<!--
<!--<!--<!--
من اغتال الرئيس الحريري؟
الثلاثاء 14 شباط2017
عمر معربوني - بيروت برس - *ضابط سابق - خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.
لا زلنا نعيش ترددات الزلزال الذي نتج عن اغتيال الرئيس الحريري بكل ما تعنيه معاني توصيف الاغتيال بالزلزال، فالهدفان الرئيسيان من الاغتيال قد تحققا، سوريا خرجت من لبنان والحرب الدامية في العراق وسوريا مستمرة، مع حرب باردة في لبنان لم تنطفئ نارها ولن تنطفئ في المنظورين القريب والمتوسط.
تعددت الآراء ولا تزال في توصيف الخلفية السياسية للاغتيال، وكذلك في التوصيف التقني الذي كان يجب أن يكون منطلِقًا من قواعد البحث الجنائي العلمي دون حشر السياسة فيه، لكن الأمور تسير حتى اللحظة بما يخدم الأهداف الرئيسية للاغتيال.
مئات الشهادات التي صدرت عن سياسيين وإعلاميين وغيرهم، جميعها يبتعد عن الموضوعية ويتركز على خدمة هدف واحد هو إلصاق التهمة بسوريا، حيث تم توفير كل ما يلزم من شهادات لإثبات الأمر،وهو موضوع إذا ما قمنا باستعراضه سيحتاج منا إلى آلاف الصفحات في استعراضه وتفنيده وإجراء التقاطعات حوله، لكنه في النتيجة عاد وتراجع عن اتهام سوريا ليدخل في اتهام آخر يتوجه نحو حزب الله، ويتم توفير كل ما يلزم لهذا الاتهام من شهادات وفبركات في الجانبين التقني والسياسي لا يمكن عبرها اكتمال القرار الظني ببعده القانوني، حيث لا تزال الأمور في بعدها المباشر تتجه نحو الاتهام السياسي، مدعومة بقرائن وأدلة يمكن فبركتها واللعب فيها وعلى رأسها موضوع الاتصالات الذي يقول الخبراء انه يمكن التلاعب به.
منذ اللحظة الأولى للاغتيال، تم توجيه الاتهام لسوريا عبر تصريحات اتخذت فيما بعد طابعًا شعاراتيًا شعبويًا، ليتشكل من خلالها منهجية سياسية واضحة ومنظمة أدّت عبر تراكم الضغطين الشعبي والسياسي الدولي إلى خروج الجيش السوري من لبنان ليتحقق الهدف الأول من الاغتيال، وليتحقق لاحقًا الهدف الثاني وهو خلق مزاج شعبي يعادي سوريا والمقاومة لا يزال مستمرًا ويتصاعد.
الاستخدام والتوظيف السياسي لعملية الاغتيال لم يتوقف ولن يتوقف طالما هذه الحرب المجنونة في المنطقة مستمرة، والتي شكل اغتيال الرئيس الحريري احد اكبر شراراتها، حيث تتم عملية توظيف الاغتيال في تسعير المواجهة في بعدها المذهبي وهو أمر مهما جمّلناه لا نستطيع أن ننكره.
في علوم البحث الجنائي، السؤال الأول الذي يطرحه المحققون هو "من المستفيد؟". سؤال تم طرحه بالفعل ولكنه تركز على جهة سياسية واحدة هي سوريا، واغفل باقي الأطراف المؤثرة الإقليمية والدولية وعلى رأسها أميركا و"إسرائيل" المستفيد الأول مما يحصل في المنطقة، حيث يتقصد الطرف الذي يتهم سوريا عدم الإشارة إلى طبيعة المرحلة التي سبقت عملية الاغتيال، فلا احد من هؤلاء يشير إلى احتلال أميركا للعراق، ولا احد يشير إلى السبب الرئيسي في صدور قانون محاسبة سوريا في الكونغرس الأميركي، ولا إلى الظروف التي أدت إلى صدور القرار 1559. وهنا علينا أن نذكّر بزيارة وزير الخارجية كولن باول إلى سوريا ولقائه بالرئيس بشار الأسد، والطلب منه بصيغة إملاءات تضمنت أكثر من 30 طلبًا على رأسها قطع العلاقة مع إيران ووقف دعم المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، والذي أدّى إلى وقوف الرئيس الأسد وإنهائه للزيارة، وهو ما حصل مع الرئيس إميل لحود أيضا ليتبين السبب الرئيسي في نقمة أميركا ومعها فرنسا على سوريا التي رفضت الانخراط بصيغة "الشرق الأوسط الجديد"، وهي الصيغة التي طرحتها علنًا خلال عدوان تموز 2006 وزيرة الخارجية الأميركية غونداليزا رايس. ولهذا شكّل موضوع التمديد للرئيس لحود عنوان الخلاف ببعده الظاهري، حيث سعت سوريا بعد حصول الصدام مع الأميركيين الى تحصين وجودها، وهو أمر لا يخالف السياسة التي كانت متبعة في لبنان وبرضا إقليمي ودولي حتى شكل لقاء كولن باول بالرئيسين الأسد ولحود بداية الصدام.
