<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
اغتيال الشَّهيد أحمد جرار بَعدَ قِتالٍ استمرَّ ثماني ساعات قُربْ جنين هل يَكون مُؤشِّرًا لبَداية الانتفاضة المُسلَّحة الثانية؟ ولماذا لم تَترَدَّد “حماس” في تَبنّي خليّته التي قَتَلتْ الحاخام الإسرائيلي؟
رأي اليوم = الافتتاحية.
February 6, 2018
إقدام وَحدات إسرائيليّة خاصّة على اغتيال مُقاومين فِلسطينيين في الأراضي المُحتلّة، ليس أمرًا جديدًا، ولكن اغتيال أحمد ناصر جرار اليَوْمْ الثلاثاء في بلدة اليامون قُربْ مدينة جنين، تاريخ جَريمة ستَحتل مَكانةً مُتميّزة في صَفحة تاريخ الشَّهادة والشُّهداء على الأرض الفِلسطينيَّة.
الشهيد أحمد جرار ابن الـ 22 عامًا، الشَّاب الوَسيم المُؤمِن، وقائِد الخليّة “القسّاميّة” التي نَفّذت عمليّة قَتل الحاخام الإسرائيلي رزيئيل شيفاح في مُستوطنةٍ قُرب نابلس، هو أحد قادَة الجناح العَسكري لحركة المُقاومة الإسلاميّة “حماس” في الضِّفّة الغَربيّة، وابن الشهيد ناصر جرار الذي سَقَطَ برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء الانتفاضة الثانية عام 2005، الأمر الذي يُؤكِّد أن الجيل الجديد لا يَقل وطنيّةً وإيمانًا بعَدالة قَضيّته عن جيل آبائِه.
الجديد يأتي من أن القوّات الإسرائيليّة الخاصّة، ووحدات المُستَعربين ظلّت تُطارده، وتَبحث عنه ومكان وجوده مُنذ ما يَقرُب الشَّهر، وأنّها ما كان لها أن تَنجح في هذهِ المُهمّة لولا مُساعدة بعض قوّات الأمن الفِلسطينيّة، حسب تقارير إخباريّة مُتداولة حاليًّا، ولم تُبادِر السُّلطة إلى نَفيِها والتَّبرؤ مِنها.
الشهيد جرار قاتل لأكثر من ثماني ساعات، من مُنتصف الليل حتى الثَّامنة صباحًا، ورَفض الاستسلام لمُحاصِريه الذين زاد عَددهم عن مِئة جُندي مُعزَّزين بمُدرّعات ورِجال مُخابرات، واضطرّت هذهِ القوّات إلى نَسفْ جُزء من المَنزل الذي احتمى فيه للوصول إليه.
هذهِ الإرادة القِتاليّة الإعجازيّة، الذي قَدَّم هذا الشَّاب نَموذجًا مُشرّفًا لها، هي أكثر ما تَخشاه دولة الاحتلال الإسرائيلي، لأن شَهادته هذه، وبالطَّريقة التي تَمّت بِها، سَتكون قُدوةً ومَصدر إلهام للشَّباب في فِلسطين المُحتلّة، للسَّير على الطَّريق نَفسِه.
القوّات الإسرائيليّة عَثرتْ بجانِب جُثمانِه الطَّاهِر على بُندقيّته الرَّشاشة، وحقيبة مَليئة بالمُتفجّرات، وأهم من هذا “مُصحَفه” الذي كان يَحمله أينما حَلْ، ويَقرأ آياته الكريمة التي تُعطيه القُوّة، والرَّاحة والنفسيّة، وإرادة القِتال، حَسب شهادات من عَرفوه.
