جمعية آفاق للمقاولة والتنمية بالسمارة / المغرب ASSOCIATION AFAK POUR L'ENTREPRISE ET LE DEVELOPPEMEN

السمارة : نبض المقاولة المحلية - مقهى العهد الجديد نموذجا - ***************************************

   قبل الشروع في محاورة السيد الحبيب رب مقهى: العهد الجديد ومقهى وليلي – الخيمة سابقا- دردشت معه ما يناهز النصف من الساعة، بعدما انفض روادها وانخرطت النادلة ومساعدها في جمع الكراسي. بداية قدمت له نفسي كرئيس لجمعية آفاق للمقاولة والتنمية، وذكرت للحبيب أن جمعية آفاق تهتم بالمقاولة بصفة عامة وبالمقاولة المحلية بصفة خاصة، وإذ وقع اختيارها على مقاولته، فهي ترغب في تسليط الضوء على مقاولة نموذجية ساهمت في بناء الإقليم وتحريك دواليب اقتصاده وتشجيع الساكنة على الاستيطان. وفي معرض حديثه عن بداية مشواره، قال الحبيب إنه كان يكتري محلا صغيرا يبعد عن مقر المقهى الحالي بحوالي عشرة أمتار، كان يوظفه كمقهى ، معظم روادها آنذاك كانوا جنودا، نظرا لطبيعة المنطقة الشبه العسكرية.

    ويعد الحبيب أول من احترف مهنة المقهى بالسمارة ، وأول من جلب المعدات اللازمة لإعداد القهوة، وهو الوحيد بالسمارة الذي حظي بشرف التعامل مع شركة البن العالمية والذائعة الصيت : Duboit منذ ما ينيف عن 12 سنة . ومع الإقبال المتزايد على مشروعه الصغير، بحث الحبيب عن مقر آخر أوسع وأرحب يمكنه احتواء زبنائه المتكاثرين باطراد.

   بشروعه في العمل بالمقهى الجديدة التي حملت اسم : العهد الجديد، وتنامي أرباحه، وبإيعاز من السيد العامل الإقليمي السيد: الخليل الدخيل ظفر الحبيب بعرض مميز، يتعلق بإعداد وجبات غذائية لفائدة نزلاء السجن المحلي بالسمارة، وكذا ظفره بالعرض المماثل المخصص للمشاركين في تحديد الهوية. إبان ولاية السيد الخليل الدخيل، الوالي الحالي لمدينة العيون، حظي الحبيب بالتفاتة خاصة من طرف هذا الأخير، الذي لم يبخل عليه بالتوجيه والتشجيع والمساعدة، لا سيما وأنه كان يوفر له مادة السكر ( قطع ) المستعمل في المقهى، بعدما تقدم له بطلب بهذا الخصوص.

وباستقباله للحبيب تحاور السيد العامل الخليل الدخيل معه حول تحديد سقف تفضيلي لثمن فنجان بن، حصراه في سعر: ثلاثة دراهم. كان هذا سنة 1984. فضلا عن السند المادي والمعنوي، وعد الخليل الدخيل الحبيب بسكن، تشجيعا له على مضيه في مسار تنموي لمقاولته، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وصل إلى حدود وقوف السيد العامل شخصيا على السير العادي لمقاولة الحبيب بين الفينة والأخرى وكلما شهدت السمارة مناسبة خاصة. مع مجيء السيد العامل الصبار، تابع هذا الأخير ما بدأه سالفه، وقام بتفويت صفقة متنافس حولها عبر إيداع ملفات طلب العروض للحبيب، بعد توفره على الشروط المطلوبة، للاشتغال على سوق تموين 1260 رجل أمن خلال الزيارة الميمونة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله لمدينة السمارة. فالصبار كان يسهر شخصيا على سير الأعمال ، ويحث على اعتماد الجودة والنظافة اللازمة. بتجاوز مراحل متقدمة من الثقة التي اكتسبها الحبيب من طرف القائمين على تدبير الشأن المحلي، اقترح الصبار على الحبيب فكرة بناء فندق سياحي مصنف، ومساعدته بمده ببقعة أرضية معدة لذلك، وإبدائه الرغبة في تدليل وتبسيط المساطر المتعلقة بالقرض البنكي والامتيازات التي تفوتها وزارة السياحة للمستثمرين في مجال السياحة الوطنية. ناهيك عن منحه شهادة استحقاق، عربونا على كفاءته ومهنيته ومراسه ودربته وعلو كعبه في مجال مقاولة المقهى والمطعمة. تتويج كهذا فسح المجال للحبيب في أن يتلقى عروضا استثمارية عدة في مجال الأفران والحمامات..شاء إلا أن يحتفظ بها إلى فرصة مواتية، مفضلا مقاولة المقهى على بقية المشاريع...آخذا بعين الاعتبار إكراهات عديدة تداخلت فيها مطامع ومصالح وأخلاقيات المهنة وثوابت الشغل، تخلى الحبيب عن كل هذه العروض، وهو المتوفر على خبرة كبيرة في مجال الفندقة والمطعمة، والحاصل على شواهد من مؤسسة فندقية وطنية.

