<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
ما الذي حققه حزب الله من دخوله الحرب في سوريا؟
الجمعة 27 كانون الثاني 2017
الشيخ الدكتور صادق النابلسي - الأخبار
أربعة أعوام على انخراط حزب الله الفعلي في الحرب الدائرة في سوريا. أربعة أعوام حافلة بالتحدّيات والتحوّلات والإنجازات والاستعداد للمخاطرة بالكثير من الدم والأعباء.
أربعة أعوام أعادت تشكيل التوازن في مواجهة الفوضى الميكانيكية التي أحدثتها الحرب على سوريا، حيث أبطل حزب الله وحلفاؤه خلالها، ظروف المشروع الضخم، الذي كانت له غائية حادّة أبعد من إسقاط النظام، تطال بتداعياتها الجغرافيا والتاريخ والثقافة والاقتصاد والدين ومعادلات الأمن والسياسة، والتي أُريد لها أن ترسو على أطروحة جيوبولتيكية جديدة تترجم أهواء ومصالح القوى المعادية، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية التي نظّر مفكروها الاستراتيجيون منذ انتهاء الحرب الباردة بضرورة تأسيس نظام دولي جديد يقوم على أنقاض (وستفاليا)، وميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي. وقد تكون عبارات بعضهم مثل: “ليس من حل وسط لأميركا. إما النصر وإما الإبادة” لها أكبر الدلالة على النزعة التسلّطية، وخطابات السيطرة المطلقة، والذرائعية الفجّة في استخدام القوة وتبرير الحروب والتي يحلو لـ(هنري كسينجر) أن يصفها بأنها “مبدأ ثوري”!
تبنّي رؤية عنفيّة للأمن من قبل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، ثم صياغة ترسيمات استراتيجية أُحادية، جعل الأزمات بين دول العالم أكثر شدّة وتعقيداً، والأسوأ منها وقع في المنطقة العربية المليئة بالتناقضات والانشطارات الثقافية والسياسية. ومن يراقب صورة المنطقة يجد أنّ الضعف الممأسس في البنيات العربية التقليدية، والجبن الذي يظهر أمام كل حملة غربية استعمارية سواء كان اسمها “سايكس- بيكو” أو “الربيع العربي” يطال بعمق النخب الحاكمة والمجتمعات المستسلمة لقدرها ومصيرها الأسود، والتي تعاطت بانهزامية وضعف، بدل الاعتماد على النفس والثقة بالإمكانات الهائلة التي بحوزتها في مواجهة النزعة النيو ـ كولونيالية الجديدة.
منطقة تتهاوى، وميدان مفتوح على مخاطر وجودية حقيقية، وفوضى عارمة رّتبت آثاراً مشؤومة على المجريات الدرامية للأحداث، وتهديدات توشك أن تصل إلى عقر دار الحزب في لبنان، هي التي حرّكت حزب الله للتدّخل الجراحي الاستباقي الوقائي. الحزب، ما كان بمقدوره، أن يساوي نفسه بمواقف المنحنين للعاصفة، فكان تدّخله في أرض الخطر السورية ولو تجاوز في ذلك اعتبارات السيادة، أمراً تفرضه متطلبات الأمن اللبناني، وضرورات البقاء على قيد الحياة.
خمد التوتر قليلاً مع بعض الجهات اللبنانية لكنّه لم يزُل نهائياً
على كل حال مرّت هذه السنوات التي استثارت جدلاً واسعاً في الأوساط المحلية والإقليمية والدولية، لا لشيء إلا لأنّ هذا التدّخل أفشل مخططات، وأبطل طموحات، وأربك حسابات، وأحبط سياسات سعت إلى تشكيل مجال إقليمي جديد تحكمه قوة فائقة اسمها “إسرائيل”. فما الذي حققه حزب الله طيلة هذه السنوات:
أولاً: على المستوى العسكري
بحسب التعريف الذي جاء في قاموس لاروس فإنّ: “الحرب هي اللجوء إلى القوة المسلحة لحل وضع متأزم بين مجموعتين، منظمتين، أو أكثر: عشائر، مجموعات.. تقوم بالنسبة إلى كل واحد من المتخاصمَين على إخضاع الآخر لإرادته”. وبناء على هذا التعريف، فقد حقق حزب الله في المناطق التي خاض فيها مواجهات مع خصومه عدداً من النتائج منها:
أ-إخضاع خصومه لإرادته بالقوة والانتصار عليهم إمّا على نحو حاسم كما في معركة القصير، وإمّا بإرغامهم على إلقاء أسلحتهم والاعتراف بالهزيمة كما حصل في معركة حي الخالدية في مدينة حمص، وإما بالموافقة على إجراء تسوية كما هي الحال في معركة حمص القديمة التي انتهت بتسوية قضت بإخراج المسلحين من الأحياء القديمة بإشراف الدولة السورية والأمم المتحدة.
ب-شلّ قدرات الخصوم والضغط على معنوياتهم من خلال بث الرعب الفكري والنفسي وتيئيسهم من المبادرة إلى استعادة ما خسروه لأنّ الأهداف إما ستكون في وضعية الموضوع المبهم أو المستحيل إنجازه.
