بداياته من مواليد عام 1925م درس الطب وتخرج طبيبا في جامعة الملاي في عام 1974م تم تعيينه وزيرا للتربية والتعليم. ثم نائبا لرئيس الوزراء، وعام 1981م تولى رئاسة الحكومة. إنجازاته وصلت ماليزيا في عهده ذرى لم تصل إليها دولة إسلامية أخرى حتى اقترب نصيب الفرد الماليزي من الدخل القومي إلى 10 آلاف دولار سنويا لقد حقق د. مهاتير السلام الداخلي في ماليزيا من خلال سياسات إنتاجية وتنموية، ونجح في عقد صفقة تاريخية بين أرجاء النخب الماليزية وفي المقابل أعطى فرصة متميزة للطائفة المالاوية في مجالات الصحة والتعليم الرؤى والأفكار.. مهاتير رجل لا يرى الإسلام مجرد ممارسة مجموعة من الشعائر الدينية بل منظومة متكاملة تصلح لجميع شؤون الحياة وبفضل هذه العقلية الجبارة والروح المتشبعة بتعاليم الشرع نهض عالم الشرق الآسيوي المنازع لقوة الغرب المادية والمفارق له ثقافيا في الوقت نفسه، وفي قلب الصورة المضيئة لمع اسم مهاتير، فلم يكن الرجل مجرد أداة لتطور تاريخي يتداعى بالعدوى من محيط الجوار الناهض، بل كان يدرك ما يفعل بالضبط، فهو رجل الفكر والإنجاز في آن، هو الطبيب الذي تحول إلي أفضل خبراء الاقتصاد، وهو الحاكم الذي تحول إلي أعظم مفكر وصاحب نظرية للطفرة الآسيوية. شجاعته مما زاد مهاتير ألقا وجاذبية كونه الرمز الأول للتجربة الإسلامية في (صحوة الأمم من عدم)، ضاربا بالوصفة الأمريكية التي توصي بالتخفف من أعباء وعباءات الإسلام كشرط للتقدم عرض الحائط، والمحضر الأخير لمهاتير ناطق شجاع وبيان أسمع الجميع تحدي الصلف الأمريكي ومما يزيده شرفا وعزا أنه الزعيم المسلم الوحيد الذي أسمع أمريكا ما لا تريد سماعه فلله دره! المشهد الأخير (وقتي انتهي.. لن أتولى أي مسؤوليات رسمية بعد 31 أكتوبر 2003م لأنه من المهم أن يتولى قيادة ماليزيا جيل جديد بفكر جديد). هذا آخر ما تحدث به هذا العبقري.. إبداع في البدايات وروعة في النهايات لحقا هو إحدى المعجزات! اول كتاب باللغة العربية عن :مهاتير محمد - ماليزيا 2003-09-27 الدكتور محاضر محمد.. بعيون عربية وإسلامية تأليف: الدكتور عبد الرحيم عبد الواحد اصدار الأجواء للنشر الإمارات العربية المتحدة الطبعة الأولى أكتوبر 2003 اهداء.. .. إلى المخلصين أصحاب النوايا الصادقة ..إلى زعماء الأمتين العربية والإسلامية ..وإلى القائد الدكتور محاضر محمد مقدمة introduction د. محاضر.. عاقل في زمن الجنون لكل زمان دولة ورجال، مقولة تاريخية تحمل في طياتها وحروفها الكثير من الدلالات، فلكل وطن فرسانه ورجاله الذين يؤدون واجبهم تجاه شعوبهم وأوطانهم ويواجهون التحديات والصعاب، ويدفعون الغالي والرخيص من أجل النهوض بالوطن وإسعاد الشعوب مهما كلف الأمر من تضحيات. وعند الحديث عن هؤلاء، يبرز دور أحد الذين سطع نجمهم في تاريخ ماليزيا الحديث، إنه الدكتور محاضر محمد رئيس وزراء ماليزيا الذي يغادر منصبه الرسمي مع صدور هذا الكتاب على هامش انعقاد الدورة العاشرة لقمة المؤتمر الإسلامي في العاصمة الماليزية كوالالمبور. بهامته الشامخة كما هي ماليزيا، وبساطته وتواضعه، يسطر الدكتور محاضر محمد أروع الأمثلة الإنسانية التي جاءت وليدة قناعاته ونظرياته وفلسفته الحياتية، حيث قاد بلاده إلى النهضة والتطور ومن ثم إلى بر الأمان بعد مشوار طويل من التضحيات، فيما سطرت أفكاره ومواقفه سجلاً حافلاً من النظريات التي يستحق عليها التكريم بأنبل الشهادات تقديراً لوفائه لوطنه وشعبه وأمته الإسلامية، كما دوّن برؤيته الثاقبة وحكمته الراسخة، سياسة ماليزيا وحدد أهدافها التي حققت الرخاء والتنمية بعد أزمات ومؤامرات كادت تعصف بإنجازات الشعب الماليزي، كما تحولت في عهده الأحلام إلى حقائق على أرض الواقع بعد ان حمل الأمانة التاريخية، مستعيناً بالمصداقية التي تحكم مشاعره وتحدد سلوكه. إنه مفخرة كل من يعرف دقائق شخصيته وحياته اليومية. يُوصف الدكتور محاضر بأنه حكيم عاقل في زمن الجنون والخوف على المصالح الشخصية، يُسمي الأشياء بأسمائها، ويضع الأمور في نصابها الصحيح ويعطي القضايا ما تستحقه، فهو قائد ذو ثقافة عالية يعطي دروساً في التاريخ والدين والإنسانية والأخلاق. لم يقل شيئاً يجافي المنطق أو بعيداً عن الواقع، رجل حضارة وفكر وسلام، استطاع جذب انتباه جميع الوطنيين والمحبين للسلام والعقلانيين الباحثين عن مصالح الأمة الإسلامية وسط ركام التخاذل والخنوع والأفواه المغلقة والأيادي المقيدة، ومدافع عنيد وقوي عن الحقوق العربية والإسلامية. وينظر إلى الدكتور محاضر محمد على أنه باني ماليزيا الحديثة، فمنذ تسلمه المنصب في العام 1981 قاد ثورة إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وعلمية في ماليزيا ونقلها من دول العالم النامي إلى العالم المتقدم. وكغيره من الزعاماًت التي تركت بصماتها على تاريخ بلادها وامتد تأثيرها إلى محيطها الإقليمي والدولي، يعد محاضر من الشخصيات التي أثارت جدلاً كبيراً، وخاصة الجانب الفكري في شخصيته الإسلامية حتى اعتبره البعض واحداً من الشخصيات التاريخية في العالم المعاصر خلال القرن العشرين. فقيادة محاضر جاءت في الوقت الذي انحسر فيه انصار الواقعية السياسية بعيداً عن العواطف والمجاملات والزعاماًت الإعلامية، فلم يتوقف عن الدعوة إلى الاصلاح والتطوير بدءاً من أبناء جلدته أفراد شعب الملايو الذين يكنون له كل الاحترام والتقدير بسبب مواقفه التي تتجسد يوماً بعد يوم على أرض الواقع داخل وخارج ماليزيا. كما لم يتوقف عن نقد ورفض التوجهات الغربية وخاصة الأمريكية ومحاولتها فرض سيادتها