هنا سوف نتذاكر معنى اللؤم و بعض صفات اللئيم كي نتجنبها ونحذر غيرنا منها ، ولربّ شخص متلبس بصفة منها وهو لا يشعر ، وقد أدلى ولم يزل كثير من العلماء والفضلاء بدلوهم في هذا الباب كما جاء في روضة العقلاء : لزوم الكريم على هوان ، خيرٌ من صحبة اللئيم على الإحسان ، وجاء أيضاً عن أبو عمرو بن العلاء : كن على حذر من الكريم إذا أهنته ، واللئيم إذا أكرمته ، وفي هذا المعنى قال المتنبي بيته الذي سار مسرى الشمس :
إذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكتهُ .. وإنْ أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمردا
وفي البداية لنرى ما هو معنى اللؤم ؟قيل في أقرب معانيه أنه ضد الكرم والنزاهة والشرف والفضل . واللئيم قيل : أنه الدنيء الأصل ، الشحيح النفس ، اللجوج ، السيء الخلق ، وإنما أردنا فيما نحن بصدده معرفة الشر لاتقاءه على حد قول الشاعر :عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه .. ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
وسأورد عشرة من هذه الصفات المذمومة من صفات اللئام ، ولم أقصد حصرها وإنما ذكر أبرزها متبوعة بشاهد مما تسنى لي الوقوف عليه :
1 - كشف الأسرار : قال ذو النون : ومن أفشى السر عند الغضب فهو لئيم .وقيل :لايحفظ السر إلا كل ذي كرمٍ .. والسر عند لئام الناس مبذول.
2 - ملاحظة العيوب والشماتة بالناس : وجاء عند النسائي قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إستعيذوا بالله من جار السوء الذي إن رأى خيراً ستره وإن رأى شراً أظهره ).وقال بن المبارك : المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العثرات وقال ابن الصيفي : لا يفرح بنكبة إنسان إلا مَن لؤُمَ أصله .وقال الشاعر : إذا ما الدهر جرّ على أناسٍ .. كلاكلهُ أناخَ بآخرينافقل للشامتينَ بنا أفيقوا .. سيلقى الشامتون كما لقينا.
3 - المماطله وخُلف الوعد : ورويَ عن الأصمعي : عدة الكريم نقد وتعجيل ، وعدة اللئيم مُطلٌ وتسويف .وقيل في خلف الوعد : إنّ الوفاء على الكريم فريضة .. واللؤم مقرون بذي الإخلافِ
وهو من صفات المنافق كما ورد ذلك في الحديث : ( إذا وعد أخلف .... ) .
4 - الحسد : قال بن تيمية : إنّ الحسد مرض من أمراض النفوس وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا القليل من الناس ولهذا يقال : ماخلا جسد من حسد ، لكن اللئيم يبديه والكريم يُخفيه . وقال بن سيرين : الحسد من أخلاق اللئام وتركه من أفعال الكرام .وقال الشافعي : الحسد إنما يكون من لؤم العنصر .
5 - بذاءة اللسان والسب : جاء في السلسلة الصحيحة قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذئ )وقال محمد الباقر : سلاح اللئام قبح الكلام .
6 - جحد المعروف : صنف أبو موسى المديني كتاباً أسماه : ( تضييع العمر في اصطناع المعروف إلى اللئام ) !وقال بن القيم في عدة الصابرين : والكريم لا يقابل بالإساءة من أحسن إليه ، وإنما يفعل هذا لئام الناس . وجاء في حلية الأولياء عن سفيان : وجدنا أصل كل عداوة اصطناع المعروف إلى اللئام .
قال الشاعر :متى تضع الكرامة في لئيمٍ .. فإنك قد أسأت إلى الكرامة
ومن الأمثال السائرة : استوحش من جوع الكريم ، ومن شبع اللئيم .
7 - التسلط على الضعيف : ومما قال ذو النون : التسلط على الضعيف لؤم ، والتوثب على القوي شؤم .وقيل لكسرى : ما اللؤم ؟ قال : الاستقصاء على الضعيف والتجاوز عن الشديد .
8 - عدم المسامحة وقبول العذر : جاء في الأمثال : أذل الناس معتذر الى لئيم !وقال الشافعي : من استرضي فلم يرضَ فهو لئيم . وقال الوراق : اللئيم لا يوفق للعفو من ضيق صدره .
9 - قلة المروءة و التطفل : قال عمر بن الخطاب : ما وجدت لئيماً قط إلا قليل المروءة .وذكر الجاحظ : من اللؤم التطفل ، وهو التعرض للطعام من غير أن يدعى إليه .
10 - البخل والمنّ بالعطية : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وإنما يستخرج بالنذر من البخيل ) رواه مسلموفي رواية ابن ماجه ( من اللئيم ). وذكر بن قتيبة في أدب الكاتب : يُقال كل لئيم بخيل ، وليس كل بخيل لئيم !وجاء في غابر الحكم : استقلل كثير ما تعطي واستكثر قليل ما تأخذ .
وقال الشاعر :أفسدتَّ بالمَنّ ما أسديتَ من حسنٍ .. ليس الكريم إذا أسدى بمنانِ
فمن كانت تتخلله بعض تلك الصفات فاليحاول جهده تغييرها ، فإن الطبع مع بذل الأسباب يتغير وهذا أمر مشاهد ومختبر ،
ومن هذه الأسباب : - الدعاء-عدم مخالطة أهل هذه الصفات- مجالسة أصحاب الأخلاق الفاضلة - مجاهدة النفس وإرغامها على الفضائل دون ملل فبالتدرج تصل لمنازل الفضائل ومعاليهاقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( العلم بالتعلم ، والحلم بالتحلم ، ومن يتحرَّ الخير يُعطه ، ومن يتوقَّ الشر يوقه ) السلسلة الصحيحة .
ساحة النقاش