http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->

<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

توفيق زياد: «ديرو بالكو على بعض»!

الخميس 06 تموز2017

نجوى ضاهر - بيروت برس - 

 

"من هذا التراب الحر لن نفقد ذرة

إننا لن ننحني للنار والفولاذ يوما قيد شعرة"

في الخامس من تموز لعام 1994 غيب الموت المناضل الثوري وشاعر المقاومة وابن الطبقة الكادحة، التوأم السيامي لمدينة الناصرة كما وصفه أحد رفاق دربه، فيذكر الناس توفيق زياد عندما يذكرون الناصرة ويذكرون الناصرة إذا ما ذكروا توفيق زياد، محامي الشعب ومهندس ملحمة يوم الأرض، وذلك بسبب الحادث المأساوي ربما الأسطوري في دلالات الغياب على الطريق الفلسطيني بين أريحا ومدينة القدس..
وفي ذكرى الكبار تصمت الكلمات وتحتار الحروف أمام مناضل قضى عمره ما بين السجون والاعتقالات والمواجهات المستمرة من أجل تكريس فكرة المقاومة، وهو القائل "يجب أن تكون الحكمة الأساسية هي زيادة التصميم على مواصلة المعركة من أجل الحل العادل". مضيفًا "سنبقى نحمل شهداءنا على أكتافنا ونواصل الطريق، وأعتقد أن الموقف الفلسطيني والعربي العام يجب أن ينطلق من إيقاف المفاوضات". 

لا يزال الكل يذكر تحديه لكل التفاصيل الخارجة عن النص الثوري، حين تجرأ في حفل استقبال ياسر عرفات، أن يقول لـ"أبو عمار" الذي تمنى للجميع الصلاة في القدس وقتها "القدس قضية سيادة وليست قضية عبادة يا أبو عمار"، محددًا طبيعة الصراع الوجودي مع الاحتلال بعيدا عن الصراع الديني أو الدفاع عن المقدسات.. 

وعودة إلى بداية الرواية للفتى الفلسطيني ابن الطبقة الكادحة الذي تفتحت عيناه على مزيج من مشهد أمه أمام طابور الخبز الشهي، وحكايات جبروت الاحتلال وقصص التعذيب ما وراء القضبان، وغيرها من الصور النابضة بالحياة البسيطة المليئة بالدلالات الكافية لأن يولد من رحمها عبقري ومبدع وثائر وعاشق معا، حيث كان توفيق زياد الجامع لاحقا لكل هذه الصفات.

يلتقط تفاصيل الحياة بوعي مبكر من والده الأمين زياد وأبناء حارته وهم يتحدثون عن جنود الاحتلال القساة العنيفين السيئين، حتى شاهد وتلمس كل هذه الصفات حين داهموا بيته وفتشوه وعاثوا فيه خرابا، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا باعتقال والده وألقوا الهلع والرعب في نفوس والدته وإخوته، وجاء دوره حيث أصروا على التحقيق معه لمعرفة مكان وجود بندقية والده الذي كان أحد أبرز ثوار الناصرة وذلك بعد نهاية ثورة عام 1936. 

ولم يترك جنود الاحتلال وسيلة إلا واستخدموها ليدفعوا الطفل على الاعتراف، من الإغراء بالمال إلى التهديد بالضرب والاعتقال، لكنه ظلّ ثابتا رغم كل محاولات الابتزاز، وهذا السر ظل توفيق زياد يحتفظ به حتى دخوله إلى بلدية الناصرة رئيسا لها بعد 39 عاما عام 1975، حيث أخبر أصدقاءه بمعرفته بالمكان الذي كان والده يخبئ فيه بندقيته، مؤكدا أنه كان يجد نفسه في تحدي ضباط الاحتلال خلال زيارته لوالده في المعتقل. 

وتتوالى سيرة المناضل المفعمة بالمحطات الكفاحية الهامة، حيث فرض الحكم عليه بعد مظاهرة أيار 1958، التي منع فيها الشيوعيون الحكومة والحكم العسكري تسيير "مسيرة احتفالية" بذكرى قيام" إسرائيل" في مدينة الناصرة، عدا عن محاولات الاغتيال المتعددة، إضافة إلى الجانب الأكثر حضورا ربما في ذهنية الشعب الفلسطيني للشاعر الذي كسب جماهيرية كبيرة بصدقه الثوري ولإيمانه العميق بأن الشعر للناس لا للهواء، فكانت وما زالت جميع قصائده كما النشيد اليومي "الدائم الخضرة"، فمن منا لم يشدُ بصرخة الصدى "أناديكم أشد على أياديكم وأبوس الأرض تحت نعالكم وأقول أفديكم"، والتي لم يبقَ أسير ولا مقاوم ولا شارع عربي إلا ونبض بكلماتها تماما كما قصيدة العنفوان الثوري الخالدة "هنا باقون كأننا عشرون مستحیل..".

