<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
أردوغان يبحث عن «طوق النجاة» في الخليج لإنقاذ اقتصاده من الانهيار..
الأحد 12 شباط 2017
عبد الباري عطوان - رأي اليوم
بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم (الأحد) جولة خليجية تشمل البحرين والمملكة العربية السعودية وقطر، تهدف إلى تحقيق عدة أهداف سياسية واقتصادية في محاولة لإنقاذ اقتصاد تركيا الذي يواجه أزمات غير مسبوقة تضعه على حافة الانهيار، وكسر الحصار الأوروبي.
التوقيت السياسي لهذه الجولة كان لافتا، مثلما كان لافتا أيضا استثناؤها ثلاث دول خليجية أخرى هي الكويت والإمارات وسلطنة عمان، فالقوات التركية، مثلما أعلن الرئيس أردوغان في مؤتمر صحافي في مطار أتاتورك بأنقرة قبيل مغادرته، على وشك السيطرة على مدينة الباب السورية، والعلاقات بين تركيا وإدارة الرئيس دونالد ترامب الأمريكية مرشحة للتحسن في الأشهر المقبلة على أرضية اتفاق الجانبين على إقامة مناطق آمنة في سورية.
الرئيس أردوغان الذي يملك أنفا شديد الحساسية لتقلبات الأوضاع السياسية في المنطقة، وتركيب تحالفات جديدة وفق توجهات رياحها، يدرك جيدا أن الرئيس ترامب يريد إعادة إحياء محور "الاعتدال" العربي، وتكوين تحالف سني في مواجهة إيران الشيعية، ولهذا سارع بشد الرحال إلى دول الخليج التي ستكون محور هذا التحالف. بمعنى آخر، يريد الرئيس أردوغان أن يقدم نفسه كـ"عمود الخيمة" في هذا التحالف، وان يقدم نفسه وبلاده كبديل لمصر التي باتت أكثر ميولا إلى التحالف الروسي السوري الإيراني، وتتصف علاقاتها مع معظم دول الخليج، والسعودية وقطر خاصة، بالتوتر الشديد لأسباب ليس هنا مكان شرحها.
***
عرض الرئيس أردوغان هذا سيجد آذانا صاغية في أوساط مضيفيه الخليجيين، والسعوديين منهم على وجه الخصوص، الذين يخوضون حربا بالإنابة ضد إيران في ثلاث جبهات هي سورية واليمن والعراق، ولكنه عرض ليس مجانيا، ولا يمكن أن يكون دون مقابل.
التقارير حول الاقتصاد التركي المنشورة في عدة صحف متخصصة مثل "الفايننشال تايمز"، بالإضافة إلى تقديرات صندوق النقد الدولي تؤكد أن "ربيع الاقتصاد التركي انتهى"، وان البلاد مقدمة على كارثة مالية واقتصادية معا، فالليرة التركية في حال انهيار، وفقدت حوالي ثلثي قيمتها في الأشهر العشرين الماضية، ووصلت إلى معدلات غير مسبوقة منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة عام 2002، وأصبحت قيمة الدولار الواحد تساوي أربع ليرات، وفشلت كل تدخلات المصرف المركزي التركي الذي ضخ قبل أيام 1.5 مليار دولار من العملات الصعبة في محاولة لاحتواء هذا الانهيار، يتحقق أهدافها.
صندوق النقد الدولي قال في تقرير له أصدره في بداية هذا العام، "أن الضبابية المتزايدة التي تحيط بالمشهد السياسي التركي، وتراجع السياحة (حوالي 35 بالمائة) وارتفاع مستويات ديون الشركات جميعها تؤثر سلبا على اقتصاد البلاد، حيث من المتوقع أن ينخفض معدل النمو إلى 2.99 بالمائة هذا العام (2017)، بعد أن وصل إلى 10 بالمائة عام 2009، فالبلاد تعيش فوضى سياسية منذ الانقلاب العسكري صيف العام الماضي"، وازدادت بعد حملات الاعتقال التي شملت مئة ألف شخص بينهم نواب ومصادرة الكثير من الحريات التعبيرية.
