<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
موت كاسترو وفوز ترامب: صورتان لزمنين
الأحد 27 تشرين الثاني 2016
غسان جواد - بيروت برس -
كل شيء حولنا يتغيّر. ثمّة حياة كاملة تنتهي. وجيل كامل يتساقط. وتتساقط معه تجارب ودول وجيوش وحدود وأفكار وإيديولوجيات، حكمت مفاصل العالم زهاء قرن كامل.
سيأتي يومٌ مؤكد، يعاد فيه ترتيب الأحداث، وتركيب أجزاء الصورة. لكن في انتظار كتابة التاريخ الذي نعيشه، لا بأس في البحث بالرمزيات، والمعاني المضمرة التي تحملها الأحداث. كأن يرحل الزعيم الكوبي فيديل كاسترو، بعد عشرين يومًا من انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة. إذا لم يكن هذا هو "التاريخ" فماذا يكون إذًا؟
الصورة التي تلح أمامي الآن. أفول تجربةٍ إنسانية كبيرة، ومشروعٍ ثوري اشتراكي على "مشارف" دولة الرأسمالية وعلى خاصرتها. مقابل تصعيد ذروة المشروع الرأسمالي بجلده الأبيض إلى أعلى مراتب السلطة والقرار. في العمق، هذه هي صيرورة الحياة وحركة التاريخ. وفي الشكل، ثمّة ثقافة منتصرة تكشر عن أنيابها، مقابل ثقافة تعترف بأن الإنسان يفشل ويذوي ويموت.
قضى فيديل كاسترو حياته مراهنًا على الإنسان. لا تستقيم اشتراكية دون قيم إنسانية واجتماعية. تحدى منطق الجشع والطمع والاستغلال، بمنطق التساوي في الأرباح والإنتاج. قدّم صورة مضادة للصورة التي بشّرت بها الأمبراطورية الأميركية. من واشنطن إلى هافانا. المسافات الجغرافية قصيرة، لكنّ المسافة الفلسفية والمعرفية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية كانت تعادل آلاف الأميال.
انفجار الثقافة الرأسمالية في العالم، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أدى إلى تغيير جذري في المفاهيم، وأفضى إلى أحادية ثقافية ترذل "المختلف " والمتمرد والرافض لمنطق "الأسواق المفتوحة".
انتصر النموذج الأميركي تحديدًا. لكن، هل يعني انتصار ثقافة عالمية أنها الأفضل والأمثل لتسود الكون؟
يموت فيديل كاسترو وقد ترك على الأقل نظامًا تعليميًا وصحيًا مجانيًا بالكامل. فيما يريد دونالد ترامب إلغاء قانون "الضمان الصحي" أو ما بات يعرف بـ"أوباما كير". هل لمستم الفرق بين الفكرتين والنموذجين؟ الإنسان جوهر المعركة.
لا أحد ينكر الإشعاعات الحضارية والعلمية التي قدمتها أميركا. تكفي السينما نموذجًا لخلق لغة إنسانية عالمية موحدة. لكنّ هذا الاختراع لم يكن يحمل مضامين قيمية وحسب. إنما حمل في مشاهده وأبطاله وصوره وأحداثه، الفكرة التي يراد تعميمها، عن "الحلم الأميركي" وثقافة السرعة والاستهلاك. هكذا هي الرأسمالية. تستعمل اللغة والصورة والموسيقى والفلسفة والأديان والأفكار وقيم الخير والسعادة والرفاه، في خدمة المنتج ولأجل أسواق جديدة مفتوحة على الدوام.
يموت كاسترو دون أن تموت القيم التي ناضل لأجلها. الأفكار الجميلة لا تسقط. تسبح في الفضاء وتنتظر. ويأتي ترامب إلى السلطة بكل أفكاره الفوضوية العنيفة، كي يستكمل حروب السيطرة على ثروات الشعوب وإخضاعها سياسيًا وثقافيًا. صورتان تختصران شكل ومستقبل العالم.
عالمٌ أقل رحمة وعدالة، أكثر جشعًا واستغلالا وعنصرية وفوضى.. لكن إلى متى؟
ساحة النقاش