<!--
<!--<!--<!--
ما هي الأسباب التي عجلت بانهيار جبهة حلب الشرقية؟ ولماذا هاجم المحيسني بشراسة الفصائل المدافعة عنها؟
السبت 10 كانون الأول 2016
عبد الباري عطوان - رأي اليوم -
أكد سيرغي رودسكوي المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية اليوم الجمعة أن قوات الجيش السوري سيطرت على 93 بالمائة من حلب الشرقية ، واستعادت أكثر من 53 حيا من أحيائها، علاوة على نزوح عشرة آلاف شخص في الساعات الـ 24 الماضية، وباتت المعارضة المسلحة التي تضم المقاتلين من عدة تنظيمات أبرزها جبهة "فتح الشام"، النصرة سابقا، وأحرار الشام، وجماعة نور الدين زنكي، والجبهة الشمالية، محاصرة في ثلاثة أحياء فقط، وأكثر من ألف من مقاتليها رفعوا الرايات البيضاء والقوا أسلحتهم.إذا صحت هذه المعلومات، وهي تبدو صحيحة، فان هذا يعني أن هذه بداية النهاية، إن لم تكن النهاية نفسها لوجود "الجهاديين" والمعارضة المسلحة في مدينة حلب، ولكن من السابق لأوانه القول أنها نهاية الحرب كليا.الجيش السوري سيستعيد حلب الشرقية بصورة كاملة في غضون 48 ساعة المقبلة سلما أو حربا، سلما باستسلام المسلحين، وقبولهم مغادرة المدينة بعد إلقاء سلاحهم، وفق تفاهمات أمريكية روسية، أو حربا لان لا فائدة من استمرارهم في القتال، خاصة أن القصف الجوي للأحياء التي يتواجدون فيها جرى استئنافه اليوم الجمعة بعد هدنة استمرت يوما واحدا لإخلاء بعض الجرحى إلى تركيا، أو أي مناطق أخرى، غير إدلب التي لم تعد آمنة.
***
روبرت كولفيل المتحدث باسم مجلس حقوق الإنسان ومقره جنيف، أكد أمرين على درجة كبيرة من الخطورة يوم أمس: الأول، تلقي مجلسه تقارير تفيد بأن مجموعات من المعارضة المسلحة تمنع مدنيين يحاولون الفرار بأرواحهم، والثاني، أن مسلحين من كتائب أبو عمارة و"فتح الشام" (النصرة)، خطفوا عددا من المدنيين الذين طالبوا المعارضة بمغادرة مناطقهم حفاظا على أرواح المدنيين وقتلوا بعضهم، واختفى البعض الآخر.هذه التقارير غير مستغربة، أو مستبعدة، إذا وضعنا في اعتبارنا أن صدامات دموية وقعت بين هذه الفصائل قبل أيام للسيطرة على بعض مناطق النفوذ، وسقط فيها عشرات القتلى والجرحى، وتضمن الشريط الأسبوعي للداعية السعودي عبد الله المحيسني الذي بثه على قناته على "اليوتيوب" هجوما شرسا على هؤلاء المتحاربين فيما بينهم، بينما تقصفهم الطائرات الروسية من الجو، واتهمهم بالفساد، وعدم الرغبة في القتال.من الواضح أن المعارضة المسلحة المتمركزة في حلب الشرقية فقدت الرغبة في القتال،حسب تقارير غربية، وتأكيدا لما قاله الشيخ المحيسني، وهذا ما يفسر سقوط الأحياء مثل أحجار الدومينو في يد قوات الجيش السوري، مثلما أكدت هذه التقارير نفسها انه تم العثور على كميات هائلة من السلاح والذخائر والأدوية والطعام في مخازن هذه الفصائل التي استولى عليها الجيش السوري بعد انسحابهم تكفي للقتال لعدة أشهر على الأقل.