الاقتصادية على الشعوب الضعيفة والفقيرة بل نصّب نفسه حارساً ومدافعاً عن القضايا العربية والإسلامية في كافة المحافل والمنتديات الإقليمية والدولية أكثر من أصحابها الشرعيين، مما أكسبه احتراماً وتقديراً عبر عنه غالبية قادة وحكام دول العالم. ويتمتع الدكتور محاضر حسب أغلب الرؤى المحايدة بكاريزما قيادية وسحر شخصي ما جعله شخصية جماهيرية ذات ثقل فكري مرموق ليس في ماليزيا وحدها وإنما على مستوى جنوب شرق آسيا والعالم الإسلامي. ولعل من بين الخصال الحميدة التي كرسها محاضر وستترك أثرها الكبير على مستوى بلاده فضلاً عن الصورة الايجابية التي قدمها من خلال مواقفه قيمة التسامح. فمحاضر رغم التزامه القوى بعقيدته الإسلامية إلا أنه ظل يحرص من موقعه كرئيس حكومة على إشاعة التسامح الديني في ماليزيا تجاه الأقلية غير المسلمة حتى أصبح ينظر إليها على أنها النموذج الإسلامي الوحيد الذي يستحق أن يحتذى. وفي وصف محاضر راح البعض يؤكد أنه يتمتع بقوة شخصيته ونظرة سياسية ثاقبة، وأنه لم يعرف عنه استغلال نفوذه في مراكمة الثروة الشخصية أو فرش الطريق بالذهب للأقارب والمحاسيب، كما نجح في تحاشي التحول إلى رمز لعبادة الفرد وهي الظاهرة التي دمرت الكثير من القادة المسلمين، إضافة إلى اعتباره انموذجاً للقادة المسلمين الذين تجاوزوا مجرد مباشرة الشؤون اليومية إلى تطوير رؤية سياسية استراتيجية. لقد تخطت ماليزيا التي يُطلق عليها "يابان العالم الإسلامي"، الصعاب بفضل قيادة ابنائها المخلصين، وضربت أروع الأمثلة على الإصرار والتحدي مما جعلها تستحق وبجدارة تقدير واحترام العالم بأسره حكاماً وشعوباً، حيث استطاع ذلك "النمر الآسيوي"، تحقيق نقلة نوعية متميزة في المجالات الصناعية والسياحية والتكنولوجية والطبية والتعليمية حتى وصلت إلى المرتبة الـ 18 على خريطة العالم الاقتصادية فيما بلغت نسبة المتعلمين 93% بعد ان كانت الأمية والجهل والتخلف قبل 35 عاماً إحدى سمات شعب الملايو. وكنتيجة لذلك اعتبرت مثالاً ناجحاً وتجربة أسطورية تنافس مثيلاتها من الدول الصناعة المتقدمة. ومن المؤكد أن لكل تلك الإنجازات أسباباً كامنة وأسراراً قوية تقف خلف ما يمكن أن نسميه النهضة الكبرى لماليزيا المسلمة. وشكلت مواقف الدكتور محاضر محمد الذي يوصف بأنه صاحب الإرادة القوية والتفسيرات المنطقية، مفتاحاً سحرياً لكشف الأهداف بعيدة المدى للسياسات الغربية والأمريكية تجاه دول جنوب شرق آسيا بل وجمع بين الحضارتين الشرقية والغربية في توافق قلما يوجد في مكان آخر حيث ساهم بدور كبير في تحقيق التعايش بين مختلف الديانات والأعراق التي تتجاوز الخمسين. ولا نبالغ في القول، إن ملامح الدهشة والإعجاب والتقدير لا تفارق خيال كل من يزور ماليزيا وخاصة من العرب والمسلمين الذين يعتبرون التجربة الماليزية انموذجاً فريداً وسياسة ناجحة بكل المقاييس. لذلك، يجب علينا نحن شعوب العالم الثالث ان نتعلم ونستخلص الدروس والعبر من هذه التجربة لتحقيق رفاهية الأجيال المقبلة من خلال توحيد الجهود والإمكانات ورفض الاستعباد الأجنبي ومحاولاته لتهميش القوى الوطنية والقومية. ولا يكتمل الحديث عن تجربة الدكتور محاضر التنموية والاقتصادية دون التعرض لقضايا العالم الإسلامي التي شكلت هاجساً كبيراً طوال مشواره السياسي داعياً للوحدة ونبذ الخلافات وتوحيد الصفوف واستغلال الإمكانات والابتعاد عن الصراعات الداخلية، حتى يمكن القول بأن الحديث عن هذا القائد، يعني في حقيقة الأمر إعادة كتابة التاريخ من دون تزييف أو مزايدات. لذلك، السطور التالية لا تعني مجرد السرد النظري التقليدي للأحداث والتصريحات والمواقف بقدر ما ترسم صورة واقعية لأفكار زعيم امتزجت طموحاته وأحلامه بالواقع، فشكلت لوحة رائعة وجسدت أسطورة نادرة لم تكن لترى النور لولا الإرادة الواعية والحريصة على مصالح البلاد والعباد، والتي يمكن وصفها بفلسفة إسلامية على الطريقة الآسيوية. وقد سألت في لقاء خاص جمعني والدكتور محاضر محمد في كوالالمبور في يناير 2003، لماذا أنت دائم الهجوم الشديد والعنيف على القيادات الغربية وسياستها الخارجية وخاصة الأمريكية، فكان جوابه، شافياً عقلانياً ومنطقياً وواقعياً تمثل في أن: ماليزيا غير مرهونة لقروض ومساعدات أمريكية تجبرها على اتباع السياسة التي تريدها واشنطن، وأن ماليزيا لديها من القدرات التقنية والبشرية بما يؤهلها للاستغناء عن - كرم العون- الأمريكي تحديداً، كما أن واجب الأمانة الدينية التي نتحمل مسؤوليتها أمام الله عز وجل يفرض علينا قول الصراحة والصدق وعدم المواربة والدعوة إلى التوحد وخاصة إن لدى المسلمين من القدرة ما يؤهلهم ليكونوا قوة كبرى لها وزنها السياسي والاقتصادي في العالم وأن يكونوا مشاركين وليسوا متفرجين على ما يحدث على سطح هذا الكوكب. وأخيراً، لابد من توجيه الشكر والتقدير للكثيرين الذين ساهموا في إنجاز هذا الكتاب، سواء بالدعم المادي والمعنوى أو بتسخيرالإمكانات المختلفة للحصول على المعلومات الخاصة من الإمارات وماليزيا، وأخص بالذكر السيد/داتو سيد حسين الحبشي سفير ماليزيا السابق لدى دولة الإمارات الذي لم يدخر وسعاً في تقديم العون وتوفير المعلومات الخاصة بالدكتور محاضر. كما لا يمكن إغفال الدور الكبير والبارز للسيد / داتو يحيى عبد الجليل الذي كان لجهوده وتوجيهاته ووقته الدور الأهم في خروج هذا العمل إلى النور. الدكتور عبد الرحيم عبد الواحد دبي، 10 سبتمبر 2003 الباب الأول ماليزيا تحت قيادة محاضر محمد (1981 – 2003) تمكنت ماليزيا بفضل سياسة أبنائها