يضاف إلى رصيد الشاعر الذي عمده الشهيد غسان كنفاني من أدباء المقاومة كنز من النصوص الشعرية التي أرسلها من محراب عشقه للقصيدة، التي قال عنها أنها كل ما يملك وأنها أغنيته للحياة والثورة والأرض، القصائد التي خص بها الأسرى في سجون الاحتلال والتي حملت عناوين "سجناء الحرية" و"سمر في السجن"، ولم ينسَ توفيق زياد يومًا أن يبرق رسائله الشعرية المعبرة لكل مقاوم للاحتلال ومن أبرز هذه الرسائل "ادفنوا موتاكم وانهضوا"، وفي قصيدته يا شعبي يا عود الند عبر عن رفضه لكل محاولات الشراء والبيع حين كتب ما لا يمكن أن ينسى

"لن نرضى عذاب الزنزانة

وقيود الظلم وقضبانه

ونقاص الجوع وحرمانه

إلا لنفك وثاق القمر المصلوب

ونعيد إليك الحق المسلوب

ونطول الغد من ليل الأطماع

حتى لا تشرى لا تشرى وتباع

ولدى الحديث عن الشاعر توفيق زياد، لا يمكن أن نتغافل عن قصائده القومية والأممية والتي عبر خلال كلماتها عن موقفه العروبي والأممي. وعناوين قصائده تدل على ذلك: "شيوعيون"، "إلى عمال موسكو"، "أمام ضريح لينين"، "مصر 1951"، "إلى عمال آتا المضربين"، "كوبا"،  "بور سعيد"، "حبيبتي أم درمان"، و"ايبي ناتان". عدا عن قصيدته العصماء عن فهد (يوسف سلمان)، قائد الحزب الشيوعي العراقي الذي أعدمته الرجعية عام 1949، والتي تعتبر أنشودة عن الأبطال الخالدين. كما نظم الشاعر سطورًا تفيض إعجابا بالشاعر ناظم حكمت، حملت عنوان "نسر الفرحة في تركيا الحزينة" و" اللحن الثائر كالإعصار"، كما لم ينسَ ابن أفريقيا باتريس لومومبا، رمز الثورة المتوقدة وغيره الكثير من أحرار وشرفاء العالم.. وفي رصيد الشاعر المناضل الكثير من الحب و كتب عنه الكثير لكن يبقى ما قاله عن عملاء الاحتلال إنهم مجرد "حثالات اجتماعية حقيرة يجب نبذها". وثيقة التاريخ الخالدة حيث كان المناضل السياسي والوطني والثائر الأممي والشاعر الغارق في الدفاع عن جذوره، يكره الانتهازية والوصوليّة كما الاستغلال والظلم، ويحتقر الأذلاء الذين يفتشون عن فضلات المائدة في صحن السلطات والذين يقبلون بالخنوع للسلطة، ويعتبر "الوجهنة" جريمة كبرى.

وبالمقابل، فقد أحبّ زياد الإنسان العصامي الشجاع الوطني الصادق، وتعصب له. وعند الاختلاف مع صديق كان يقول: "اختلاف الرأي لا يفسد الخلاف للود قضيّة"، و"أنت صديقي لكن الحقيقة أصدق". وكان يغضب الكثيرون عندما يقول الحقيقة من وجهة نظره، لكن أحدا من المخلصين لم يحقد عليه. فالكل يعرف انه يقول ما يؤمن به بنيّة صادقة. فهو إنسان مستقيم شريف نظيف اليد، لا يطلب لنفسه شيئًا. ويكفي العودة إلى مسيرة حياته العصامية حيث تفتحت عيناه على اليتم وتحمل المسؤولية وكان متحديا لكل من يحاول المس بكرامته. 
يذكر أنه ذات مرّة، خلال إحدى المعارك الانتخابية البلدية، وصل إلى مسامعه مقولة ذُكرت في بعض البيوت "لمين بدكوا تصوتوا.. لابن الجمّال؟!!"، واختار توفيق زيّاد أن يرد على هذه الدعاية. فقال: "أنا أفتخر بأصلي وبمنبتي وبوالدي، لكن ليس صحيحًا أن والدي كان جمّالًا، فلم يعش ذلك العز والرفاه الذي يسمح له بشراء جمل. لقد تمكن فقط من شراء حمار". في إشارة إلى الحمار الذي تمكن والده من شرائه واستخدامه في نقل البضائع من وإلى بلاد الشام، وبيعها هنا وهناك. كثير من الكلمات لا تتسع للإلمام بسيرة المناضل المتحدي لكل سياسات الترحيل والرافض كل أشكال المساومة على حق البقاء والتشبث بالجذور حيث كان يردد دائما بأن الفلسطينيين الباقين في وطنهم أشبه ما يكونوا بالأيتام على مائدة اللئام، وموقفه هذا لا ينفصل كونه المؤذن بيوم الأرض عام 1976، اليوم الذي وصفه صديقه الشاعر سميح القاسم بأنه أعظم ثورة في تاريخ النضال الفلسطيني. 

