<!--
<!--<!--<!--
اليوم ليس يوم الاحتفال ولا الشماتة ولا العتب.. اليوم يجب ان يكون بوم بناء حلب الجديدة
الأربعاء 14 كانون الأول 2016
عبد الباري عطوان - رأي اليوم -
ليس هذا وقت الاحتفال.. فلم ينتصر احد، والهزيمة للجميع دون أي استثناء.. فالضحايا هم أهلنا أيا كانوا في سورية، في أي معسكر يقفون.. حلب مدينتا، والدمار الذي أصابها في شمالها وجنوبها، شرقها وغربها.. سيظل شاهد على المؤامرة التي استهدفت هذا البلد العربي والمسلم وشعبه لأنه يملك الجينات الحضارية والإمبراطورية، وارثا إنسانيا يمتد لآلاف السنوات.
الذين خذلوا حلب.. وتخلو عنها في ذروة أزمتها.. وباعوا شعبها وعدالة مطالبه، وتآمروا مع الاستعمار الغربي الذي لا يرد لهذه الأمة، وهذه العقيدة إلا الدمار.. هؤلاء الذين يتحملون المسؤولية الأكبر عن الموت والدمار والخراب.. وهؤلاء هم الذين يجب أن يحاسبهم الشعب السوري وكل الأمة العربية.
كيف صدق أبناء الشعب السوري تجار الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والحريات المزورين الذين حرموا شعوبهم من كل هذه القيم، وحولوا سورية إلى ميدان للفتنة الطائفية والعرقية لإشفاء غليلهم، والتنفيس عن أحقادهم، ونزعاتهم الانتقامية.
***
نراهم يديرون وجههم عن حلب، وعن المستغيثين من أهلها المخدوعين، المحاصرين المجوعين، هم وسيدهم الأمريكي، الذي يجيد فن الخداع والكذب والتضليل وبيع الوهم.
حلب أوصلها إلى هذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في التاريخ الحديث أمراء الفصائل، الذين كانوا يتطلعون إلى السلطة ومغرياتها والمال الحرام القادم من عواصم الهوان والذل، وباتوا “أدوات” في يد من يدعم ويريد الدمار والخراب لهذا البلد الكريم العزيز، وأهله الذين فتحوا قلوبهم قبل بيوتهم لكل من هو عربي ومسلم يبحث عن الملاذ الآمن، وتعايشوا مع بعضهم البعض دون تفرقة أو تمييز، وخاضوا كل حروب الأمة ضد الاستعمار، والغطرسة الإسرائيلية، وقدموا مئات الآلاف من الشهداء.
اليوم ليس يوم الاحتفال، وإنما يوم التسامح.. يوم الغفران.. يوم المصالحة الوطنية، والترفع عن كل الأحقاد والثأرات.. اليوم هو يوم الاستفادة من الدروس المؤلمة والتطلع إلى الأمام إلى المستقبل.. إلى إعادة الإعمار الإنساني قبل الإعمار الحجري حتى تنهض سورية الجديدة المتصالحة من وسط الدمار والخراب ولكل أبنائها على أرضية المشاركة والتعايش والغفران والمحبة.
لا تسألوا أين تركيا.. ولا أين أمريكا.. ولا أين السعودية.. ولا أين قطر.. لا تسألوا أين الأمم المتحدة.. ولا أين مجلس أمنها.. ولا أين أوروبا.. فلن يجيبكم احد.. لأنهم تركوكم تواجهون مصيركم وحدكم.. ومعهم كل شيوخ الفتاوى الطائفية وفتنها.
اليوم ليس يوم الشماتة.. ولا يوم العتاب ولا تبادل الاتهامات.. اليوم هو يوم البدء في تضميد الجراح.. النفسية قبل الجسدية.. وترميم الشروخ الغائرة بفعل ستة أعوام من التحريض والخداع والتأليب على الآخر، ابن البلد الواحد.. والعقيدة الواحدة.
***
من خدع حلب وأهلها والشعب السوري كله هم من خدعوا العرب قبل مئة عام وجزءوا بلدانهم.. وقدموا فلسطين وأقصاها هدية للعصابات الصهيونية، ونحن لا نتحدث هنا عن “الدمى” التي سهلت تنفيذ اتفاقات “سايكس بيكو” الأولى، وكادوا ينجحون في تطبيقها في صيغتها المحدثة الثانية.. هؤلاء “النواطير” الذين لا يسعون إلا إلى متعهم وبذخهم.. ولا تهمهم هذه الأمة وعقيدتها من قريب أو بعيد.
كنا.. وما زلنا.. وسنظل مع سورية الموحدة.. المتعايشة.. ومع أهلها بجميع طوائفهم وأعراقهم ومذاهبهم.. ونحن على ثقة أن الشعب السوري المبدع الخلاق المتسامح سيتجاوز كل المحن.. وينهض مجددا من وسط الركام ويعيد بناء بلده.. ويفاجئنا بسورية ديمقراطية جديدة مختلفة، دعائمها العدالة الاجتماعية والحريات واحترام حقوق الإنسان، تستعيد دورها ومكانتها إقليميا ودوليا.. والأيام بيننا.
ساحة النقاش