سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله

 

ورد في الحديث الشريفالذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه))   [البخاري]
أولئك السبعة هم: أصناف سبعة وليسوا أشخاصاً معدودين بل قد يكونون
بالملايين وأكثر وقد يكون الشخص جامعاً خصلتين أو ثلاثاً أو أكثرفقد تجتمع معظم الخصال في بعض المسلمين لإمكان ذلك وقد تجتمع لبعض الولاة تلك الخصال كلها وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء

أولاً: الإمام العادل:

وهو كل من تولى شأناً من شؤون المسلمين أو ولي أمراً من أمورهم سواء كانت الولاية خاصة ببلد معين أو عامة لبلدان متعددة وهو الذي يحكم بالحق ولا يظلم أحداً لأحدولو كان من أعز الخلق عليه وأحبهم إليه
يرى القوي ضعيفاً حتى يأخذ منه الحق لغيره والضعيف قوياً حتى يأخذ حقه من ظالمه كائناً من كان لا يفرق بين قريب وبعيد وسيد ومسود في معاملتهم بالحسنى والرفق بهم والإحسان إليهم ورعية الإمام العادل كأولاده فيما لهم من العطف والحنان والتربية الصالحة
فيعلم جاهلهم
ويواسي فقيرهم
ويربي صغيرهم
ويعالج مريضهم
ويكرم حاضرهم
ويحفظ غائبهم في أهله وماله

ثانياً: الشاب المسلم القوي الماسك لأمر نفسه إذا نشأ في عبادة ربه
العبادة بمعناها الصحيح المعروف في الإسلام إذا استعمل جسمه وروحه ووقته وماله وما أنعم الله به عليه في مرضاة ربه وخالقهفقد استحق من الله خير الجزاء وكان محبوباً في أهله وقومه وموطنه لأنه يريد الخير ويفعله ويدعو إليه ويرغّب فيه ويثني على فاعله

وهنيئاً له إذا اغتنم شبابه قبل هرمه وصحته قبل سقمه وغناه قبل فقره وفراغه قبل شغله وحياته قبل موته<!-- / message -->

الصنف الثالث : هو الرجل المعلق قلبه بالمساجد بكثرة التردد إليها لتأدية الصلاة المفروضة فيها
فما إن تنتهي صلاة فرض وإلا قلبه معلق بتأدية الصلاة التي تليها لأنه يجد السعادة والأنس والراحة والاطمئنان والاستمتاع بأداء الصلاة في جماعة في بيوت الله حيث ينادى بها ويجد المتعة في الجلوس بالمساجد لانتظارالصلوات ولذكر الله والاعتكاف وتلاوة القرآن الكريم وهذا هو دأبه في كل وقت من الأوقات في رمضان الكريم وفي غيره
أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الذين قلوبهم معلقة بالمساجد ومن المتلذذين بعبادة ربهم ومن المسبحين لله تعالى الخائفين الوجلين منه المتقين له عز وجل

الصنف الرابع وهما: رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه
إن الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان وبه تقع الألفة ويحصل الاجتماع المأمور به في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمن يحب أخاه المؤمن القريب والبعيد لا فرق بين أخيه المؤمن الذي من صلب أبيه ولا بين أخيه المؤمن من أنحاء الأرض الذي لا تربطه به إلا أواصر الدين وأخوة الإيمان فيسرّ له في النعماء ويحزن عليه في البأساء ويتولاه لإيمانه من دون آبائه وإخوانه وسائر أقربائه ويؤثره على نفسه ويحب له من الخير ما يحب لنفسه وما ذلك إلا للمحبة الصادقة في ذات الله تبارك وتعالى

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن من عباد الله أناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها ،فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور، ولا يخافون إذا خاف الناس))
وقرأ هذه الآية: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
[يونس:62]
والمتحابون في الله على منابر من نور لأنهم يجتمعون في الدنيا على الأمر الذي يحبه الله ويرضاه فتنزل عليهم السكينة وتغشاهم الرحمة وتحفهم الملائكة ويذكرهم الله فيمن عنده

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء))
اللهم اجعلنا من المتحابين فيك  واجعل محبتنا جميعها لك وفيك برحمتك يا أرحم الراحمين