خوض المعارك التي لها قيمة استراتيجية والانتصار فيها مثل: القصير وحلب.
الردع وهو أسلوب اعتمده حزب الله لردع المعتدين من الدخول على بعض المناطق كقريتي (كفرية والفوعة) في محافظة إدلب، والتهديد باستخدام أقصى الإجراءات لدفع العدو لتغيير مقاصده.
استخدام الحد الأدنى من العنف الضروري في المناطق التي يعرف أنّ خصومه لا يملكون القوة الكافية لمواجهته، فاللّاتوازن في القوى يتطلب دقة متناهية في استعمال القوة لأنّ الغرض إرغام العدو على الانكفاء والاستسلام.
تطوير القدرات الهجومية لإملاء أفضل الظروف خلال الاشتباك مع العدو.
اتباع الأساليب والقواعد التي لا تواتي العدو، واتخاذ الترتيبات الضرورية لإفساد خطط العدو.
رشاقة التشكيلات وحيويتها وديناميكيتها العالية ومهاراتها القتالية واستعدادها الدائم لتنفيذ المهمات. إذ ما زال الحزب يعيد تنظميها وهيكلتها بين الحين والآخر لخوض عمليات معاصرة أكثر تعقيداً.
القدرة السريعة على التكيّف مع التطورات الميدانية ومراقبة التغيّر في أهداف العدو، وابتداع استخدامات جديدة للأسلحة وأشكال التنظيم على مسرح الحرب.
خوض نموذج مختلف من الحروب عززت من خبرات وتجارب عناصر الحزب المدفوعين بروح المبادرة، والتصميم على التحرك في أي نطاق عملياتي تطلبه منهم قيادتهم.
نشر الحزب قواته على مساحة واسعة بين سوريا ولبنان بعدما كانت مقتصرة على مناطق محددة من لبنان. ثم إنّ النشر لم يعد يحمل وظيفة تكتيكية فقط بل تعدى ذلك إلى الوظيفة الاستراتيجية.
ثانياً: على المستوى الاستراتيجي
منع تحويل سوريا إلى قاعدة استراتيجية للولايات المتحدة الأميركية.
منع تقسيم سوريا بين شركاء العدوان.
منع تحويل سوريا إلى مرتكز وملاذ للتكفيريين في العالم.
منع إسقاط الدولة السورية في إطار صياغة جيوبولوتيكية جديدة للمنطقة.
منع (إسرائيل) من تجيير عائدات الحرب في سوريا لصالح تفوقها الاقتصادي والاستراتيجي.
منع (إسرائيل) من قطع طرق الإمداد الرئيسي للمقاومة أو تحويل الأراضي السورية إلى مصدر تهديد دائم للمقاومة.
منع عملية فكّ العلاقة بين محور المقاومة من خلال كسر الحلقة السورية، وإسقاط النظام وتركيب نظام بديل منه.
إحباط المحاولة الإسرائيلية الهادفة إلى تحويل منطقة الجولان السورية إلى شريط حدودي خاضع لإرادتها، على غرار الشريط الذي أقامته في جنوب لبنان حين ساندت الضابطين اللبنانيين المنشقّين سعد حداد وأنطوان لحد وأسست لهما ميليشيا عُرفت بـ(جيش لبنان الجنوبي).
منع إسقاط القضية الفلسطينية من البوابة السورية.
وفي المقابل تحوّل حزب الله بدخوله إلى سوريا إلى قوة فاعلة تضطلع بدور أكبر على الساحة الإقليمية.
تعزيز ترسانته العسكرية من الناحيتين الكمية والنوعية وتوسيع دائرة انتشارها في كل من سوريا ولبنان. يحسن التذكير هنا بما صرح به مستشار الأمن الإسرائيلي السابق الجنرال يعقوب عميدور بأنّ “القوة النارية، لحزب الله، نادرة جداً، وربما هي توازي ما لدى جميع الدول الأوروبية معاً”.
المساهمة مع بقية المكونات في محور المقاومة في ابتداع نظام إقليمي مختلف في إطار بناء توازن دولي أكثر تماسكاً وعدالة.
المساهمة مع حلفائه في تطوير سياسية أمنية مشتركة لمواجهة وإدارة الأزمات في المنطقة.
العمل بقوة أكبر على تطوير القدرات الصاروخية التي تصل إلى مديات تطال معظم المنشآت العسكرية الصناعية الإسرائيلية.
العمل على تقوية التكنولوجيا الدفاعية ومن ضمنها برنامج الطائرات بدون طيار.
المساهمة في إعادة تنظيم العلاقات والتوازنات بين محور المقاومة، العضو الفاعل فيه، ومراكز القوى الإقليمية كالسعودية وتركيا.
17.أثبت حزب الله أنّه قوة عسكرية مسؤولة ومدركة للترابط بين المجالين السياسي والاستراتيجي ومصلحة لبنان وسوريا والقضية الفلسطينية بل مصلحة كل شعوب المنطقة في ذلك، إذ لا يمكن تحقيق هدف استراتيجي عسكري من دون غرض سياسي واضح.
