<!--
<!--<!--<!--
وقف إطلاق النار في سوريا بين السلبيات والإيجابيات
الخميس 29 كانون الأول 2016
عمر معربوني - بيروت برس - *ضابط سابق - خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.
قد تكون المرّة الأولى التي أشعر فيها أن هناك نوعًا من اللاتوازن في اتفاق وقف إطلاق النار الذي تضمنه كل من روسيا وتركيا في سوريا، حيث جاء هذا الاتفاق ضمن توقيت لا يتلاءم مع حجم الانتصار الذي تحقق في حلب، ولم يعكس بشكل جدّي حقيقة موازين القوى التي نتجت عن تحرير الأحياء الشرقية، اللهم إلا إذا كان وراء الأكمة ما وراءها. فنحن هنا نقارب الاتفاق في الشكل، وحيث توجد الكثير من المتناقضات في تصريحات الجهات المعنية حول مضمون الاتفاق الذي نفت فيه أكثر من جهة ممثلة لـ"الجيش السوري الحر" استثناء جبهة النصرة من الاتفاق واعتبار التصريحات التركية حول استبعاد الجهات التي تعتبرها الأمم المتحدة كالنصرة جماعات إرهابية مجرد كلام يندرج ضمن اعتبارات سياسية وقانونية، وهو كلام جاء على لسان المقدم فارس بيوش مسؤول العلاقات السياسية في "جيش إدلب الحر"، وهو الكلام نفسه الذي جاء على لسان المستشار القانوني لـ"الجيش السوري الحر" أسامة أبوزيد.
على مستوى الاتفاق بحد ذاته، لا يمكن لعاقل أن يرفض اتفاقًا يحد من إراقة الدماء ووقف الدمار وهو الأمر الطبيعي في البعدين الأخلاقي والإنساني، ولكن المسألة برأيي لا ترتبط بهذين البعدين، فتركيا المكرهة بعد سلسلة الانتصارات التي حققها الجيش السوري ترى مصلحتها في تحقيق مكاسب سياسية تتعلق بأمنها القومي يستطيع الروس تأمين ضمانات ترتبط بالأمر مقابل تنازلات تقدمها الجماعات المرتبطة بتركيا، حيث لا يشكل اتفاق وقف إطلاق النار إلا مجرد بداية للدخول في مفاوضات يرغب الروس بشكل أساسي أن تؤدي إلى تسوية سياسية أراها بعيدة المدى في المنظور القريب حيث ستمر مسارات التسوية بالكثير من حقول الألغام.
القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة في سوريا أصدرت بيانًا تعلن فيه وقف إطلاق النار مستثنية داعش والنصرة من هذا الوقف ومن يرتبط بهما من الجماعات الإرهابية، وهذا البيان يعني التزام سوريا وحلفائها بما تم الاتفاق عليه بين تركيا وروسيا، وهو يعكس الرغبة الدائمة لدى الدولة السورية بتحقيق تسوية سياسية تُخرجها من دائرة الحرب، رغم الحذر الشديد من المفاعيل السلبية لاتفاق وقف إطلاق نار تمثل تركيا جانبًا منه.
بحسب ما تم إعلانه، فإنّ سبع جماعات أساسية وقعت على الاتفاق وهي: أحرار الشام – جيش الإسلام – فيلق الشام – جيش المجاهدين – جيش إدلب الحر – الجبهة الشامية – حركة نور الدين زنكي، ويبلغ مجموع المسلحين فيها حوالي 60 ألف مسلح بحسب ما جاء في تصريحات لوزارة الدفاع الروسية.
في البعد السياسي، لا اعتقد أن وقف إطلاق النار سيتم الالتزام به من الجانب المعادي للدولة السورية نظرًا لحجم التداخل الكبير بين الجماعات التي وقعت الاتفاق وجبهة النصرة التي تمتلك هامشًا كبيرًا يمكنها من خلاله التحرك ضمن مساحات كبيرة تضمها إلى جانب الجماعات، وهو برأيي هامش تعمدت تركيا الإبقاء عليه للحصول على مزيد من المناورات السياسية، وما تصريح جاويش أوغلو المرتبط بعدم إمكانية تحقيق عملية سياسية انتقالية بوجود الرئيس الأسد إلا رفعًا لسقف المفاوضات، وهو ما تتمسك به الجماعات الموقعة على الاتفاق والتي تتحرك برعاية تركية مباشرة.