لم يكن اغتياله، وبعد ساعات من مَقتل مستوطن إسرائيلي آخر قُرب مُستوطنة اريئيل مُجرّد صُدفة، وإنّما مُؤشّر لتَكريس نَهجٍ جديدٍ يَسود حاليًّا في الضِّفّة الغربيّة، وبدأت تُطبّقه حركات المُقاومة الإسلاميّة، وخاصّةً حَركتيّ “حماس” و”الجِهاد”، كَردٍّ على التغوّل الاستيطاني الإسرائيلي، وانهيار عمليّة السلام، واعتراف الولايات المتحدة الأمريكيّة بالقُدس المُحتلّة كعاصمةٍ لدولة الاحتلال، ونَقل سَفارتها إليها.
إنّها بوادِر انتفاضة مُسلّحة ثانية في الأراضي المُحتلّة، على غِرار تِلك التي انطلقت شرارتها واستمرّت حتى عام 2005، تزداد وضوحًا يومًا بعد يوم، وما استخدام الأسلحة الناريّة في أكثر من عَمليّة هُجوم تَستهدف المُستوطنين الإسرائيليين إلا تأكيدًا على ما نَقول، فزَمن انتفاضة الحِجارة أو السَّكاكين تَجاوزته الأحداث فيما يبدو في نَظر هذهِ الحَركات وأنصارِها.
إسرائيل، وبدعمٍ أمريكيّ غير مَسبوق، دَفعت الشباب الفِلسطيني دَفعًا إلى هذا الخِيار، عندما صَعّدت من أعمالها القَمعيّة، ومارَست الإذلال في أبشع صُوَره، وأغلقت كل الآمال بالسَّلام والتَّعايش في وَجْهِه.
عَجلة الانتفاضة المُسلّحة بَدأتْ في الدَّوران، قد تكون بَطيئة، ولكن هكذا كانت كُل البِدايات، والخُطورة على الاحتلال تَكمُن في انْطلاقتها، ومن غير المُستبعد أن تزداد تَسارعًا يومًا بعد يوم، وأُسبوعًا بعد آخر، تمامًا مِثل الانتفاضة المُسلّحة الأولى، التي استمرّت خَمس سنوات لم تَتوقّف إلا بعد “خديعة” أمريكيّة، أوروبيّة، وعَربيّة تَمثّلت في تَشكيل اللجنة الرباعيّة، ووَضع خريطة طريق للوصول إلى الدولة الفِلسطينيّة، وبعد أن توقّفت، أي الانتفاضة، تَبخّرت كُل هذهِ الوعود، تمامًا مِثلما تَبخّرت اتفاقات أوسلو وحَلْ الدَّولتين.
استشهاد أحمد جرار، وبعد ثماني ساعات من مُقاومة مُهاجِميه، قد تُؤشّر لمَرحلةٍ جديدةٍ تُشعِل الأراضي المُحتلّة، وتُصعِّد المُواجهات المُسلّحة فيها، وتَجرِف السُّلطة وكل ما تَرتّب عليها من فساد وعَجز، لأن هُناك إحساسًا مُتناميًا في أوساط الشباب الفِلسطيني المُحبط، بأنّه لم يَعد أمامه غير خِيار المُقاومة والشَّهادة، ولم يَعُد لديه ما يُمكِن أن يَخسره.
قِيادة حركة “حماس” الجديدة، التي تَبنّت الشهيد أحمد جرار وعمليّة قتل الحاخام قُرب نابلس، وأشادت ببُطولته، وتحالفت مع مِحور المُقاومة الذي يَضُم إيران وسورية و”حزب الله”، وعادَت جُزءًا أصيلاً فيه، وأدارت ظَهرها لدُول مِحور الاعتدال العَربي، وأسقطته من كُل حِساباتِها، ولعلَّ هذهِ العمليّات النوعيّة، وبالأسلحة الناريّة، مُقدّمة للمَرحلة الجديدة لتَثوير الأرض المُحتلّة تَمهيدًا لتَثوير المِنطقةِ بأسْرِها.
الأيّام المُقبلة قد تَكون حافِلةً بالمُفاجآت ومُعظَمها “غير سار” لدَولة الاحتلال الإسرائيلي، وكُل “المُطبّعين” العَرب مَعها، والأيّام بَيْنَنا.
ساحة النقاش