يمكن فهم هذه التطورات الميدانية غير المفاجئة لو وضعنا في اعتبارنا حقيقة جوهرية، أن أهالي حلب رفضوا منذ البداية الانضمام إلى "الثورة" السورية، بشقيها المدني والمسلح لعدة أشهر، وفضلوا وأقرانهم في العاصمة دمشق الوقوف على الحياد، وهذا ليس مستغربا منهم، لعقليتهم التجارية والاقتصادية، وميلهم أكثر للاستقرار، وكونهم يمثلون احد المراكز الحضرية الأساسية في سورية، ولكن الإسلاميين وسكان الأرياف فرضوا عليهم الحرب، بتحريض من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ودعمه، الذي لم يخف طموحاته في ضم كل من حلب في سورية، والموصل في العراق إلى تركيا، وجرى توزيع ونشر خريطة جديدة تضم هذه المناطق، كجزء من "تركيا الجديدة".احد العائدين من دمشق، وهو زميل صحافي، أكد لنا أن التحضير للاحتفالات باستعادة حلب بدأت فعلا، وان هناك أنباء عن وصول اكبر أوركسترا روسية للمشاركة فيها، علاوة على أكثر من عشر فرق للفولكلور الشعبي باتت جاهزة للطيران إلى المدينة ومعها العديد من نجوم الغناء والموشحات الحلبية، وعلمنا أن قناة "الميادين" المقربة من محور "الممانعة" أرسلت فريقا إلى حلب لبث برنامجها التحليلي الشهير "المسائية" من قلب القلعة الحلبية الشهيرة على الهواء مباشرة، كمؤشر على الأمن والاستقرار، وعودة الحياة الطبيعية إلى المدينة.
الزميل نفسه قال إن مطاعم العاصمة ممتلئة بالزبائن، والطرق الرئيسية في حال ازدحام خانق من كثرة السيارات، ومعنويات السكان مرتفعة جدا، وان رجال أعمال عرب وأجانب بدئوا يتوافدون إلى دمشق، وتغص بهم فنادقها، بحثا عن صفقات وعقود، وهي ظواهر لم تكن موجودة قبل شهر على الأقل.في المقابل لا يمكن إغفال بعض مظاهر القلق في أوساط بعض المسؤولين، مصدرها تقدم قوات "الدولة الإسلامية" نحو مدينة تدمر استغلالا لانشغال الجيش السوري في معارك الشمال، وتقدم قوات درع الجزيرة المدعومة من تركيا في مدينة الباب واحتلالها أحياء في شمالها، في انتهاك لتفاهمات روسية تركية، أما مصدر القلق الثالث فهو القرار الأمريكي الصادر عن الكونغرس برفع الحظر عن إيصال أسلحة ومعدات عسكرية إلى الفصائل السورية التي تقاتل إلى جانب القوات الأمريكية ضد "الإرهابيين".
***
القلق من وصول هذه الأسلحة الأمريكية المتطورة إلى المعارضة التي تقاتل النظام خاصة إذا تضمنت صواريخ مضادة للطائرات (مان باد) الأمر الذي قد يغير موازين الحرب لصالح هذه المعارضة، ولكن الوجود العسكري الروسي المكثف يشكل "بوليصة أمان" بالنسبة للحكومة السورية، حسب أقوال احد المسؤولين السوريين.استعادة الجيش السوري لمدينة حلب العاصمة الاقتصادية، وثاني اكبر المدن في البلاد يظل نقطة تحول جذرية في الأزمة السورية، وإنجاز عسكري ومعنوي كبير للحكومة.. لكن هذا "الإنجاز" على أهميته قد لا يكون نقطة النهاية في الحرب، طالما أن الحل السياسي ما زال في رحم الغيب.الفصل الأهم والأخطر في الأزمة السورية انتهى، لكن هناك فصول أخرى، والرئيس بشار الأسد اعترف بذلك في حديثه إلى صحيفة "الوطن" التي نشرته أمس، وربما يكون من الحكمة التريث وعدم التسرع في إطلاق الأحكام القاطعة.
ساحة النقاش