<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
كيسنجر كيري ترامب والأسد بين الهراء والجد والفصل
الثلاثاء 15 تشرين الثاني2016
إيهاب زكي - بيروت برس -
آخر ما يمكن توقعه، هو أن يتأثر هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأشهر بخطاب النفط الإعلامي، فهذا أمرٌ يلامس حدود الاستحالة، لذلك فإنّ ذلك يعطي دليلًا واضحًا على أن اللعبة أمريكية، وما النفط وحراسه وإعلامه إلا مجرد أدوات، رغم أن هذا لم يعد بحاجة لبراهين، بالأحرى لم يكن بحاجة لبراهين، وإلا علينا التسليم بالحضيض المعرفي الذي وصل إليه كيسنجر أو المسارعة بعرضه على أقرب اختصاصي "ألزهايمر". فالمتأثرون بإعلام النفط غرائزيون بطبعهم لذلك فهم طائفيون، أو زُيّن لهم حب الشهوات خصوصًا "البراميل المتبرلمة" من الذهب الأسود، فيقول كيسنجر في لقائه مع مجلة "أتلانتيك" "إن إيران تدعم الأسد ليس لإقامة حلف شيعي فقط، بل لأنها تحلم بإعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية القديمة". ثم يضيف "أن القبول بانتخابات ديمقراطية وطنية هو أمر غير وارد"، يقصد أن الطوائف في سوريا لن تقبل، "إذ أنها-الطوائف-تؤمن بأنّ فريقًا واحدًا سيخرج منتصرًا، وأما البقية المنهزمة سيكون مصيرها التطهير العرقي"، ثم يقترح حلًا يتمحور حول التقسيم على أسس مذهبية وطائفية، وخروج الرئيس الأسد إلى "مناطق العلويين" مؤقتًا قبل مغادرة سوريا نهائيًا.
ثم يضيف اعتقادًا ذاتيًا حول مقترحه مفاده "هذا ما أعتقد بالضبط أن كيري يحاول تحقيقه بشكلٍ ما"، إن ما يقوله كيسنجر هو صلب الموضوع منذ اختلاق فرية أظافر أطفال درعا، ولكن يبدو أن تراكم سنوات العمر كان شديد التأثير على حواس كيسنجر السمعية والبصرية، فهذا الكلام كان مستساغًا وجيهًا في بواكير العدوان على سوريا، لأنه كان يمثل أملًا وحلمًا رأوه قاب قوسين أو أدنى من التحقق. أما الآن، فقد أصبح وهمًا لا تستسيغه حتى عقول المخرفين أو من هم دونهم، كمثل صحافي سعودي وبكل ثقةٍ يدعو حكومته من باب المناصحة، بأن أفضل السبل للتعامل مع الخطر الإيراني، هو إقناع الرئيس الأمريكي المنتخب بخطورة إيران على أربع عواصم عربية، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وذلك من خلال المسارعة بتقديم الملفات الدالة على ذلك له. ولا أريد القول بأنه من الأفضل محاولة إقناعه بخطورتها على "تل أبيب"، حتى لا أمنح هراءه أبعادًا رصينة غير هزلية، لذلك سأقول أليس من الأجدى إقناعه بخطورتها على واشنطن، وخصوصًا على ما يملك ترامب من عقارات، وهذا الهراء أعاد تدويره الصحافي علي الأمين على قناة العربية ولكن بشكل أكثر كوميدية، حين سُئل عما تسرب من صور لعرضٍ عسكري أقامه حزب الله في مدينة القصير، فقال أنه بموافقة "إسرائيلية"، لأنه لولا تلك الموافقة لما تجرأ الحزب على ذلك، وتساءل بحرقة في إطار إثبات الموافقة والتنسيق "أين الطيران الإسرائيلي".
