاملين الصحيين والأهل (وكذلك المعالجين ) هو البحث عن الوسائل التي تمكن الطفل من الحصول على <<العلاج >> الذي يحتاج اليه بطرق سهلة ومحببة وفاعلة .
ساحة النقاش