المخلصين قيادة وشعباً، من تجاوز الصعاب والتغلب على أخطر الأزمات السياسية والاقتصادية وأبرزها الكارثة المالية التي حلت بمنطقة جنوب شرق آسيا عام 1997. وضربت هذه القيادة أروع الأمثلة في التحدي وتجاوز المحن بل وتحقيق الإنجازات في كافة المجالات مما جعلها تستحق وبجدارة تقدير واحترام العالم بأسره حكاماً وشعوباً. وتحظى فلسفة محاضر باحترام وتقديرغالبية القيادات السياسية والشعبية ليس في العالمين العربي والإسلامي فقط بل والعالم أجمع، فهو صاحب تجربة فريدة وفكر ثاقب وطروحات عملية بعيدة النظر ومايسترو قصة النجاح التي شكلت انموذجاً رائداً في العالم الإسلامي ودول العالم الثالث. ومن القضايا التي ساهمت في تزايد الاحترام الشعبي والرسمي لسياسة محاضر، اهتمامه بمسألتي التعليم والاقتصاد، فمنذ بداية نشاطه السياسي والحزبي كان همه الأول انقاذ شعبه ومواطنيه من مستنقع التخلف والجهل فيما لا يزال يناضل لتحقيق المزيد في هذا المجال وذلك بالرغم من الإنجازات التعليمية التي تحققت بشهادة خبراء عالميين ومن أقواله التي تشهد له في هذا الإطار مقولته خلال حديثه لقناة الجزيرة القطرية:" ورثنا نظامنا التعليمي عن البريطانيين خلال فترة خضوعنا لهم، ولكننا شعرنا ان ذلك لا يلبي طموحاتنا، واننا بحاجة إلى ذوي تعليم أعلى، لذا انفقنا 20% من ميزانيتنا القومية على التعليم، وهي نسبة تزيد على ما ننفقه على الدفاع مثلاً وشجعنا التعليم لدرجة انه كان لدينا 50 ألف طالب يدرس في الخارج في أي وقت من الأوقات ونفس العدد يدرسون في معاهد البلاد العليا، ولكن التأكيد كان على دراسة العلوم والتكنولوجيا والتنمية وليس على مواضيع أدبية مثل التاريخ وما شابه ذلك، التأكيد دوماً كان على بناء القوة العاملة التي نحتاجها لتطوير البلد". والسؤال الذي لا ينفصل عن تلك الإنجازات، هو كيف استطاعت ماليزيا تحقيق مثل تلك النجاحات فيما فشل الآخرون الذين لم يعانوا مثلما عانته ماليزيا طائفياً وسياسيا واقتصادياً؟ هذا ما ستتناوله الصفحات التالية التي تتحدث عن الأبعاد الداخلية للقيادة "المحاضرية" خلال 22 عاماً من الحكم تبدأ من عام 1981 وتنتهي مع صدور هذا الكتاب العام 2003 الحاسم في تاريخ ماليزيا خلال القرن الحادي والعشرين. لذلك سنبحث الحالة الماليزية تحت قيادة محاضر عبر 9 فصول، يعرض الأول للأسباب التي من أجلها استحق محاضر ثقة شعبه عبر تبيان سياسته الواضحة تجاه قضايا بلاده القومية، وفي الفصل الثاني نبحث في التوجهات التي انتهجها محاضر وتمثلت في الاقتداء بالسياسة اليابانية لبناء دولته ثم يتناول الفصل الثالث مظاهر وأسباب الوحدة التي تتمتع بها ماليزيا، أما الفصل الرابع فيبين أسلوب الخصخصة ودوره في تنمية الاقتصاد الماليزي، ويعرض الفصل الخامس للرؤى والتصورات المستقبلية التي يراها محاضر في بناء ماليزيا الجديدة بحلول عام 2020، وتكمله لذلك يأتي الفصل السادس ليحكي قصة ماليزيا مع التكنولوجيا والمعلومات ودورهما في بناء مستقبل الأجيال المقبلة، ثم يتناول الفصل السابع مزايا التحولات التي عاشتها ماليزيا خلال السنوات الماضية، فيما يحدد الفصل الثامن الأساليب والوسائل التي انتهجتها القيادة الماليزية لمواجهة الأزمات المالية التي تعرضت لها وخاصة عام 1997، وأخيراً يـأتي الفصل التاسع ليشرح فلسفة الدكتور محاضر الاجتماعية والقيم الإسلامية التي حاول جاهداً لتكون الأسس التي يقوم عليها البناء الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع الماليزي. الفصل الأول سياسة فعالة تستحق الثقة لم يكن الدكتور محاضر محمد مجرد رقم عادي في المعادلة السياسية والاقتصادية لمنطقة جنوب شرق آسيا، بل عقبة كؤود أمام الأطماع والمخططات الاقتصادية والسياسية الامريكية والأوروبية وخاصة البريطانية التي ساهمت بشكل كبير إبان احتلالها لشبه الجزيرة الماليزية في تهجير العناصر الصينية والهندية باتجاه هذه المنطقة ومنحها الجنسية الماليزية وتمكينها من مفاتيح الاقتصاد والتجارة مقابل حصول شعب الملايو المسلم على حقوق المواطنة. وقد ترتب على ذلك انتشار ظاهرة التفرقة والانحياز الواضح لصالح الصينيين والهنود مما دفع الملايويين لمواجهة الأزمة سلمياً من خلال تنمية الكوادر البشرية وتولي المناصب القيادية والتركيز على الجانب التعليمي. وبالرغم من التناقضات الواسعة في تركيبتها الدينية والعرقية، تمكنت ماليزيا في عهد الدكتور محاضر محمد من إرساء نظام حكم ديمقراطي مستقر إلى حد بعيد، يتناسب مع متطلبات المرحلة ومقتضيات حماية المصالح الوطنية، وذلك مقارنة بالظروف والمصاعب التي واجهت الحكومة الماليزية على مدى السنوات الماضية وخاصة بعد الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي ضربت البلاد وأبرزها الكارثة المالية التي عصفت بدول جنوب شرق آسيا عام 1997. كل ذلك ساهم في تكوين الاعتقاد لدى الساسة الأوروبيين بأن التجربة الماليزية نموذج واقعي جدير بالثقة يمكن أن يحتذى. والدكتور محاضر من رجالات الحكم الذين يمكن أن يطلق عليهم وصف "الفذ الاقتصادي" وأنه صاحب تجربة اقتصادية وتنموية وسياسية واجتماعية ليست ناجحة فقط بل تجسيد حقيقي لأسطورة القيادة والفكر والنظريات البارعة وتشهد له في ذلك ليست فقط هذه السطور بل انجازاته منذ بدايات حياته وحتى اللحظة وأبرزها إخراج بلاده من دوامة بل كارثة اقتصادية محققة لولا عناية الله أولا وتوفيقه ومواقفه التي واجه بها تحديات وانتقادات داخلية وخارجية، والتي من دونها لذهبت ماليزيا بشعبها وانجازاتها ادراج الرياح بلا