جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
و مرة أخرى ( شكراً لمصر )
منذ ستة أشهر كنت قد كتبت مقالة بعنوان شكراً مصر , وذلك يعد إتمام طقوس توقيع وثيقة المصالحة الفلسطينية بين كلٍ من فتح و حماس , ذاك التوقيع الذي أدخل البهجة و السرور في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده , اليوم تعود مصر من جديد و تمنحنا هذا الشعور مرة أخرى لتزدان غزة و تشاركها الضفة بألواح الفرحة و البهجة مرة أخرى . لقد أثبتت مصر انها رغم جراحها و آلامها تبقى... رافعة للهم الفلسطيني و حاملة له و لم تنس يوماً فلسطين و أهلها , و كبف لا و قد امتزج التراب الفلسطيني بالدماء المصرية على مر العصور لتتعمد فلسطين بدماء شهداء مصر عليها في حرويها مع دولة الاحتلال لتصبح عظام الشهداء و لحومهم حزء لا يتجزء من تركيبة الثرى الفلسطيني . اليوم عادت مصر لموقعها الرسمي في الوطن العربي عامة و الفلسطيني خاصة لتتصدر أحداثه باشرافها على صفقة تبادل الاسرى بين حركة حماس من جهة و دولة الاحتلال من جانب آخر , هذه الصفقة التي أدخلت البهجة مرة أخرى لنفوس و قلوب لا تعرف لها طعماً إلا سرقة من بين أنياب الزمان , وكأن الدمع بات قدرا محتوماً على عيوننا تذرفه صباحا و مساء . أكتب هذه الكلمات و قد عدت للتو من مدينة غزة بعد أن غرقت في بحر من الدموع التي انسكبت هذه المرة لا حزنا أو قهراً و لكن فرحة و نشوة . إنها دموع أبٍ لم ير بنيه منذ ما يزيد عن الثلاثين عاماً و دموع أبناء انهمرت بغزارة و يهم يحضنون أباً كان بالنسية لهم صورة في الوجدان و مجرد رؤية وجهه كانت حلماً يراودهم , إنها دمع أمٍ , لا يعلم أحد كيف كانت تمضي لياليها باكية و متضرعة إلى الله أن يفك أسر ابنها و لو للحظة كي تنعم بضمه لصدرها ثم بتوفاها بعدها . غزة اليوم لبست أبهى حللها و بمشاركة الجميع مجسدة وحدة وطنية على الأرض ما زلنا نحن إليها لنراها واقعاً حقيقياً , لبست غزة هذه الحلة و خرجت لاستقبال أبنائها الذي أمضوا زهرة شبابهم قابعين في سجون الاحتلال تحت رحمة سوط الجلاد و قسوته , و يجق لها ذلك رغم الغصة التي تشعر بها لبقاء المزيد من الأسرى في سجون الاحتلال , و لكن كان من حق هؤلاء الأسرى المفرج عنهم , على غزة أن تحتفل بهم و تحتفل , و ما كان لغزة أن تلبس هذه الحلة إلا بمشاركة أيادٍ مصرية مع أيادٍ فلسطينية لتلبسها إياها . و ها هي اليوم تذرف دموع الفرح الحلوة المذاق مرة أخرى , نذوقها اليوم بمشاركة بأيادٍ مصرية كانت قد أذاقتنا إياها سابقاً فمرة أخرى شكراً لمصر , لا بل ملايين المرات , شكراً لمصر و تهانينا للإخوة المفرج عنهم من سجون الاحتلال و ذويهم بعودتهم إلى أحضان أسرهم سالمين غانمين بإذن الله بعد هذا الغياب القسري و شكرا لفصائل المقاومة الفلسطينية صاحبة الدور الأساسي في الإفراج عن إخواننا الأسرى و لا أملك الآن إلا أن أترحم على الشهداء الذين سقطوا أثناء عملية اختطاف شاليط و بعد اختطافه ممن نفذوا تلك العملية و شهداء غزة جميعا الذين اغتالتهم يد الغدر و الخيانة الصهيوينة من أجل هذا الشاليط .
الشاعر د . عبد الجواد مصطفى عكاشة