ولكن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي يقول كلامًا لا هراء فيه، "إن الحرب في سوريا لن تنتهي بسقوط حلب"، وهذا الكلام حين مقاربته مع التصريحات الروسية حول فشل الولايات المتحدة بفصل "المعتدلين عن المتطرفين" رغم تعهدها بذلك خلال أسبوع من بدء سريان الهدنة التي استمرت ما يناهز العشرين يومًا، فهذا يعني أن تحرير حلب من الإرهاب أصبح أمرًا واقعًا لا مجرد تخرصات. وما قاله كيري يعني أنه ودولته أصبحا يتعاملان سياسيًا انطلاقًا من هذه القاعدة، لذلك فهو يبني سياسته على اليوم التالي لتحرير حلب، وسيقومون باستغلال الوقت الذي سيستغرقه التحرير في تضخيم بؤر إرهابية أخرى، ولا أقصد بالتضخيم زيادة الدعم المالي والعسكري، لأنّ هذا قائم أصلًا ولم ينقطع، ولكن القصد هو تضخيم الأهمية العملية والإستراتيجية، فالقاعدة السائدة منذ انطلاق معركة تحرير حلب، هي أنها معركة الفصل والحسم، وأن الطرف الذي يحكم سيطرته عليها سيكون أقرب إلى تسجيل انتصاراته محليًا وإقليميًا ودوليًا، وسيصبح مضطرًا لتقديم تنازلات قاسية. إذًا، فإنّ كيري يحاول القول بأن هذه القاعدة ملغاة، وسنعمل على تضخيم وتعظيم أدوار بؤر إرهابية أخرى، لنصنع منها "حلبات" جديدة، وتصبح مثلًا إدلب أو غيرها حلب القادمة، لذلك فمن المرجح أن يكون إيعاز بوتين ببدء عمليات في إدلب وحمص تزامنًا مع معركة تحرير حلب يأتي في هذا الإطار.
إنّ أفضل ما قيل على الإطلاق تعليقًا على الانتخابات الأمريكية، وهو القول الفصل، هو ما صرح به الرئيس الأسد "لا أضيع وقتي بالإصغاء إلى تصريحات ترامب أو كلينتون، ونحن لا نثق بهم سواء قالوا كلامًا سيئًا أو جيدًا"، واستنادًا إلى هذا التصريح نستطيع الجزم بأن القيادة السورية وبعكس من يصطف في خندقها، لا تكترث ولا تعول على أي تغيير في الوجوه الأمريكية. والحقيقة أنه حد هذه اللحظة لا أعرف السر خلف انزلاق بعض الأقلام والألسنة لترويج صلاحية ترامب للملف السوري. لا شك أن انتخاب ترامب سيرخي ظلالًا قاتمة وقد تكون زلزالية على القيّم الإنسانية والمفاهيم التقليدية للعلاقات الدولية، ولا شأن لمعركة سوريا بذلك على الإطلاق، بغض النظر عن تأثرها كأحد أعضاء المجتمع الدولي أسوة بالآخرين. لذلك، فإن كل ما يقوله ترامب عن موقفه من العدوان على سوريا لا علاقة له بالحلول أو التغيير في المواقف الأمريكية، فهذا الترامب يمارس قبل دخوله البيت الأبيض سياسة الابتزاز، تجاه الأطراف التي تملك النفط والمال وتعادي سوريا شعبًا وقيادة، لأن من سيقدم له الملفات عن خطورة إيران، لن يقدمها غير مشفوعة بـ"الشيكات". فإذا كنا على يقين تام بأنّ أخطر ما تواجهه "إسرائيل" هو بقاء الرئيس الأسد وبالتالي انتصار محور إيران سوريا حزب الله، وإذا كنا على يقين بأن ترامب كغيره من الرؤساء الأمريكيين، يعتبر أن "إسرائيل" أفضل الحلفاء، فمن المعيب أن نضع أهدافه في مصلحة سوريا وشعبها وقيادتها. ولا أريد الإغراق في التوقعات، فحتى الآن ليس هناك ما يجعلنا نجزم بتسلم ترامب لحكمه أو كم سيبقى رئيسًا أو كيف سيصبح شكل أمريكا والعالم إن أكمل مدته، ولكن ما تخطى مرحلة التوقعات لمرحلة اليقين، هو انتصار سوريا بمحورها، وأنه في حال انفلات القبضة الأمريكية فلن ينهار العالم، وذلك لوجود محور قوي قادر على إدارة الكون.
ساحة النقاش