عودة. ويعبر محاضر عن فلسفته في الحياة بالقول إنه لا يبدي اهتماماً كبيراً بلون القطة سواء كانت بيضاء أو سوداء لأن الأهم من لونها كونها ماهرة في اصطياد الفئران، كما لا يوجد دواء عالمي يعالج مختلف الأمراض والعلل. وانطلاقاً من ذلك كان رأيه أن عملية الاصلاح الشاملة لمنطقة جنوب شرق آسيا تتطلب مئات السياسات والأفكار والأعمال، وليس الاقتصار على صيغة واحدة. وفي هذا الإطار، بدأت الثقة والطمأنينة تترسخ في أذهان الشعب الماليزي وخاصة الملايويين منهم، بعد أن طرح الدكتور محاضر محمد فلسفته في العديد من القضايا الملحة التي تهم الحياة المستقبلية للشعب الماليزي، ففي مجال توزيع الثروة الوطنية رأي أن أفضل وسيلة للازدهار والرخاء بين أفراد الشعب بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية هي تقاسم الثروة بالتساوي، بما لا يمس أموال الأغنياء منهم. وفي الوقت نفسه تمحورت فلسفة التعليم عنده في اعتباره السلاح القوى في مواجهة التحديات والأزمات باعتماده على منهجية مدروسة ومحكمة، فمنذ البدايات الأولى لنشاط الدكتور محاضر محمد السياسي والحزبي، كانت مهمة إنقاذ شعبه ومواطنيه من مستنقع التخلف والجهل، الهم الأكبر، فيما لا يزال يناضل من أجل ترسيخ مثل هذه الأهداف القومية حتى تاريخ إعداد هذا الكتاب. ويبدو أن الدكتور محاضر وبالرغم من الإنجازات التعليمية الرفيعة التي تحققت خلال فترة حكمه والتي يشهد لها خبراء عالميون إضافة إلى ما يؤكده واقع الحال في المجتمع الماليزي حيث لا تتجاوز فيه نسبة الأمية الآن أكثر من 6% فيما كانت في الماضي تبلغ 36% وتبلغ نسبة التعليم في ماليزيا حالياً 93% حيث تحتضن أكثر من 11 جامعة حكومية و 13 جامعة خاصة و 600 كلية حكومية وخاصة ومعاهد تقنية. ومنذ البداية، لم تكن مهمة محاضر بالأمر السهل، حيث ورث مجتمعاً متعدد الأعراق والثقافات أبرزها المسلمون والصينيون والهنود، فعمل على تحقيق التوازن السكاني والعرقي خاصة في ظل أكثرية من أعراق الملايو دون قوة مؤثرة مما دفع رئيس الوزراء الدكتور محاضر للسعي إلى تعزيز نفوذهم في كافة نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية وانقاذهم من البؤس والفقر والتخلف، وفي الوقت نفسه يعتقد بأن التركيبة العرقية والدينية والتزامها بالإسلام باعتباره الدين الرسمي للدولة تلعب الدور البارز في فهم التصورات والممارسات الماليزية في التعامل مع القضايا القومية المصيرية، بل يرى أن الإسلام هو الهوية القومية والسياسية والاجتماعية والثقافية لشعب الملايو. وخلاصة القول إن الرؤى التي قدمها محاضر من خلال مؤلفاته المختلفة والخاصة بإيجاد الحلول الممكنة والفعالة لمشاكل الشعب الماليزي مقرونة بتطبيقاتها على أرض الواقع، منحته الثقة الجماهيرية من كافة الأعراق الماليزية، فيما أضفت على شخصيته تاثيراً سحرياً وإعجاباً لا حدود له، كما منحته مكانة مرموقة بين أفراد شعبه. ومن الأسباب التي ساهمت في ترسيخ ثقة واحترام الجماهير للدكتور محاضر محمد، انجازاته التي تشهد لها الحياة اليومية في ماليزيا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الارتقاء بأبجديات الحياة الاجتماعية وتحقيق النهضة والتنمية الاقتصادية الشاملة للشعب الماليزي، تصحيح المفاهيم الدولية المشوهة التي الصقت بالإسلام والمسلمين، التكامل بين الإسلام والحداثة مع الالتزام بمتطلبات نظرية الفصل بين الدين والدولة، وتطبيق نظرية العدالة الاجتماعية والتعايش السلمي نظرياً وعملياً ودستورياً بين أفراد الشعب الماليزي من الملايويين والصينيين والهنود‏. ومن الدلائل التي ساهمت في تعزيز ثقة الموطن الماليزي في قيادته، استمرارية التطور والنمو خاصة في قطاع الخدمات الاقتصادية حيث حققت ماليزيا حتى يوليو من 2003 نمواً بنسبة 4.5 % فيما يتوقع نمو الإنتاجية الماليزية بنسبة 2.2% لعام 2003، وفي الوقت نفسه بلغت المرتبة السياحية لماليزيا الثالثة في آسيا حيث ساهم قطاع السياحة بمبلغ 25 مليار رينجكت في الدخل القومي الماليزي خلال عام 2002، وبلغ عدد زوارها 13 مليوناً ومئة ألف سائح من أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. من جهة أخرى حققت بتروناس الماليزية للنفط أعلى عائدات في تاريخها بلغت 21 مليارا و428 مليون دولار مقارنة مع 17 مليارا و678 مليون دولار كانت قد حققتها الشركة العام السابق مسجلة بذلك ارتفاعاً بلغت نسبته 21.2%.. كل ذلك غيض من فيض الإنجازات التي لا يتسع المكان لتعدادها في كافة المجالات السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية. الفصل الثاني اليابان.. الاتجاه شرقاً لم تأت تجربة ماليزيا الحضارية والتكنولوجية والاقتصادية من فراغ بقدر ما هي نتاج جهد ودأب القيادة الماليزية وعلى رأسها الدكتور محاضر محمد، فعلى سبيل المثال لم تدع قيادته التجربة اليابانية على اختلاف مراحلها دون أن تستفيد منها على أكمل وجه وبأدق التفاصيل وفي الوقت نفسه تجنب الوقوع في الأخطاء التي رافقت النهضة الصناعية والتجارية لليابان. إلا أن هذا لا يعني أن ماليزيا اتجهت شرقاً دون البحث عما هو مفيد ومناسب للظروف التي تعيشها ونهضتها الصناعية والتكنولوجية. ومن الأسباب التي دفعت ماليزيا لاختيار الشرق باتجاه "اليابان وكوريا الجنوبية" كمحطة استراتيجية في خططها التنموية ابتداء من عام 1981 حتى 1991، هو خلق جيل جديد من الشعب الماليزي قادر على مواكبة التطورات الصناعية الحديثة من خلال الالتزام بالأخلاقيات المهنية لقيمة العمل واتباع السياسة المنهجية