في المقابل، اعتقد أن الجانب الروسي يتجاوز بطرحه للاتفاق ساحة الصراع السورية لتحقيق مكاسب ترتبط بوضع روسيا الجديد في الشرق الأوسط، ومحاولة كسب تركيا كشريك في حلف أوراسيا الذي ترى فيه روسيا تأمينًا لمجالاتها الحيوية على المدى البعيد، رغم قناعتي أن تركيا التي تعودنا على مناوراتها وخداعها تحاول استخدام روسيا للضغط على أميركا بنفس الوقت الذي تحاول أن تستخدم فيها الأميركيين للضغط على روسيا، وهي ورقة قوة بيد الأتراك للأسف. فروسيا لم تكن مضطرة للتخلي عن اعتبار جيش الإسلام جماعة إرهابية، وهو الذي استهدف ويستهدف سفارتها في دمشق بالقذائف حتى بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار الذي لم يدخل بعد حيز التنفيذ، وكذلك حركة أحرار الشام التي شاركت منذ ساعات بقصف حلب بعشرات القذائف وهو ما جعلني اكتب في بداية المقالة "إلا إذا كان وراء الأكمة ما وراءها"، حيث يكثر الغموض حول التفاصيل المرتبطة بالاتفاق وهو الأمر الذي ترك مجالًا من التشدق لممثلي "الجماعات المسلحة" حول قضايا سياسية يفترض أنها مؤجلة إلى حين الدخول في مرحلة المفاوضات، وهي المرحلة التي ستستغرق شهرًا من الآن إذا ما نجح وقف إطلاق النار الذي أستبعد نجاحه وأخشى أن تكون مهلة كافية تتيح لهذه الجماعات رص صفوفها، خصوصًا أن رأس الهرم السياسي في تركيا واعني به أردوغان قال حرفيًا في سياق ترحيبه بوقف إطلاق النار انه سيواصل الحرب على تنظيم داعش والجماعات الإرهابية، في إشارة إلى القوات الكردية وليس جبهة النصرة التي لم ترد على لسان احد من المسؤولين الأتراك.
سياسيًا أيضًا أخشى أن تكون روسيا قد وقعت في خديعة جديدة حيث التكرار ذاته لسيناريو الاتفاق مع الأميركيين في شهر شباط الماضي وإعلانها عن تخفيض قواتها، وهو الأمر نفسه تكرر اليوم على لسان المسؤولين الروس، فهل هو استعجال من روسيا أو ثعلبة سياسية لكسب المواجهة بالنقاط؟
عسكريًا، سنعلم في الأيام القادمة من سير العمليات على الجبهات إذا ما كانت العمليات ستتوقف في مناطق سيطرة جبهة النصرة أو لا، وهي أماكن معلومة وليست مجهولة وهو ما ستؤكده أو تنفيه الأيام القادمة.
إذا ما قاربنا الأمر ضمن مسمى الصفقة وهو أمر تفعله الدول ولا تُظهر منه في بداياته إلا القليل حرصًا على انجاز الموضوع، فنحن أمام مسار طويل ومعقد ومتداخل يرتبط بشق من الحرب في سوريا حيث اعتبرت جماعات الجبهة الجنوبية أن اتفاق وقف إطلاق النار لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد كونها لم تتمثل في الاجتماعات التي أفضت للأمر، وهذه الجماعات بالمناسبة تابعة للسعودية التي لم يصدر عنها موقف واضح حول ما يحصل حتى اللحظة، إلا إذا كانت السعودية ممثلة في تركيا عبر جيش الإسلام المحسوب عليها وهو ما لم يتم الإعلان عنه.
ويبقى أمر هام جدًا، إذا ما كانت المسألة صفقة أن تركيا قد تطيح بكل جماعاتها إذا ما تأمنت مصالحها الاقتصادية والسياسية عبر ترك الهامش لتصفية حسابات قاسية بين النصرة والجماعات الأخرى، وهو الأمر الذي بات متاحًا أكثر وقد يصل الأمر بالتدرج إلى حد مشاركة تركيا روسيا وسوريا بتوجيه ضربات لهذه الجماعات إذا ما تعذر الوصول إلى مرحلة المفاوضات المقررة في الأستانة، وهي مفاوضات تتطلب وجود أميركا والسعودية برأيي حتى تصل إلى مستوى مقبول من النجاح.
من المتعذر على احد لا يعرف تفاصيل ما حصل في تركيا وأدى إلى قرار وقف إطلاق النار أن يعطي رأيًا حاسمًا، ولا يسعه إلا الانتظار أيامًا وربما أسابيع ليتبين الخيط الأبيض من الأسود، وهو ما ستنبئ به أحداث الميدان حصرًا.
وبين تحليل هذا وذاك، يبقى أن الأمر الثابت والذي يجب عدم التهاون فيه هو رفع جهوزية وحدات الجيش السوري رغم الضمانات الروسية والتركية، فإن كنا نعتبر روسيا حليفًا فإن الأتراك حتى اللحظة يعلنون عداءهم ولا يمكن الركون لمواقفهم إلا بعد إثباتهم العكس، وهو موضوع مرهون بالوقت لتبيان مصداقيتهم من كذبهم.
ساحة النقاش