<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
خيارات «داعش» ما بعد الهزيمة في الموصل والرقّة..
الثلاثاء 28 آذار2017
عمر معربوني - بيروت برس - *ضابط سابق - خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.
في حرب لا نمطية كالتي تحصل، لا يمكن اعتماد قواعد التحليل التقليدية في مقاربة متغيرات حركة الجماعات الإرهابية، حيث تبنّت هذه الجماعات أسلوب الحرب المتنقلة كأسلوب بديل في حالات إخفاقها بالسيطرة على الجغرافيا بشكل دائم، إضافةً إلى اعتماد أسلوب المسميات المختلفة لتأمين هامش مناورة يرتبط بشكل أساسي بمسألة تقبل البيئات الحاضنة المحتملة والأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل بيئة.
إنّ أحد شروط الانتصار على هذه الجماعات الإرهابية هو التفكير بعقلها وفهم تركيبتها وبنيتها وأماكن حركتها وتوقع تكاثرها في البيئات الملائمة لها، وهو أمر يحتاج إلى إطلالة تفصيلية على وثائق هذه الجماعات وأهمها برأيي: المذكرة الإستراتيجية لعبد الله بن محمد وإدارة التوحش لأبي بكر ناجي، وهما وثيقتان متوفرتان ويمكن الرجوع إليهما لتبيان أنّ جزءًا كبيرًا من حركة انتشار هذه الجماعات قد تحقق فعلًا استنادًا إلى ما جاء في الوثيقتين، وهو الأمر المرتبط بحركة الجماعات المباشرة وليس بخلفية القوى الداعمة لها سرًّا أو علنًا.
من المؤكد أنّ "داعش" بشكل خاص في طريقه إلى الانتهاء عسكريًا في العراق وسوريا، وهو أمر يرتبط بالفترة الزمنية حيث يسير التنظيم باتجاه خسارة اكبر معقلين له وهما عاصمتا "الخلافة" الموصل والرقّة وفي توقيت متزامن، وأنّ مسألة خسارته لباقي مناطق سيطرته في العراق وسوريا هي مسألة وقت وقد نكون أمام تحول دراماتيكي يودي بنا إلى رؤية مشهد غير متوقع لجهة اختفاء أي أثر لـ"داعش"، وربما الذهاب باتجاه خيارات متعددة سيكون التوجه إلى لبنان والأردن وتركيا وسيناء ضمنها.
أمّا لماذا لبنان والأردن وتركيا وسيناء، فهو ما سنبيّنه ولكن بعد إطلالة سريعة على طبيعة المرحلة الحالية حيث نعيش متغيرات كبيرة في تموضع "داعش" بشكل أساسي وهزيمته المرتقبة في العراق، والتي تحاول أميركا إعاقة تحققها بشكل سريع عبر تعقيد ظروف المواجهة بانتظار الحصول من الحكومة العراقية على امتيازات مستقبلية ترتبط بفعالية وتأثير دورها في العراق والمنطقة، وهنا قد يطرح البعض سؤالًا تقليديًا: هل يعني ذلك أنّ أميركا هي التي تدير "داعش"؟ والجواب: نعم إلى حد كبير، وهذا يستدعي تشريح المشهد الحالي في محيط الرقّة وقبله في المنطقة الممتدّة من إعزاز إلى جرابلس وفي تدمر أيضًا.
ما يحصل الآن في محيط الرقّة واضح لا بل شديد الوضوح لجهة تحكُم أميركا بالعمليات، فـ"داعش" الذي يواجه الجيشين السوري والعراقي بشراسة ينسحب أمام "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من أميركا، رغم أنّ ميزان القوى وتحديدًا في العنصر البشري يميل لمصلحة تنظيم "داعش" إضافة إلى امتلاكه ظروف الدفاع والاستحكام.
ما يحصل الآن في محيط الرقّة يذكّرنا بما حصل منذ شهور حيث بدأت "قوات درع الفرات" المدعومة من تركيا عملياتها ضد "داعش"، ولم نرَ معارك حقيقية يمكن ذكرها حينها حيث كان "داعش" ينسحب ويسلّم الأرض بسهولة لـ"قوات درع الفرات"، في حين أنّ المواجهة كانت شرسة عند تخوم مدينة الباب فقط والسبب برأيي ارتفاع منسوب التجاذب الأميركي - التركي، وهذا ما يورّط أميركا أكثر في موضوع التحكم بـ"داعش" ولكنه لا يبرئ تركيا التي قدّمت الكثير من التسهيلات للجماعات الإرهابية والتي يمكن أن تتجه أكثر باتجاه الداخل التركي، فكما كانت تركيا طريق عبور هذه الجماعات إلى العراق وسوريا من الطبيعي أن تتحول إلى ممرّ مغادرة وبقعة استقرار في ظل الظروف الجديدة.
تدمر أيضا تشكّل مثالًا لمؤازرة تقنية تلقاها تنظيم "داعش" لا يمكن أن يقدمها إلّا الدول الكبيرة التي تمتلك أنظمة الملاحة الحديثة، حيث وصلت قوات "داعش" إلى مواقع الجيش السوري ضمن ظروف طقس ورؤيا سيئة اعتمدوا فيها على المسير ضمن ممرّات مدروسة دون أي خطأ، وهذا ما شكّل عنصر المفاجأة الذي أدّى إلى السيطرة على تدمر قبل تحريرها أخيرًا.
الكارثة الحقيقية برأيي تتمثل بنظرة أميركا المعلنة لطبيعة الصراع القائم حيث تتبرأ من كل أفعالها وأدوارها في وصول المنطقة إلى الوضع الحالي، فهذا جيمس ماتيس وزير الدفاع الأميركي يعتبر أنّ "داعش" هي محصّلة مزيج بين حزب الله وتنظيم القاعدة، وهو بالتأكيد اتهام يتنافى مع الوقائع وكذب يدحضه تبني أميركا لتنظيم القاعدة وتدريبه وتسليحه في أفغانستان بمواجهة الإتحاد السوفياتي.