في التصنيع وإيجاد كفاءات اقتصادية متطورة متميزة وفي الوقت نفسه وضع سياسات مالية ونقدية واقتصادية تراعي خصوصية الظروف الماليزية في كافة المجالات. كل ذلك أمكن تحقيقه من خلال اعتبار اليابان بمثابة "الأب الروحي" لدول جنوب شرق آسيا والمدافع القوى عن حقوقها في مواجهة المواقف الغربية والأمريكية. وبالرغم من الفشل والإنهيار الذين أصابا الحياة الاقتصادية في اليابان خلال حقبة ما يمكن أن نطلق عليها عنق الزجاجة، إلا ان ذلك لم يمنع ماليزيا من التواصل الاقتصادي والتكنولوجي مع اليابان لاعتبارات أهمها أن الأخيرة دولة تعتمد سياسة العمل وفق نظام المؤسسات، مما يؤهلها لتكون المرجعية والمحطة الأساسية. ولا تزال ماليزيا وغيرها من دول المنطقة تثّمن الدور الياباني في دعم سياستها التنموية خاصة عندما قامت طوكيو ببيع عدد كبير من سندات الخزانة الأمريكية المملوكة لها مما ساهم في استقرار قيمة العملات الآسيوية في الوقت الذي تدهور فيه سعر الدولار الأمريكي. وانقسمت الأهداف التي خطط لها محاضر من وراء سياسة الاتجاه شرقاً إلى قسمين، الأول معنوي والثاني مادي، حيث انحصر الأول في الالتزام الأخلاقي والمهني بقيم العمل الآسيوية مما يستتبعه التفاني والجدية في الأداء المهني وتحقيق التربية النفسية في التعامل مع الجماعة واحترام آراء الغير مع الاحتفاظ بالشخصية المهنية المستقلة. أما الهدف الثاني فيتلخص في تحقيق الطفرة التصنيعية والتكنولوجية مع دخول عام 2020 بحيث تصبح ماليزيا ضمن الدول الصناعية الرائدة في شتى المجالات. ومن دلالات الاهتمام الماليزي باليابان في التخطيط العملي لمستقبل التطورات الاقتصادية والصناعة تحديداً، تأكيدات محاضر محمد على ضرورة ارتباط بلاده بالتوجهات الإقليمية من خلال توحيد جهود دول المنطقة لمواجهة التكتلات الأخرى المنافسة قائلاً:" أمامنا فرصة لبناء عالم تنعم كل دوله بالرخاء وفي ظل هذا العالم المأمول ستظل هناك قوى كبرى، حيث تبرز دول قوية في آسيا وأفريقيا وستوجد دول صغيرة وأخرى فقيرة ولكن مصدر القوة سيعتمد على الاقتصاد وليس على الجانب العسكري حيث ستحتفظ القوى الأمريكية والأوروبية بمكانتها‏،‏ فيما ستبرقوى آسيوية وأخرى في أمريكا اللاتينية وكل هذه القوى ستعمل أولاً كمحرك وقاطرة لنمو بقية أجزاء العالم والاستثمار في الدول الفقيرة وتوفير الأسواق لمنتجات الاقتصادات الصاعدة‏،‏ ومستقبل آسيا يجب أن يحدده الآسيويون‏،‏ فإذا رغبت آسيا في قبول استمرار السيطرة الكية الأوروبية على العالم، فسوف يخلق ذلك أجواء تلحق الضرر بها‏،‏ أما إذا اصرت على ممارسة دور فعال ملموس في الشؤون الدولية لمواجهة وتصحيح أخطاء السياسات المالية والاقتصادية الأوروبية فسيمكن حينئذ إقامة عالم أكثر عدلاً ومساواة يمكن ان يتعايش فيه القوى والضع في سلام ورخاء"‏.‏ ويذهب محاضر إلى أبعد من ذلك في تبرير الاقتداء بالسياسة اليابانية، حتى أنه يرى في فشل ما كان يطلق عليه "اقتصاد الفقاعة" في إشارة إلى الحالة اليابانية عام 1990، تجربة غنية ودورس عملية رائدة يمكن الاستفادة منها في وضع الخطط المستقبلية للاقتصاد الماليزي وتفادي ما يمكن أن يتبدل على أرض الواقع تحسباً من ظروف طارئة قد تحدث في أي وقت من الأوقات، ويدلل على ذلك بقوله":لقد استمررنا في الاتجاه شرقاً حتى خلال حقبة التسعينيات وسألني الكثيرون لماذا استمرار هذا التوجه، وحجتهم في ذلك هي انه إذا كان من الواضح ان اليابان قد فشلت حيث انهار اقتصادها، فلماذا نستمر نحن في التطلع إلى اليابان لرسم طريقنا؟ من المؤكد أن اليابان تعاني من مشاكل خطيرة وربما تكون قد فشلت في العديد من المجالات غير أنه حتى الفشل يمكن أن يوفر لنا بعض الدروس لنتعلم منها". ويمكن لأي متابع لأحاديث رئيس الوزراء الماليزي ملاحظة أن محاضر دائم الامتداح للمنظومة الاقتصادية اليابانية باعتبارها كنزاً لا ينضب، معترفاً بقدرتها على رفد التجربة الماليزية بالعديد من التقنيات والابتكارات التي تساهم بشكل أو بآخر في تقدم ورفاهية المجتمع الماليزي حيث يقول في هذا الإطار:"لا يزال هناك الكثير من الأمور التي يمكن أن نتعلمها من اليابان وأنا أعتقد اعتقاداً جازماً بأن اليابان سوف تستمر كقوة اقتصادية رائدة في آسيا في القرن الحادي والعشرين، فالمهارات الاستثنائية والتقنية المتقدمة والآنضباط والنظام وقيم وأخلاقيات العمل جميعها صفات تستحق ان تحتذى ويستفاد منها ولم تؤثر عليها حالة الركود الاقتصادي الطويلة التي تعاني منها اليابان، إن ماليزيا وبقية دول المنطقة في حاجة إلى احياء الاستثمارية اليابانية وسوف يساعدنا ذلك على توفير فرص عمل جديدة وزيادة مداخيل السكان ووضع الاقتصاد على الطريق الصحيح وبوتيرة أسرع مما كنا سنحققه في غياب الدعم الياباني. وبطبيعة الحال فان ذلك سوف يعيد الحيوية إلى الأسواق الآسيوية ويجعلها أكثر استعداداً لتقبل الصناعة اليابانية بعض الأموال التي ظلت الحكومة اليابانية تضخها في اقتصادها عقب انهيار اقتصاد الفقاعة يمكن ضخها في اقتصاديات شرق آسيا التي تعاني من الصعوبات. لقد ساعد المستثمرون اليابانيون في الماضي على تحقيق الرفاهية والازدهار لآسيا والآن حان الوقت للعمل سوياً مرة أخرى لصالح جميع الشعوب". ولا نبالغ إذا قلنا أن التجربة الصناعية والاقتصادية الماليزية جاءت ثمرة سنوات طويلة من التخطيط والتنفيذ والمتابعة والأهم من ذلك مواجهة التحديات الخارجية، ويؤكد ذلك الدكتور محمد شريف بشير استاذ الاقتصاد بجامعة العلوم الماليزية في مقال له على موقع "اسلام أون لاين" في