القطاع السياحي الذي كان يدر على خزينة الدولة حوالي 36 مليار دولار سنويا، هو الأكثر معاناة بسبب العمليات الإرهابية التي استهدفت العاصمتين: السياسية أنقرة، والاقتصادية التاريخية إسطنبول، ويشكل هذا القطاع نسبة 8 بالمائة من التشغيل للعمالة في البلاد، مضافا إلى ذلك أن تركيا، وبسبب الإرهاب، لم تعد الوجهة المفضلة للاستثمارات الأجنبية.
الرئيس أردوغان لا يؤمن بالحلول المطروحة وأبرزها رفع سعر الفائدة لإنقاذ الليرة، لأنه على قناعة بأن الإقدام على هذه الخطوة سيؤدي إلى انخفاض معدلات النمو، ولكن هذه المعدلات تنخفض سواء رفع سعر الفائدة أو لم يرفع. الحلول التي يقترحها الرئيس أردوغان تقول ببيع الأتراك للذهب والعملات الأجنبية وشراء الليرة التركية، ويؤمن إيمانا راسخا بأن هناك مؤامرة دولية ضد تركيا يقودها الغرب، وابرز أسلحتها تخفيض قيمة الليرة التركية، واعتبر أن كل من يحتفظ بالدولار أو اليورو "خائن"، وخرج بنظرية تقول "أن لا فرق بين الإرهابي الذي يمسك بالبندقية في يده، وبين الإرهابي الآخر، الذي يضع الدولار أو اليورو في يده أيضا، لان كليهما يهدفان إلى حرف تركيا عن أهدافها.
في ظل توقعات عديدة بانهيار اقتصادي وشيك، يلجأ الرئيس أردوغان إلى الدول الخليجية طلبا للنجدة، والنجدة التي يريدها هي فتح أسواقها أمام البضائع التركية أولا، وضخ عشرات المليارات من الدولارات كاستثمارات في تركيا، ولكن كيف ستصل هذه البضائع بعد أن أغلقت كل الحدود السورية والعراقية، وبما يمنع وصولها إلى أسواق الخليج برا، وسياساته في التدخل في سورية لعبت دورا كبيرا في هذا الصدد.
***
معظم الدول الخليجية تواجه عجوزات مالية ضخمة هذه الأيام بسبب تراجع احتياطاتها المالية، نتيجة انخفاض أسعار النفط، وباتت تفرض إجراءات التقشف على شعوبها وتقترض من الأسواق المالية والبنوك العالمية، فالسعودية تخوض حرب استنزاف مالي وبشري في اليمن، وقطر مثقلة بالأعباء المالية الإضافية الناجمة عن تكاليف البنى التحتية لمنشآت كأس العالم التي تقدر بنصف مليار دولار أسبوعيا (الكلفة النهائية قد تصل إلى 150 مليار دولار)، هذا إلى جانب أعباء تمويل حلفائها السياسيين في ليبيا ومصر (حركة الإخوان)، وفوق هذا وذاك العجوزات في موازنتها العامة، أما البحرين فوضعها المالي لا يحتاج إلى شرح.
لا نعرف لماذا لم يعرج الرئيس أردوغان على أبو ظبي في جولته هذه، حيث تحسنت العلاقات التركية الإماراتية في الفترة الأخيرة، بعد زيارة الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية إلى أنقرة، التي قيل أنها أعطت ثمارها في إزالة أهم عقبة كانت توتر العلاقات بين الجانبين، وتتمثل في وجود معارضين إماراتيين في إسطنبول (يعتقد أنهم من حركة الإخوان)، ووافقت حكومة أردوغان على إبعادهم من أراضيها إلى جهة مجهولة (يعتقد أنها إما بريطانيا أو قطر)، حسب تقارير إعلامية راجت في الفترة الأخيرة، وجرى التكتم عليها.
الرئيس أردوغان خسر العراق وإيران اقتصاديا، مثلما توترت علاقاته مع الاتحاد الأوروبي على أرضية نتيجة أزمة اللاجئين السوريين، فهل تكون دول الخليج هي البديل المعوض؟
لا نملك غير الانتظار، فالجولة في بدايتها، وان كان لدينا الكثير من الشكوك، فإذا كان من الصعب علينا التنبوء بمواقف الرئيس أردوغان سريعة التغير، وصمود تحالفاته بالتالي، فإننا نرى أن الدول الثلاث التي سيزورها لا تملك "طوق النجاة" الاقتصادي وربما السياسي الذي يبحث عنه، وإنما بعض الوعود "التحذيرية".. والله اعلم.
ساحة النقاش