إذن، إذا ما قاربنا مرحلة ما قبل اغتيال الرئيس الحريري بشكل شامل لوجدنا أن لا مصلحة مباشرة لسوريا وحزب الله في تنفيذ الاغتيال، حيث اتسمت علاقة الرئيس الحريري بحزب الله في الفترة ما قبل اغتياله بسنتين بالحميمية والتناغم حول اغلب القضايا، سواء في موضوع العداء للكيان الصهيوني والنظرة للمقاومة كعامل أساسي يحفظ لبنان، وهنا أذكّر بما طرحه الرئيس الحريري حول المواءمة بين نموذج البناء والمقاومة وعدم التناقض بينهما في ظل أجواء ضاغطة على لبنان كمكوّن أساسي من مكونات المنطقة. النظرة نفسها كانت تجاه سوريا رغم بعض التباين في مسائل مختلفة، والتي استمر الحوار حولها حتى اللحظة الأخيرة ما قبل الاغتيال.
قد يعتبر البعض أنّ ما أورده هي مبررات إذا ما انطلق من التموضع المسبق ببعده الشعوبي السائد الذي لا يهتم بأي بحث علمي، بقدر ما تم تعويده على التلقي عبر سياق متواصل من التعبئة والتحريض، ولكن علوم السياسة وقوانينها شيء مختلف تمامًا عما حصل ويحصل.
برأيي أنّ مقاربة عملية الاغتيال بالبعد التقني تبقى العامل المفصلي في تحديد الجهة المنفذة للاغتيال، وهو الأمر الذي تم التلاعب به منذ لحظة الاغتيال عبر سيناريوهات مختلفة لا علاقة لها بالقواعد العلمية، وهو ما سأبيّنه عبر تفنيد تقني لمسرح العملية:
1- من المعروف أن أي انفجار ناتج عن عبوة موضوعة داخل سيارة أو على جانب الطريق يولّد قوة عصف باتجاه محدد من الطبيعي أن يتم توجيهه باتجاه الهدف، وهو ما يؤدي إلى:
أ- قذف السيارات المستهدفة نحو الجهة المقابلة لموقع العبوة على شاكلة قوس بحسب توزع قوة العصف الناتجة عن التفجير، إضافةً إلى تغير شكل هياكل السيارات وانبعاجها من الجانب الذي تعرض للانفجار وهو ما لم يحصل، حيث احتفظت السيارات بشكلها ولم تنقذف من مكانها ولم تأخذ شكل القوس في انتشارها، إضافة إلى أن تطاير السيارات باتجاه الأعلى ينفي انفجار العبوة فوق الأرض ويؤكد أن الانفجار حصل من الأسفل إلى الأعلى، وهو ما ينتج عادة عن انفجار قذائف المدفعية والصواريخ مع استبعاد إمكانية وجود العبوة تحت الأرض لعدم إمكانية زرعها في مكان يعج بالناس ويحتاج إلى تحضيرات إنشائية لجهة حفر المكان وزرع العبوة وتجهيزها وأمور أخرى يعرفها الخبراء.
ب- إنّ الحفرة التي تشكلت بنتيجة الانفجار كانت بحجم يقارب 9x15 مترًا وبعمق 3 أمتار، وهو ما يحتاج إلى أكثر من 5 أطنان من المتفجرات في حال كان التفجير فوق الأرض وليس 1000 كلغ كما جاء في تقارير لجنة التحقيق الدولية.