يوليو 2003 حيث يقول:"لم تكن عملية الاخذ بالتجربة اليابانية تقليداً محضا بل اختياراً وانتقاءً لما يناسب ماليزيا ووضع ذلك في اطاره الصحيح خاصة وان ماليزيا بلد متعدد الأعراق والاديان، وشملت عملية الاستفادة من التجربة اليابانية جوانب نظرية وعملية، وتمثل ذلك في الاستثمار الياباني المباشر حيث تعلمت ماليزيا أفكاراً عملية ووضعتها موضع التنفيذ كسياسات تعبئة المدخرات المحلية والتكوين الرأسمالي لتمويل مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقام اليابانيون بتقديم برامج التدريب المهني ثم برامج التدريب الثقافي التي مولت من جانب مؤسسات يابانية لتشجيع الماليزيين في التعرف على الثقافة اليابانية واتاحة الفرصة للماليزيين لدراسة التجربة اليابانية من جوانبها المخلتفة". وترى القيادة الماليزية أن نجاح سياسة الاتجاه شرقاً لا يقتصر على مجرد الإقتداء بالتجربة اليابانية والكورية الجنوبية عبر استنساخ البرامج والأفكار التي ساهمت في إنجاح هاتين التجربتين، بل يجب الابتكار والإبداع من قبل العناصر والكوادر الماليزية لتنفيذ ما يناسب المجتمع والظروف المحلية بأيدي العمال والفنيين والخبراء الأكفاء في كافة المجالات، بل يذهب محاضر إلى أبعد من ذلك من خلال توسيع الرقعة الجغرافية للاتجاه شرقاً عبر نشرها في كافة دول جنوب شرق آسيا بهدف توحيد البيئة التصنيعية والاستثمارية والتكنولوجية واصباغها كما يقول محاضر بنكهة آسيوية بحتة لها ملامحها وأنماطها الخاصة، ويرى في ذلك أحد العوامل الوحدوية اقتصادياً وتجارياً وثقافياً وسياسياً للمنقطة بأسرها. ويعتقد محاضر أن سياسة الاتجاه شرقاً لا تزال صالحة للاستخدام رغم اطلاقها قبل أكثر من 20 عاماً وأيضاً على الرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجهها اليابان حالياً. ويبرر تلك السياسة القوة الاقتصادية الأساسية التي يعتمد عليها الاقتصاد الياباني حيث يتجاوز إجمالي الناتج المحلي الياباني عدة مرات إجمالي الناتج المحلي لدول شرق آسيا مجتمعة بما فيها الصين‏، معترفاً بقوة وريادة الاقتصاد الماليزي رغم العقبات التي واجهته خلال السنوات الماضية وقال انها أي اليابان ستظل الرائد والقائد الأساسي للقارة الآسيوية خلال الرن الحالي، وذلك لأسباب أهمها التطور الصناعي والتقني وطبيعة العلاقة بين العنصرين البشري والإمكانيات المادية وسيادة ظاهرة إحترام القيم الأخلاقية للعمل لدى المواطن الياباني. وتتمحور فلسفة محاضر في الاتجاه شرقاً حول السلوكيات المهنية والإخلاص في العمل والآنتماء واحترام القيم الأخلاقية للعمل مما يستتبع بالتالى تنامي المسؤولية المهنية التي تخلق الإبداع والاستمرار في العطاء والسير في الاتجاه الصحيح، فاليابانيون عند محاضر شعب يحرص على تبني وحماية قيم العمل بصورها المختلفة. وخلاصة القول إن ماليزيا أصبحت قاعدة صناعية أساسية للمنتجات اليابانية التي أغرقت الأسواق ونافست الصناعات الأوروبية باهظة التكاليف، فكانت المصالح مشتركة بين ماليزيا واليابان التي وجدت في الأولى فرصة لاستغلال الأيدي العاملة الرخيصة فيما كانت تهدف ماليزيا للحصول على موطئ قدم في تحقيق نقلة صناعية على المدى الطويل، وفعلاً كان ذلك بفضل سياسة محاضر الذي استطاع أن يقدم نهضة تنموية متميزة اعتمدت الخلط بين التطورات العصرية والقيم الإسلامية الشاملة مع رفض تطبيق المفاهيم التنموية الغربية التي تتماشى وخصوصية الظروف الاقتصادية والاجتماعية والدينية لماليزيا، مع الإيمان بضرورة استنساخ ما يمكن ان يحقق للمجتمع الماليزي التنمية الحقيقية الفعالة، فكانت سياسته الاتجاه شرقاً إلى اليابان. لذلك نجد محاضر دائم التأكيد على الدور المهم الذي تلعبه اليابان في كافة الأزمان ومع جميع التيارات والأجناس حتى في هذه اللحظات التي تجاوزت فيها ماليزيا مراحل التنمة الأساسية قائلا في ندوة عن الإسلام في الامم المتحدة رداً له على أحد الأسئلة:"اعتقد أن اليابان يمكنها أن تلعب دوراً كبيراً ومتوازناً، فهي ليست على خلاف مع العرب وليست على خلاف مع اليهود وليست على خلاف مع أية جهة" . الفصل الثالث ماليزيا والوحدة الشاملة يمكن البدء بالحديث حول تجربة الوحدة الماليزية من حيث أعلان الدكتور محاضر محمد انتهاء مهامه الرسمية بعد 22 عاماً من الحكم، مؤكداً بأن خليفته داتو عبدالله بدوي سيواصل جهوده الهادفة إلى تعزيز الوحدة بين كافة فئات الشعب الماليزي على اختلاف أعراقهم الدينية والطائفية. وفي هذا الإطار، يمكن القول إنه لا يختلف اثنان على أن الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر هو "أب الوحدة العربية" فيما لا نبالغ في القول إن الدكتور محاضرمحمد هو "أب الوحدة الماليزية". ولم يأت هذا التوصيف من فراغ، بل جاء لأسباب موضوعية وممارسات واقعية اثبتت للقاصي والداني، الرغبة الحقيقية لدى الدكتور محاضر في رؤية ماليزيا موحدة وقوية في كافة المجالات، ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف، بذل الغالى والرخيص وواجه الانتقادات اللاذعة تارة والاتهامات بالديكتاتورية و"الفرعنة" تارة أخرى، إلا أن إصراره وإرادته وعزيمته القوبة في تحدي الصعاب كانت أقوى من كل تلك التيارات التي ربما كانت تؤمن بأن محاضر ليس سوى أحد الرموز الوطنية التي ساهمت بدور كبير في التنمية خلال حقبة معينة من تاريخ ماليزيا القديم والحديث. وقد تمثلت الخطوات الأولى للوحدة الماليزية التي جاء بها الدكتور محاضر، في انتزاع السلطات "البابوية" من سلاطين الولايات المختلفة التي