 وحرصا على الجودة، ونزولا عند رغبة الزبناء، انبرى الحبيب دون تقاعس، في التركيز على الإبداع والعصرنة في مجال مقاولته- المقهى – تماشيا مع التطور العمراني الذي عرفته المدينة، والتكاثر الكبير الذي عرفته كثافتها السكانية، بعدما كانت حاضرة السمارة لا تتوفر على شبكة لتوزيع الماء الصالح للشرب، بحيث كانت الشاحنات الصهريجية تتولى مهمة جلب المياه العذبة من مناطق خارج حدود السمارة – طانطان- أبطيح- ماء الغدير- وبعض الآبار العذبة المياه... فيما كانت المدينة غير مرتبطة بالتيار الكهربائي الوطني. وحفاظا على سمعة المقهى وخدماتها، كان الحبيب عند نذرة المياه العذبة وعدم توفرها، يسخر المياه المعدنية كماء سيدي علي لإعداد القهوة للزبناء، وإن كان يقلص هذا من عائدات أرباحه. وفي نفس السياق، توسع مشروع الحبيب، فاقتنى مقهى أخرى تتوسط شارع الحسن الثاني أطلق عليها الحبيب اسم: وليلي، والتي كانت تسمى: الخيمة، ساهمت بدورها في خلق فرص شغل إضافية بالمدينة. ووعيا منه بالأوضاع الاجتماعية للعمال، ذكر الحبيب أنه دائما كان ولا يزال، يحث العاملات والعاملين بالمقهى على الإصغاء جيدا لطلبات الزبناء وإرضاء أذواقهم واحترام مزاجياتهم، في إطار لا يخرج عن نطاق الاتزان والاعتدال والاحترام المتبادل للرواد والعاملين على حد سواء. فالمقهى، على حد قوله، فضاء ومكان عمومي يرتاده الناس كمتنفس من شتى الشرائح والطبقات الاجتماعية... على هذا القبيل- يضيف الحبيب – " أن التعامل مع هذا الفسيفساء المتنافر من الزبناء يقتضي مهنية خاصة وتقنيات راقية، تجعل زبون المقهى يشعر بالراحة والطمأنينة والنخوة ، لا سيما وأن التوافد على هذا المكان غايته البحث عن مثل هذه الأجواء المختلفة بالطبع، عن فضاءات العمل والمنزل والحي والشارع. فتسيير وتدبير شؤون المقهى أمر ليس بالهين كما يخال البعض، فمن موقع مهمتي كأمين أرباب المقاهي بالسمارة، أقول إنه لا تكفي أن يتوفر المرء على رأس مال ليستثمره في مشروع مقهى وكفى... فمشروع المقهى قبل أن يقدم عليه المقاول، ينبغي عليه أولا أن يستعد نفسيا ووجدانيا لمباشرة عمله الجديد هذا ، وأركز هنا على الجوانب الاجتماعية والأخلاقية، قبل التركيز على كل ما هو مادي، إذ يمكن ملاحظة امتلاء بعض قاعات المقاهي المتواضعة عن آخرها وتهافت الزبناء عليها طوال اليوم، فيما نلاحظ أخرى أسرف أربابها في توفير كل معداتها، وقد انفض عنها روادها حتى في ساعات الذروة. فانطلاقا من هاتين المقارنتين يمكن استجلاء السبب، الذي يمكن مرده إلى حسن المعاملة والحرص على جودة الخدمات والمادة المقدمة للزبون، التي توفرها المقهى الأولى فيما تغيبها مثيلتها الثانية." إنه رغم الظروف العصيبة والشهور العجاف التي هبت بها رياح الأزمة العالمية التي أرخت بظلالها على القدرة الشرائية للمواطن، وأثرت سلبا على الأجور، وكذا تغيير مسار الشاحنات العسكرية عن المدار الحضري لمدينة السمارة، وتضرر الرواج التجاري المحلي الذي عرف كسادا ملحوظا، ورغم الزيادات التي شملت معظم مقاهي السمارة، مباشرة بعد زيادة 5 دراهم التي عرفها الكيلوغرام الواحد من البن، فإن مقاولة الحبيب استطاعت أن تقف على قدمين ثابتتين وأن تـُبقِيَ على مشروعها قائما ومحافظا على توازنه، الأمر الذي جعل الحبيب يزداد تمسكا بطاقم عماله، مراعيا ظروفهم الاجتماعية أولا وأخيرا، فيما سُرِّحَ العديد من زملائهم من قبل أرباب مقاهي آخرين. مقاولة الحبيب النموذجية الرائدة بالإقليم أضحت منذ ما يفوق عقدين من الزمن مدرسة تلقى فيها جيل من مهنيي المقهى أصول الحرفة، تتلمذوا فيها على يد أستاذ لم يبخل عليهم بسر من أسرارها. فمنهم من استقل بمشروع شخصي، ومنهم من تحالف مع آخرين، ومنهم من غادر المدينة إلى وجهة أخرى وقد حمل معه ما يكفيه لمزاولة المهنة.

     وبعيدا عن المقهى وأجوائها علمت من مصادر مطلعن أن الحبيب سبق له أن خاض سنة 1990 تجربة انتخابية سابقة سحق فيها رقما قياسيا من الأصوات، كان الفرق بينها وبين منافسه أربعة أصوات. كما يشغل مهمة أمين أرباب المقاهي بالاقليم. 

 وختاما لسرد تجربته، ناشد الحبيب المسؤولين المحليين بتوفير المساعدة اللازمة لهذا القطاع وهيكلته، اعتبارا للظرفية الخاصة بالمنطقة ، التي تعد مدينة استهلاكية بامتياز، وذلك باستفادة أرباب المقاهي بالسمارة من ثمن تفضيلي خاص بمادة السكر.، ضمانا لتوازنها واستمراريتها.

إنجاز : العربي الراي/ رئيس جمعية آفاق للمقاولة والتنمية

المصدر: موقع جمعية آفاق للمقاولة والتنمية/ موقع منتديات وادنون الاخباري
  • Currently 48/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
14 تصويتات / 159 مشاهدة
نشرت فى 18 فبراير 2011 بواسطة AFAKSMARA

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

53,899