ت- عدم حصول أضرار كبيرة في بناء السان جورج الكبير وتشابه الأضرار وانتشار الشظايا في المبنيين الصغير والكبير للسان جورج، وهي شظايا أصابت المبنيين من الأسفل إلى الأعلى في حين لو كان التفجير عبر سيارة لكانت الشظايا متراكمة في اتجاه محدد.
ث- عدم العثور على القطع الثقيلة للسيارة كالتراسميسيون وعلبة السرعة في أسفل الحفرة وهو ما يحصل عادة في هكذا تفجيرات، والعثور على قطع من السيارة في البحر كما ورد في التحقيقات ما يؤكد وجود فبركة وتضليل متعمدين، مع الإشارة إلى أن قسطل المياه أسفل الحفرة تضررت والتوَت نحو الأعلى ما يؤكد أن القذيفة أو الصاروخ اخترقت التربة وانفجرت لاحقًا.
2- فرضية الاستهداف من الجو بمقاربة موقع الانفجار وما نتج عنه تبقى الفرضية الأكثر دقة، حيث تتوفر مجموعة كبيرة من الأدلة تشير إلى هذه الفرضية منها:
أ- حجم الحفرة وشكلها حيث يمكن لصاروخ جو – ارض من أنواع مختلفة أن يحدث هكذا حفرة وبهذا الحجم، وإذا ما أجرينا مقارنة بين صورة الحفرة في مكان الاغتيال والحفر الناتجة عن القصف الصهيوني في لبنان وغزة لوجدنا تشابهًا كبيرًا يصل حد التطابق باختلاف النتيجة، وهذا ما يؤشر باتجاه نوع المتفجرات المستخدمة حيث أن استخدام المتفجرات العادية بما فيها مادة الـC4 كان سيؤدي إلى أضرار كبيرة بالمباني لم تحصل حيث يرتبط الأمر بسرعة المادة المتفجرة. فالخبراء يعرفون تمامًا أن سرعة مادة الـTNT لا تتجاوز الـ7000 متر في الثانية، وهي سرعة كافية لإحداث دمار كبير، فكلما بطأت سرعة التفجير كلما كانت الأضرار اكبر في حين أن عدم حدوث تدمير كبير يذهب بنا إلى الافتراض أن المادة المتفجرة تجاوزت سرعة الـ20000 متر في الثانية، وهو ما يبرر عدم حدوث التدمير في المحيط.
ب- تولد حرارة عالية في موقع الانفجار أثّر في المعادن الكثيفة ومنها ساعة الرئيس الحريري وحدوث انصهار في صفائح سيارته الفولاذية، وهذا ما يؤكد وجود درجة حرارة عالية لا يمكن للمتفجرات المعروفة أن تولدها.
ت- تقرير المستشفى العسكري الفرنسي الذي عالج النائب باسل فليحان، حيث أشار إلى وجود آثار أشعة على جسده تشبه ما تمت ملاحظته على جثث شهداء غزة وهو ما يؤكد استخدام مادة اليورانيوم المخصب بما لا يدع مجالًا للشك في عملية الاغتيال، حيث يمكن إطلاقها بصاروخ صغير لا يتجاوز طوله المتر أو حتى اقل، وهي صواريخ صنعتها ألمانيا ويمكن إطلاقها من طائرة بدون طيار، وباستطاعة هذا الصاروخ أن يحدث انفجارًا مماثلًا لما حصل في عملية اغتيال الرئيس الحريري.
كان بإمكاني التوسع أكثر والدخول في الكثير من التفاصيل وتأكيدها عبر قواعد البحث العلمي، ولكني اكتفي بهذا القدر مؤكدًا قناعتي بأنه طالما أنّ "إسرائيل" هي المستفيد الأول من الاغتيال وما حصل بعده فلا شيء يمنع من اتهامها، خصوصًا أن شرح الأبعاد التقنية لمسرح عملية الاغتيال يؤكد الأمر ويخرجه من دائرة الفرضية إلى تأكيد قيام "إسرائيل" بعلم وموافقة أميركا باغتيال الرئيس الحريري، طالما أن الأهداف السياسية للاغتيال قد تحققت ويدعمها شرح البعد التقني في العملية.
ساحة النقاش