ثالثاً: على المستوى اللبناني الداخلي
إبعاد الحرب عن الساحة اللبنانية باستباق التهديدات التكفيرية الإرهابية.
منع انتقال مفاعيل الأزمة في سوريا إلى لبنان. أي تعطيل نشوب حرب أهلية أخرى.
الحفاظ على وحدة لبنان وأراضيه وسيادته.
إسقاط طموحات الجماعات الإرهابية بجعل لبنان بلد “نصرة” و”جهاد”، أو بإقامة إمارات إسلامية داخل الجغرافية اللبنانية، أو تحويل لبنان كله إلى ولاية من ولايات “داعش”.
إفشال مخططات الفتنة والتقسيم التي كانت تطمح لها دول إقليمية.
تخفيف وتيرة الصواريخ التي كانت تطلق على بعض المناطق اللبنانية الحدودية ثم إيقافها بنحو كامل، وتالياً السيطرة على مناطق كانت تخرج منها السيارات المفخخة.
تبديل الصورة المسيطرة في أذهان كثير من اللبنانيين باتجاه أنّ ما قام به رجال حزب الله في سوريا هو ضرورة وطنية أكيدة لصالح اللبنانيين وأمنهم واستقرارهم.
حماية مؤسسات الدولة وتأمين الاستمرارية التاريخية لها.
حماية إنجازات المقاومة وتضحيات المقاومين في وجه العدو الإسرائيلي وفي مواجهة الإرهابيين التكفيريين في سوريا من خلال انتخاب رئيس للجمهورية حليف للمقاومة هو العماد ميشال عون.
إظهار مصداقية الوعود التي أطلقها الأمين العام للحزب بأنّ هدف الدخول إلى سوريا القضاء على الإرهاب ومنع تمدده إلى الساحة اللبنانية.
إظهار الحزب الحرص على كسب المواجهة مع العدو التكفيري من دون تحميل الدولة والمجتمع اللبناني تبعات مالية وبشرية.
خلاصة
بعد أربع سنوات تقريباً من تدّخل حزب الله في سوريا أُحبِط أعداؤه والمعترضون على حد سواء. خمد التوتر قليلاً مع بعض الجهات اللبنانية لكنّه لم يزُل نهائياً. خفتت حدة الاعتراضات الأوروبية التي بدأت تتفهم دوافع الحزب للتدخّل وتحديداً بعد تهديد الإرهاب قلب أوروبا، لكنّها في الوقت نفسه تريد تقليص دور الحزب وانخراطه في أزمات المنطقة خصوصاً أنّ قوّته العسكرية المستخدمة باتت أكثر تعقيداً وأكثر استراتيجية.(إسرائيل) التي كان قصدها الاستراتيجي من الحرب الدائرة في سوريا إسقاط النظام، وإنشاء الفوضى وجعلها حالة مستقرة في المجتمع السوري، أو خلق حالة يتمّ فيها تغيير سلوك الدولة السورية الداعمة لحزب الله، وصولاً إلى هدف حصاره والقضاء عليه، وجدت أنّ الحزب أطلق العنان لمقادير هائلة من القوة، وباتت طموحاته العسكرية مرئية وأكثر هولاً على وجود إسرائيل التي تولّدت لديها مشاعر مزدوجة من الحذر والإقدام على حرب جديدة معه، وبالتالي فإنّ ما بدا خلال الأشهر الأولى ثم السنوات اللاحقة من تطورات ميدانية وسياسية لصالح (إسرائيل) تبدّد وحقق بالضبط نتيجة معاكسة جاءت لصالح حزب الله، وإن كانت الكلفة البشرية التي دفعها عالية ولكنّها عند إجراء جردة حساب سيتبين أنّ الحصيلة الإجمالية تقول إنّ مكاسب حزب الله السياسية الداخلية، والعسكرية والاستراتيجية من تدّخله في هذا تفوق بأضعاف خسائره البشرية. بعد هذه السنوات فإنّ الحقيقة العلمية تثبت أنّ قرار التدّخل في الحرب السورية كان قراراً يتسم بالفطنة والنباهة والحدس الشديد. فحزب الله الذي أُريد له أن يكون محاصراً في بقعة جغرافية محددة أصبح اليوم على أرض مترامية الأطراف وداخل العديد من الدول العربية. وحزب الله الذي أُريد تحجيم قوته بات في موقع المعرقل لمشاريع، والحاسم لمعارك، والمغيّر لمعادلات، والمثبّت لتوازنات.
ولا شك أنّ النخبة الحاكمة في لبنان باتت تدرك أكثر من ذي قبل أنّ حزب الله حقق مصلحة وطنية حيوية وأكيدة من تدخله ولولا ذلك لكان الكيان اللبناني برمته في دائرة التهديد وخطر الزوال، بل إنّ العديد من الدول والأمم ترى هذا التدخل خيراً للبشرية، وحماية للأمن وصوناً للسلم، لا يقدر بثمن!
ساحة النقاش