إنّ قصة توفيق زياد في يوم الأرض محطة نضالية معروفة للجميع حتى بات يوم الأرض يقرن بشهداء اليوم وبالمناضل توفيق زياد فعندما حاولت الحكومة إفشال إضراب يوم الأرض (30 آذار 1976)، الذي قرّرته لجنة الدفاع عن الأراضي، وأوعزت إلى رجالاتها من رؤساء السلطات المحليّة العربيّة (وكانوا يشكلون الأكثريّة) أن يجتمعوا ويصوتوا ضد الإضراب، تصدى لها ولهم توفيق زياد، الذي كان قد تسلم منصبه رئيسًا للبلديّة لأول مرة فقط قبل 3 أشهر. وقد حاول عدد من الرؤساء الاعتداء عليه جسديًا، ونجحوا في تمرير القرار، لكنه أثبت لهم أن هذا القرار كان حبرًا على ورق، فالقرار للشعب، والشعب قد أعلن الإضراب. ونجح الإضراب وكان شاملًا. فنظمت السلطة اعتداءاتها، وقتلت الشباب الستّة، وجرحت المئات، وهاجمت بيت توفيق زياد، وقالت رفيقة دربه نائلة زياد وقتها "سمعت الضابط بأذني وهو يأمر رجاله "طوقوا البيت واحرقوه"". 

كذلك لا ينسى لاحقًا خطابه في يوم الأرض من العام 1992، عندما واجه وببسالة بدايات الفكر الأصولي والهجمة التي شنتها الحركة الإسلامية على مشاركة النساء في يوم الأرض، عندما جلجل صوته هاتفا "وحدة وحدة وطنية الشاب بحد الصبية". 
جملة من المحطات تؤكد أولًا على أهمية هذا اليوم التاريخي الذي عمد بالدم في ترسيخ أهمية تمسك السنديانة بجذورها الراسخة في عمق الأرض، تماما كما أهلنا في الأرض المحتلة عام 1948 باعتبارهم الجدار الصلد وحراس الهوية الوطنية من الاندثار، الهدف الأول في المشروع الصهيوني الأول منذ قيام الكيان الغاصب، بغض النظر عن التفاصيل الغارقة في التقاليد البالية التي واجهها توفيق زياد بموقف وقصيدة عن الشهيدة التي لا تفرق عن الشهيد، حين تجلى بوصفها قائلا هي زنبقة من ذهب لا تطلع من قلب المتاريس الحصينة كيانا وسيادة وعلى العنق قلادة وعنوان كتاب وتاريخ ولادة.

في ذكرى الحضور لبطل الميدان عن جدارة وثائر القصيدة، لا نتذكر في زماننا المضحك حد البكاء والنازف موتا وحزنا مقيما على أصغر الشهداء المتجسدة في كومة أشلاء أجنة هنا وهناك، يطل النص الشعري الأصدق والحلم الأكثر إلحاحا لتوفيق زياد "وأعطي نصف عمري للذي يجعل طفلًا باكيًا يضحك.. وأعطي نصفه الثاني لأحمي زهرة خضراء أن تهلك.. وأمشي ألف عام خلف أغنية وأقطع ألف وادٍ شائك المسلك.. وأركب كل بحرٍ هائج حتى ألم العطر عند شواطئ الليلك"، تمامًا كما أمنية انتظار صدى النداء لأيقونة قصائده "أناديكم" بعد أن تسيدت اللامبالاة كعاطفة جماعية للشعوب التي يحاصرها الحصار والمرض والبكاء والموت المجاني اليومي، في ظل صمت السؤال والخوف الذي يكبر على وصية المناضل توفيق زياد الأخيرة "ديرو بالكو على بعض".

المصدر: نجوى ضاهر - بيروت برس -
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 89 مشاهدة
نشرت فى 6 يوليو 2017 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

279,887