<!--
<!--<!--<!--
الإرهاب السعودي القديم وزوال قطر
الأربعاء 07 حزيران2017
إيهاب زكي - بيروت برس -
في مقالٍ له، سجل وزير العدل الفلسطيني الأسبق فريح أبو مدين شهادته على إحدى اجتماعات وزراء الداخلية العرب عام 1997، بصفته وزيرًا للداخلية بشكلٍ مؤقت، ومن أبرز ما يستشف منها أن جلَّ وزراء الداخلية العرب كانوا على يقينٍ بأن دول الخليج هي الممول الرئيسي والأوحد للإرهاب، فيقول بأنّ وزير الداخلية المصري الأسبق اللواء حسن الألفي، زاره خارج إطار البروتوكول وطرح عليه فكرة إدراج الدول الحاضنة والتي تؤوي الإرهاب على جدول الأعمال، وذلك بصفته رئيس الدورة الحالية، واعتبرا أنّ الأمر صعبٌ لكنهما اتفقا على إدراجه تحت أي بندٍ أمني، مع تجنب الإشارة لدولٍ عربية والاكتفاء بالإشارة لدولٍ غربية خاصةً بريطانيا، وبعد أن أنهى رئيس القمة الوزير الفلسطيني كلمته، كان يريد إعطاء الكلمة للأمير السعودي نايف بن سعود بصفته الرئيس الفخري لوزراء الداخلية العرب، فتفاجأ بعدم وجوده في القاعة، وقد أجلس مكانه ابنه ذو الأحد عشرَ عامًا، فيقول فهمت أنها رسالة للدول الخليجية بتجاهل الأمر.
ويضيف أنني أعطيت الكلمة لوزير الداخلية العراقي لمعرفتي أنه يتحدث بقوة وبدون دبلوماسية أحيانًا، فأبدع في التشخيص وأنهى كلامه بالقول "أعرف أنكم لن توافقوا على قرار نوجهه للدول الحاضنة"، ويواصل الوزير الفلسطيني شهادته فيقول أعطيت الكلمة لوزير الداخلية الليبي، فكان شجاعًا وصريحًا حين قال "لا نرجو من الاقتراح شيئًا فالتمويل من هنا"، وأشار إلى دول الخليج، وفي نهاية المؤتمر يقول الوزير ركبنا نفس الطائرة مع الوفد المصري، وأثناء الرحلة عقّب اللواء الألفي وزير الداخلية المصري "الكل سيدفع الثمن"، ويقول الوزير أبو مدين، فعلًا بعد مدةٍ وجيزة حدثت مذبحة الأقصر الذي راح ضحيتها عشرات السُياح الأجانب، وينهي الوزير مقاله الشهادة بالاستهجان من تضخم الإرهاب "حيث أصبح له مسميات دول كالسعودية ودول الخليج، ويمارسونه في رابعة النهار في سوريا واليمن والعراق وليبيا ثم يناقشون مع ترامب إرهاب حماس وحزب الله وإيران وعجبي"، على حد لفظ الوزير. وإذ نورد هذه الشهادة ليس من باب إثبات أن هذه الأنظمة المتكلسة هي راعية وممولة وحاضنة الإرهاب، بل لنصل لنتيجةٍ مفادها أن الصمت الذي كانت تمارسه الدول العربية على إرهاب أنظمة النفط مجاملةً أو استفادةً أو خشيةً، ها هي تدفع ثمنه من دماء أبنائها ومستقبل شعوبها، ومن يستمر في هذا التعامي سيدفع وسيظل يدفع، فالمراءون للنفط لا حصانة لهم.
ونرى اليوم أن قطر، وهي من البيت النفطي وشأنها شأنهم في دعم الإرهاب، يتناهشونها بأحدّ الأنياب وأمضى المخالب، فكيف بأنظمة من خارج هذا البيت الأسود، من سيشفع لها، كالأردن مثلًا أو المغرب وموريتانيا، وبالمناسبة فقد أعلنت عمان تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع قطر، كما أعلنت المغرب وقف الرحلات من قطر وإليها، وأعلنت موريتانيا قطع العلاقات مع قطر، وهذا في مراءاةٍ للسعودية. والمعضلة أن مراءاة السعودية تجنبًا لشرورها الإرهابية، سيؤجج شرور قطر الإرهابية، فتمسي هذه الأنظمة كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولكن يبدو أنّ هذه الأنظمة تراهن على أنّ الوقت لن يسعف قطر بما يسمح لها بردات فعل انتقامية، خصوصًا على ضوء تغريدات ترامب والتي تشبه رفع الغطاء عن قطر وتشجيعًا لخطوات سعودية أكثر إيلامًا تجاهها، بينما قطر تراهن على أن الوقت لن يسعف ترامب حيث يلتف حول عنقه حبل الإقالة. ولكن يبدو أن تغريدة ترامب قد فعلت فعلها، فالدول العربية التي أبدت تحفظًا بداية الأزمة انتظارًا للمآلات، اتخذت قرارها بعد التغريدة بما يوحي بأنّ النهاية أصبحت وشيكة، خصوصًا أنّ تلك الإجراءات تزامنت مع نهاية الزيارة التي قام بها أمير الكويت، والتي يبدو أنها نهاية الوساطة بالفشل وليس فقط نهاية الزيارة، وهذا ما يفسر سرعة قطع العلاقات، حيث النتيجة هي بقاء السعودية وزوال قطر بنظامها الحالي.
يًقال في الأثر "إنّ المرءَ يُثاب رغم أنفه"، وكذلك فإنّ الدولة السورية من حُسن أقدارها وعظيم صمودها، أنّ أعداءها أصبحوا يحاربون لصالحها، فإنّ زوال كل تلك الأنظمة النفطية هو أمرٌ فيه من الخير الكثير على هذه الأمة، ولكن زوال النظام القطري بشكل مبدئي وسريع، سيبدل خارطة التحالفات على الأرض السورية، وسيجعل من أردوغان محاربًا لصالح مغدوره صديقه القديم الرئيس الأسد، حيث سيتبخر المشروع الإخواني ليحل محله المشروع الوهابي، والذي لن يسمح أردوغان باقترابه من حدوده، فالسعودية تعتبر أن تركيا هي المنافس الأقوى على قيادة ما يسمى بـ"العالم السني"، وهذا ما سيجعل المنطقة الشمالية من سوريا ساحة صراع بين الأجنحة الإخوانية يتيمة قطر، مع الأجنحة الوهابية القاعدية ربيبة السعودية، فينهكون بعضهم البعض لتقطف سوريا الثمار. ولكن من جانبٍ آخر سيشجع هذا الزوال القطري التركيز السعودي "الإسرائيلي" الأردني على الحدود الجنوبية، ولكن أيضًا سيعمل أعداء سوريا في تلك الجبهة على تصفية ما تبقى من فلولٍ لأيتام قطر، والفشل في الوصول لأهداف العدوان والذي هو حتمي، سيجعل من هذه الحروب تصب في النهاية في المصلحة السورية، وأظنّ الرئيس الأسد حين قال أن الأسوأ أصبح وراء ظهورنا، كان يستشرف أنّ الذئاب المتناهشة ستريحنا من بعض الوقت والجهد والدم.
ساحة النقاش