إضافةً إلى ذلك، يعتبر ماتيس أنّ الرئيس الأسد هو من أطلق الحرب في سوريا، وهو أمر آخر لا يمت للحقيقة بصلة ويتناقض مع منطق توالي الأحداث والمواقف وخصوصًا منها الأميركية المرتبطة بمشروع الشرق الأوسط الجديد،وعماده "الفوضى الخلّاقة"، وهو ما يتماهى مع نظرية "إدارة التوحش" التي تعتمدها الجماعات الإرهابية لتحقيق السيطرة.
بمعزل عن تبعية الجماعات الإرهابية للمخابرات الأميركية، وهو أمر يحتاج إلى الكثير من التفنيد والإيضاح، ولكنه يشكل بالنسبة لنا منطلقًا نبني عليه المواقف بفارق أننا في قلب الصراع كمستهدفين دولًا ومواطنين، ومن يستهدفنا هو الذي أطلق إعادة تجديد آليات وأدوات الهيمنة.
السؤال المطروح الآن وبجدية: هل استكملت أميركا من خلال "داعش" في العراق وسوريا الخطوات الأولى لمشروع التفكيك والتقسيم؟
الجواب: نعم تسير أميركا بخطى مدروسة وبأدوات طيّعة، فـ"داعش" أدّت دورها في تعميم الفوضى، والانفصاليون الأكراد يدغدغهم حلمهم في إقامة كردستان الكبرى أو العظمى بحسب البعض والتي ستشمل في المرحلة الأولى كردستان العراق والأجزاء التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" في الشمال السوري.
حتى اللحظة، استطاعت أميركا أن ترسم خطوط صدّ بمواجهة الجيش السوري وحصلت على قاعدة الطبقة الجوية، وهي من أكبر القواعد الجوية في سوريا كبديل محتمل عن قاعدة أنجرليك التركية حيث تسير الأمور بين أميركا وتركيا من سيء إلى أسوأ.
وفي خيارات داعش وانطلاقًا من التطورات، بات مؤكدًا أنّ انتشار "داعش" الّلاحق باسمه أو أسمائه سيكون حيث يخدم مشروع التفتيت والتقسيم الأميركي، وهنا لا بد من التذكّر أنّ الهدف الأخير لـ"داعش" هو بحسب المخطط الأميركي "الأرض المقدسة" في المملكة السعودية، حيث الخزّان الهائل للنفط، ولكن الوصول إلى الهدف يجب أن يمرّ بتفكيك كل الجوار ومن ضمنه الأهداف اللاحقة المباشرة في تركيا ولبنان والأردن.
الملفت للنظر هو ما نشره موقع "ديبكا" حول توجيه رسائل تحذير أميركية لرئيس الجمهورية اللبنانية حول مخاطر جديّة تنتظر لبنان، وهو أمر لم يتم التصريح عنه ويبقى برأينا مرتبطًا بالتمنيات الصهيونية حيث يلتقي القادة الصهاينة والأميركيين في النظرة والموقف باعتبار حزب الله خطرًا كبيرًا على استقرار الكيان الصهيوني ووجوده والدور الذي يلعبه الحزب في سوريا لناحية عرقلة المشروع الصهيو – أميركي، وهو ما يمكن أن يدفع أكثر من أي وقت الأمور باتجاه خلق صراع في لبنان تتوفر ظروفه بقدر كبير حيث التجاذب المذهبي، وحيث البؤر المحتملة المُحضّرة نفسيًا ولا ينقصها إلّا المال والسلاح اللذَين يمكن توفيرهما بسرعة في حال توفر حملة السلاح.
موقع "ديبكا" أشار إلى الشمال اللبناني ومنطقة صيدا حيث يمكن توفير بيئة ملائمة لحركة الإرهاب قد تكون كامنة في المراحل الأولى ولكنها ستكون بغاية الخطر إذا ما توفّر لها جسم قيادي وحالة تنظيمية، وهو ما سيشكل حالة خطرة خصوصًا أنّ الرسالة التي أرسلها ميشال سليمان وأمين الجميل وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام إلى القمة العربية هي خطوة خطيرة جدًا تضع لبنان في حالة الانقسام، حيث ركّزت الرسالة على رفض المرسلين وجود حزب الله في سوريا وسلاح المقاومة متناسين احتلال "داعش" و"النصرة" لجزء من الأرض اللبنانية وكذلك "إسرائيل".
في الأردن القريبة من المملكة السعودية، لا تحتاج الجماعات الإرهابية كبير عناء في تشكيل قوتها حيث الكثير من الظروف الملائمة وحيث يمكن دفع الأمور نحو الصراع ضمن التوقيت المناسب، إضافةً إلى أنّ الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين بحسب المخطط الأميركي.
وكذلك الأمر في تركيا وسيناء حيث الكثير من التناقضات التي يمكن استثمارها ودفع الأمور فيها نحو الهاوية.
هذه القضايا لا بدّ من مقاربتها تباعًا في بعدها التقني المرتبط بالمتغيرات، وهو ما سنركز عليه في المقالات اللاحقة.
إنّ كل ما تقدّم يرتبط بما ترغب به أميركا وهو لا يعني انه سيحصل، وإن حصل فإنه سيستقر ويثبُت فنحن تكلمنا عن عنصر من عناصر الصراع وهي أميركا وأدواتها، ولم نتكلم عمّا يقوم به المحور المقاوِم للهجمة وهو ما سنخصص له مقالة منفصلة.
ساحة النقاش