كانت سائدة خلال السنوات الأولى لما بعد الاستقلال، وذلك عبر إجراء تعديلات دستورية جعلت من هؤلاء السلاطين مجرد رموز وطنية بحيث لم يعد من حق السلطان حل البرلمان وتعيين رؤساء الأقاليم، وفي الوقت نفسه احتفاظهم بحقوقهم ومخصصاتهم المالية. وفي هذا الإطار يقول محاضر:"عندما أسترجع اليوم قصة تطور ماليزيا، فإنني أرى أن عام 1969 كان حقيقة عاماً حاسماً ونقطة تحول في تاريخنا القصير كدولة مستقلة. وكانت حوادث الشغب العرقية التي حدثت في كوالالمبور في 13 مايو عام 1969 قد زلزلت القيادة السياسية كما أنها من ناحية البعد الشخصي أدت إلى طردي من الحزب الحاكم - أومنو - ". ويولي محاضر أولوية كبيرة للوحدة الداخلية في كافة القطاعات عبر السهر على حل المشاكل الداخلية والتنمية الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية والحضارية بما يساهم في رفاهية الشعب الماليزي بحيث يكونون مشاركين لا مستخدمين في المجتمع. واستناداً إلى فلسفته الوحدوية، نجده يرى أنها تتطلب تحقيق الانسجام والوحدة الوطنية بين الأعراق والطوائف المتعددة. ولتأكيد ذلك تمكن الدكتور محاضر من تبديد مخاوف الأعراق المختلفة المتمثلة في تهميش دورهم الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع الماليزي، وأعلن تبنيه لسياسة التنمية الإسلامية العصرية حيث اضفي الطابع الإسلامي عليها بحيث تسير جنباً إلى جنب مع الأسس التقليدية الاقتصادية والمصرفية الحديثة، وأنشأ البنوك وشركات التأمين الإسلامية عام 1983، بل امتدت تلك السياسة إلى قطاعات التعليم والإعلام وغيرها. وفي هذا الصدد قال محاضر في ندوة عقدت بكولالمبور في 23 يونيو 2001:" أتمنى أن تظل ماليزيا مستقرة وأن تنمو بقوة، أعتقد إنني ارتكبت بعض الأخطاء، ولكن لا يمكن أن أشعر بالندم على القرارات التي اتخذتها بالرغم من انها لم تحظ بالمساندة وأعتقد إنني فعلت هذه الأمور لصالح البلاد وليس لصالحي، لأنني سأرحل على أية حال، إذ لا يمكنني أن أبقى إلى الأبد". ولتأكيد مصداقيته في إحداث التغييرات باتجاه ما يمكن تسميته "أسلمة التنمية"، أمر الدكتور محاضر بتعديل نصوص قانون العقوبات بما يتماشى والقواعد الشرعية الإسلامية مما أدى على مدى السنوات الماضية إلى اعتبار الثقافة والعلوم الإسلامية إجبارية التدريس في المؤسسات التعليمية. ولاحظ المتابعون للأحداث السياسية في ماليزيا أن الدكتور محاضر ركز منذ توليه السلطة على تكثيف البرامج ذات الصبغة الإسلامية في كافة قطاعات الخدمات بما يحقق الهدف الأسمى الذي يراه وهو تأسيس دولة إسلامية حديثة وموحدة تواكب التطورات والتكنولوجيا والعلوم العصرية، إلا أنه في الوقت نفسه لا يتجاهل المفاهيم الجديدة للمجتمع الرأسمالي المتطور. وقد كان للخطة "العشرينية 1971 حتى 1990" التي سميت بـ "السياسة الاقتصادية الجديدة"، الدور البارز في تزايد ثقة الشعب الماليزي بقيادته والشعور بتنامي مشاعر الوحدة الحقيقية بين كافة فئات الشعب وخاصة بعد النتائج التي خلفتها الصدامات العنيفة عام 1969 التي اجتاحت ماليزيا وخلفت مئات الضحايا احتجاجاً على ما اُطلق عليه الحقوق الضائعة للمسلمين من الملايويين وسوء أحوالهم الاقتصادية، والتي كادت تطيح بالآمال العريضة لماليزيا الموحدة التي كانت تستحوذ على اهتمام القيادات الحكومية على اختلاف توجهاتها واقطابها. وأشارت الأرقام إلى نجاح تلك السياسة حيث ارتفع نصيب شعب الملايو من الناتج القومي من 24% عام 1970 إلى 30% عام 1990، إضافة إلى الارتقاء بالطبقات المتعلمة من مهندسين وأطباء ومحاسبين من نسبة 5% عام 1970 إلى 29% عام 1990. وعلى أثر هذا النجاح الباهر، تبنى الدكتور محاضر محمد خطة جديدة رأي فيها تماشياً مع الظروف والمستجدات التي شهدتها ماليزيا بعد تطبيق البرنامج الأول، وتتمثل تلك الخطة في زيادة عدد الموظفين العاملين في المؤسسات الحكومة من الملاويين ليحصلوا على نسبه تصل إلى 56%. وبالرغم من الإنجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حققتها سياسة محاضر على أرض الواقع في ماليزيا، إلا أنه يعترف باخفاقه في تحقيق ما سعى إليه طوال مسيرته السياسية، بشأن النهوض بالعرق الملايوي وخاصة الرغبة في تغيير بعض المفاهيم الاجتماعية والفكرية والثقافية لديهم، وتأسيس كوادر عملية قادرة على تحمل المسؤولية بطريقة أفضل، جاعلاً العرق الصيني المثل الأعلى في هذا المجال حيث كان دائم الاعلان عن أمنيته حتى اللحظات الأخيرة قبل مغادرته سدة رئاسة الوزراء يقول:"أمنيتي أن يتغير أبناء الملايو وأن يصبحوا مثل رفاقهم من ذوي الأصول الصينية" وأكد ذلك ذات مرة في حديث خاص لصحيفة " نيو صنداي تايمز" الماليزية في الذكرى العشرين لتوليه السلطة:"من حيث تطور الثقافة ومن حيث المرونة والمثابرة بين الملايو أعتقد انني لم أحقق الكثير". وأثار حفيظة الكثيرين من أبناء جلدته حينما عقد مقارنة بين شعب الملايو والماليزيين من الأعراق الصينية الذين وصفهم بالمجتهدين والمثابرين في حياتهم متسائلاً: لماذا لا يكون شعب الملايو مثل هؤلاء الصينيين". واعتذر الدكتور محاضر خلال خطاب ألقاه في 20 يونيو 2002 عن عدم استطاعته تحقيق الأمنيات التي رسمها وخطط لها طوال 22 عاماً من توليه زمام السلطة وأرجع ذلك إلى العقبات التي واجهته لتوفير الأمن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والتعليمي لشعب الملايو الأصليين، إلا انه كان دائم الإنتقاد للمالاي ووصفهم بالكسالى الباحثين عن الراحة المؤقتة وقال:"إنهم أضاعوا فرصاً منحتها لهم سياسات