الصنف الخامس: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين
هذا الصنف من المؤمنين يظهر أسمى ما تتصوره البشرية من طهارة وسمو
طهارة الوجدان وصفاء الإيمان  الذي يعصم صاحبه من الانزلاق في مزالق الرذيلة بإذن الله وتوفيقه ولا يكون المؤمن صادقاً في إيمانه ثابت العقيدة عالماً بأن الله معه حيث كان حتى يكون خائفاً وجلاً منه سراً وعلناً ظاهراً وباطناً وحتى يعبده في نفسه وما يضمره في سره وخلوته كما يعبده أمام الملأ وحيث يراه الناس فيترك الحرام وهو قادر عليه ومشتاق إليه وقد تهيأت له أسباب المعصية ونفسه تواقة وجسمه صحيح معافى وجيبه مملوء بالنقود ولا أحد يراه ويرقبه إلا الله تبارك وتعالى الذي لا تخفى عليه خافية
فإذا به وحالته هذه تتعرض له المرأة ذات المنصب الرفيع والبيت الواسع والوجه الجميل والثوب الأنيق تدعوه إلى نفسها وتهمّ به ويهمّ بها ثم تحلّق نفسه ويتذكر ربه ويخشاه ويخاف من أليم عقابه ترتفع نفسه عن الشهوة التي ترديه في أسفل سافلين يرتفع عن ذلك كله خوفاً من الله رب العالمين
يترك ذلك ويقول كما قال يوسف عليه السلام:
وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مّنَ الْجَاهِلِينَ  [يوسف:33] 

الصنف السادس : ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه،
لقد جعل الله في المال حقاً معلوماً للسائل والمحروم ورغب في الصدقة وحث عليها وأمر بها  وإن إنفاق المال في سبيل الله والتصدق به لهو من أفضل ما يتقرب به العبد المؤمن إلى ربه تبارك وتعالى سراً كان ذلك أو جهراً

قال الله تعالى:
إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفّرُ عَنكُم مّن سَيّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ  [البقرة:271]
ومعلوم أن إبْدَاءَ الصدقة أمام الآخرين لا بأس به متى حسنت نية المتصدق
إن أراد بفعله ذلك فتح أبواب الخير لإقدام الغير على الإنفاق فمتى كان هذا هدفه وهذه نيته فعليه أن يعلن صدقته ويبديها ليقتدي به الناس ويعملوا مثله

وإن أراد إخفاء عمله والابتعاد عن الرياء والسمعة وعدم المنّ على الفقراء والمساكين فعليه أن يسرّ بصدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمنيه فإن ذلك خير له والرجل المحسن الذي يتصدق بالصدقة خفية عن أعين الناس
ابتغاء مرضاة الله ومن شدة حرصه وخوفه من الرياء والسمعة فهو يخفيها ليس عن أعين الناس فحسب وإنما عن أقرب ما يتصل به ألا وهي شماله لئلا تعلم ما تنفق يمينه

قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعواد منبره يقول: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة فإنها تقيم العوج وتدفع ميتة السوء، وتقع من الجائع موقعها من الشبعان))

وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفية تطفيء غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف))


الصنف السابع : ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه
إن البكاء من خشية الله والخوف من الله جل جلاله من صفات عباد الله المتقين الوجلين الذين رقت قلوبهم واتصلت بخالقها ذي العزة والجبروت
وكل عين باكية يوم القيامة إلا العين التي بكت من خشية الله في الدنيا والعين التي باتت تحرس في سبيل الله
وأصدق البكاء ما كان خفية كما ورد في الحديث: ((ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه))
أي بالدموع حينما ذكر تقصيره في طاعة الله وعفو الله ومغفرته عن زلاته
وارتكابه لشيء مما يغضب الله عليه فإذا عيناه تذرفان بالدموع الحارة

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:  قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:
((اقرأ علي القرآن، قلت: يا رسول الله اقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري)) فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً [النساء:41]. قال: ((حسبك الآن)) فالتفتُّ إليه فإذا عيناه تذرفان

  • Currently 75/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
25 تصويتات / 657 مشاهدة
نشرت فى 3 إبريل 2010 بواسطة ALDEWAN-DTC

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

4,268,162