دهاء إمرأة  لم يري أحد مثله


دخل ابن أبي ليلى على أبي جعفر المنصور، وكان ابن أبي ليلى قاضياً فقال أبو جعفر: إن القاضي يرد عليه من ظرائف الناس ونوادرهم أمور، فإن كان ورد عليك شيء فحدثنيه، فقد طال علي يومي .

قال: والله يا أمير المؤمنين، قد ورد علي منذ ثلاثة أيام أمر ما ورد علي مثله. أتتني عجوز تكاد تنال الأرض بوجهها أو تسقط من انحنائها فقالت: أنا بالله وبالقاضي أن يأخذ لي بحقي وأن يعينني على خصمي.

قلت: ومن خصمك؟

قالت: إبنة أخ لي.

فدعوت بها فجاءت امرأة ضخمة ممتلئة شحماً فجلست منبهرة. فذهبت العجوز تتظلم

فقالت الشابة: أصلح الله القاضي، مرها فلتسكت حتى أتكلم بحجتي وحجتها فإن لحنت بشيء فلترد علي، فإن أذنت لي أسفرت.

فقالت العجوز: إن أسفرت قضيت لها

فقلت لها: أسفري، فأسفرت عن وجه والله ما ظننت أنه يكون مثله إلا في الجنة.

فقالت: أصلح الله القاضي، هذه عمتي مات والدي وتركني يتيمة في حجرها فربتني فأحسنت التربية، حتى إذا بلغت مبلغ النساء قالت لي: ياإبنة أخي، هل لك في التزويج؟

قلت: ما أكره ذلك يا عمة.

قالت العجوز: نعم.

قالت: فخطبني وجوه أهل الكوفة فلم ترض إلا رجلاً صيرفياً، فتزوجني، فكنا كأننا ريحانتان ما أظن أن الله خلق غيره يغدو إلى سوقه ويروح علي بما رزقه الله تعالى.

فلما رأت العمة موقعه مني وموقعي منه حسدتنا على ذلك، وكانت لها ابنةً فشوفتها وهيأتها لدخول زوجي، فوقعت عينه عليها، فقال: يا عمة هل لك أن تزوجيني ابنتك؟

قالت: نعم بشرط.

فقال لها: وما الشرط.؟

قالت: تصير أمر ابنة أخي إلي.

قال: قد صيرت أمرها إليك.

قالت: فإن قد طلقتها ثلاثاً بتةً  وزوجت ابنتها زوجي، فكان يغدو عليها ويروح،

فقلت لها : يا عمتي أتأذنين لي أن أنتقل عنك؟

قالت: نعم.

فانتقلت عنها وكان لعمتي زوج غائب فقدم فلما توسط منزلها قال: ما لي لا أرى ربيبتنا؟

قالت: طلقها زوجها فانتقلت عنا

فقال: إن لها من الحق علينا أن نعزيها بمصيبتها.

فلما بلغني مجيئه إلي تهيأت له وتشوفت.

فلما دخل علي عزاني بمصيبتي، ثم قال: إن فيك بقيةً من الشباب؛ فهل لك أن أتزوج بك؟

قلت: ما أكره ذلك ولكن على شرط.

قال لي: وما الشرط؟

قلت: تصير أمر عمتي بيدي.

قال: فإني قد فعلت وصيرت أمرها بيدك.

قلت: فإني قد طلقتها ثلاثاً بتة.

قالت: فقدم علي بثقله من الغد ومعه ستة آلاف درهم فأقام عندي ما أقام، ثم إنه اعتل وتوفي فلما انقضت عدتي جاء زوجي الأول الصيرفي يعزيني بمصيبتي فلما بلغني مجيئه تهيأت وتشوفت له، فلما دخل علي قال لي: يا فلانة إنك تعلمين أنك كنت أعز الناس علي وأحبهم إلي، وقد حلت المراجعة، فهل لك في ذلك؟

قلت: ما أكره ذلك، ولكن اجعل أمر ابنة عمتي بيدي.

قال: فإني قد فعلت.

قلت: فإني قد طلقتها ثلاثاً بتةً، أصلح الله القاضي، فرجعت إلى زوجي فما اعتدائي عليها.

فقالت العجوز: أنا فعلت مرة، وفعلت مرة بعد أخرى.

فقلت: إن الله لم يوقت في هذا وقتاً، وقد قال تعالى " ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله " . فواحدة بواحدة والبادي أظلم.

فقال القاضي: إن زوج العمة لم يكن له أن يتزوج ابنة أخيها والعمة في عدتها؛

فأرادت العجوز أن تتولى التفريق بينه وبينها استيفاء لها ومجازاة لها على فعلها

فقلت لها: قد فرقت بينكما، قومي إلى منزلك، انتهى

  • Currently 147/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
48 تصويتات / 506 مشاهدة
نشرت فى 20 إبريل 2010 بواسطة ALDEWAN-DTC

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

4,255,185