للتحرك الإيجابي على مدى 33 عاماً"، ولا يتوانى محاضر عن معاتبة ولوم شعبه من الملايو بين الفينة والأخرى قائلاُ:"ماذا يريد الماليزيون أكثر من رفاه اقتصادي واستقرار اجتماعي عام ينعم به الجميع... وإلا يكون الآنهيار والتجزئة مصيرهم ومصير بلادهم". ولم يخف الدكتور محاضر محمد الحقيقة التي تشير إلى أن المصابين بمرض الإيدز والمتورطين في قضايا المخدرات والاغتصاب والقتل وغيرها من الجرائم، هم من أعراق الملايو، مبدياً دهشته واستغرابه من الأسباب الكامنة وراء ذلك مثيراً تساؤلاً يتمثل في أنه لماذا تقتصر مثل تلك الأفعال الشائنة على الملايو دون غيرهم من الصينين والهنود. إلا أن الحرص الزائد من الدكتور محاضر على الاهتمام والتركيز على أعراق الملايو دون غيرهم أثار حفيظة الصينيين والهنود مما شكل في وقت من الأوقات تهديداً حقيقياً للوحدة والمصالح القومية لماليزيا. وقد دفعه هذا الاهتمام إلى السعي الدائم لتوفير الأمن والأمان السياسي والاقتصادي والاجتماعي لكافة فئات الشعب، في الوقت الذي يواجه فيه حملات متواصلة من الداخل والخارج تصفه بمحاولة الهيمنة عبر التمسك برأيه دون الاعتبار لما تراه المجموعة من حوله سواء من الأحزاب أو أعضاء الحكومة، وكلها تصفه بمحاولة فرض رأيه على الآخرين دون الاكتراث وإبداء الاهتمام بما يراه الآخرون في كافة قطاعات الدولة. كل تلك المواقف دفعته للدفاع عن نفسه عندما تشتد تلك الاتهامات فيما يتهم الصحافة دائما بأنها وراء مثل تلك الهجمات قائلاً بأنها أي الصحافة هي التي رسخت مثل هذه الصورة في أذهان الناس وتسعى دائماً لإظهاره بمظهر الديكتاتور، ورغم ذلك فهو دائم الحرص على مظاهر الوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية في كافة المناسبات والظروف حماية للحقوق التاريخية والمكتساب القومية والسياسية والاقتصادية للشعب الماليزي الذي سيكون في نهاية المطاف هو المتضرر أو الرابح من كل تلك الصراعات والخلافات الداخلية. بل يعتقد محاضر بأن الكيفية التي تم التعامل بها مع قضية أنور ابراهيم نائب رئيس الوزراء السابق والمعتقل داخل السجن دليل واضح على اهتمامه بمصلحة الوطن وحمايته من التفكك والانهيار بعد سنوات طويلة من النضال والكفاح على كافة المستويات. ويذهب محاضر إلى أبعد من ذلك، ويؤكد بأنه لا يتدخل في عمل الأجهزة الأمنية والقضائية والشرطية حيث لا يخطط أو يهدف لتهميش خصومه السياسيين ووضعهم خلف الجدران المغلقة وعزلهم عن العالم معتقداً بأن ما حدث لنائبه السابق أنور ابراهيم مجرد إشاعات المقصود منها النيل منه وإنجازاته التي يشهد الجميع داخل وخارج ماليزيا، وقال:"لا صحة لما اُشيع من أن أنور ابراهيم أصبح يتمتع بنفوذ كبير ولهذا سعى للتخلص منه، بل إن أنور اتهم بجريمة أخلاقية وصدر ضده حكم بالسجن بناء على ذلك بعد أن تم توفير كل الضمانات القانونية له ودافع عنه أفضل واشهر المحامين في البلاد في محاكمة استمرت تسعة اشهر"، وأعلن أمام جمهور زاد على الألفين من اتباع الحزب أن:"العداء الموجه لمنظمة الملايو الوطنية من بعض أفراد شعب الملايو هو نتيجة تاثير حزب الإسلام الذي يخلق كراهية شديدة، وأن حزب الإسلام المعارض يكفر أعضاء منظمة الملايو ويقول إن زعماءها جبابرة وقوادون ويستغلون الدين لتحقيق أغراضهم". ويرى محاضر في رده على الاتهامات التي تنهال عليه ليلاً ونهاراً بشأن الديمقراطية والحريات وحرية الصحافة والتعبير، أن واقع المجتمع الماليزي وتركيبته العرقية والثقافية المعقدة والظروف والأزمات السياسية والاقتصادية التي عاشتها بلاده تفرض عليه من أجل حماية مكتسبات الشعب والأمة ضرورة الضرب بيد من حديد على كل من يحاول المساس بتلك الإنجازات والثروات والتي من أبرزها أن الماليزيين يفتخرون بتعدد دياناتهم وثقافاتهم وأعراقهم، فحرية الدين مكفولة للجميع حوالي 60% يدينون بالإسلام وهو الدين الرسمي و30% يدينون بالمسيحية والبوذية والهندوسية والكنفوشية وغيرها من ديانات الشرق القديمة و57% من تعداد سكان ماليزيا البالغ 24.4 مليون نسمة من الملايو والنسبة الباقية من أندونيسيا وتتوزع على الصينيين والهنود والعرب. الفصل الرابع الخصخصة تعزيز للتنمية يقصد بالخصخصة في المفهوم الاقتصادي الآنتقال الكامل أو الجزئي للملكية العامة أو خدماتها وتفويض مؤسسات القطاع لتولي إدارتها وتصريف شؤونها بطرق مختلفة أبرزها البيع الكامل والتام للأصول الحكومية إلى جهات خاصة تصبح المالكة لتلك الأصول، أما الأسلوب الآخر للخصخصة فيتمثل في توكيل مؤسسات خاصة للقيام بأداء خدمات حكومية للجمهور. وعلى صعيد الأوضاع في ماليزيا، فقد حققت برامج التنمية التي قادتها حكومة محاضر محمد نقلة نوعية ما جعل منها تجربة ناجحة تضاف إلى إنجازات هذا القائد المتعددة في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وقد كان لذلك أكبر الأثر في تشجيع عمليات الخصخصة التي خطت خطوات رائدة على الرغم من عمرها الزمني القصير قياساً بدول العالم الأخرى وخاصة شرق القارة الآسيوية وذلك في عام 1982 بحيث طالت العديد من القطاعات الخدمية الرئيسية في ماليزيا مثل الخطوط الجوية الماليزية ومجمع "كلانج" لحاويات السفن. وقد اختارت ماليزيا سياسة فعالة وعملية لتحقيق مهمة الخصخصة مثل �
المصدر: تجميع رئيس مجلس الإدارة
  • Currently 105/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
35 تصويتات / 519 مشاهدة
نشرت فى 26 فبراير 2010 بواسطة ALRAEDASSOCIATIUN

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

11,341