<!--
<!--<!--<!--
لا تدافعوا عن الشيعة
السبت 08 تشرين الأول2016
إيهاب زكي - بيروت برس -
في ظل هذه الكتلة الهائلة من الخيانات وهذه الكثبان المهيلة من تلوث المفاهيم، أصبح الانطلاق من بداهة العداء لـ"إسرائيل" في عقول هذا الوحش الجماهيري أمرًا عبثيًا، وهذا توصيف لـ"شارلي شابلن" حين وصف الجماهير بأنها "وحش بألف رأس"، أما "غوستاف لوبو" مؤسس علم نفس الجماهير فيقول "الجماهير عبارة عن قوة لاعقلانية، وهي قوة تدميرية ومجنونة". وقد أتقن النفط زراعة ضمير اصطناعي في العقل الجمعي لهذه الجماهير، كما يقول جمال خاشقجي في رؤيته لما يسمى بـ"الربيع العربي"، هي "موجات من الحرية يقودها شباب انتموا للضمير السني، الذي شكل روح المنطقة على مدى 1400 عام"، وقد أورد هذا الكلام في مقال له تحت عنوان "دافع عن السُنة ولا تبالِ"، وهذا نداء موجه للحكام العرب والترك وجماهيرهم، ولا أود أن يبدو ما سأكتبه هنا من باب الرد على خاشقجي كشخص متفرد بهذه الأفكار، بل هو تفنيد لتلك الكتلة الخيانية الهائلة التي تتحرك بضمير صناعي وبلا عقل، وتكاد تسحق كل تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا دون أي وازعٍ أخلاقي سوى ما تفرزه الأعضاء الإطراحية لآل نفط، لذلك فإنّ كل لفظ "خاشقجي" سيرد لاحقًا هو اختزال لتلك الكتلة لا للشخص.
خاشقجي وهو صحفي بلاط وهو المعنى الحقيقي لصحفي مقرب من العائلة المالكة، لم يكد يجف حبر مقاله حتى ارتكبت طائرات العدوان السعودي مجزرة بحق مجلس عزاء في صالة مخصصة لتلك المناسبات بصنعاء، وكان الشهداء والجرحى يقدمون واجب العزاء في والد وزير الداخلية اليمني، قبل أن تعاجلهم الغارات الغادرة لتحصد 700 شهيد وجريح، وقد لا يكون هناك رابط مباشر بين مقترحات خاشقجي في مقاله وبين المجزرة، لكنه في العمق هو مركز الهدف وأصل الحكاية. فمجزرة بهذه البشاعة لا تستدعي في عرف "الضمير السني" الذي يقصده خاشقجي أي استنكار أو استهجان، بل على العكس تمامًا، فهي قد تستدعي الاحتفاء وتوزيع الحلوى أيضًا، طالما أن المستهدفين شيعة، أو حتى لو كانوا سنة فهم منهم، طالما يرفضون جرائم آل سعود ولو بالنية، وهذا ما يتطلبه نزع صفة الجرائم عن سلوكيات آل سعود وخياناتهم وتبعيتهم، أن يصبح الاصطفاف مذهبيًا، كما أن الدفاع عنهم أيضًا يتطلب ذلك الاصطفاف كما يقول خاشقجي "آخر تجليات الاستهداف الأمريكي للسنة قانون جاستا الذي يستهدف السعودية السنية". ويعتبر خاشقجي أن الولايات المتحدة عدوٌ مبين لأهل السنة، ويورد عدة شواهد على ذلك من ضمنها المواقف الأمريكية في سوريا، وهو يرى فيها تحيزًا أمريكيًا للشيعة على حساب السنة، ثم يجزم بأن ما يجري في حلب هو "محرقة للسنة".
يقوم خاشقجي بمهاجمة كل شخص ينطلق من مخزونه الأخلاقي في مقاربة الصراع، ويعتبر أنه شخص مارق ومنافق، فيقول"إنهم قوم يتجملون بعبارات مثل العروبة تجمعنا، والطائفية سرطان يدمر مناعتنا، حتى المرشد الإيراني يهاجم الطائفية، ولكن ميليشياته وحرسه الثوري الذي يباركها كل صباح باسم الحسين لا يقتلون غير السنة". هذا في الوقت الذي أبدى خاشقجي سعادته بما قاله أردوغان من كونه لن يسمح للحشد الشعبي بالمشاركة في معركة الموصل وارتكاب المجازر بحق السنة، واعتبر ذلك تفوقًا وسبقًا لأردوغان على أقرانه من "زعماء السنة"، الذين يتحفظون على إعلانها حربًا صريحة ومقدسة سنية شيعية، وتزامنًا مع جزم خاشقجي بشجاعة أردوغان وحرص مملكته "السنية" وقوتها، كما يجزم بالعداء الأمريكي للسنة، يورد شواهد تكاد تكون طفولية ومضحكة، ومن ضمنها أن تركيا والسعودية تقدمتا بطلبات متكررة للولايات المتحدة للدفاع عن أهل السنة في سوريا، لكنها رفضت، أو بتعبيره هو "أمريكا تهز رأسها وتقول أنه عرض يستحق الاهتمام-العرض التركي السعودي بالتدخل لإنقاذ أهل السنة في سوريا- ثم تنصرف وتدير ظهرها لحليفها". والأسئلة التي يجب أن يجيب عليها خاشقجي، لماذا ينتظر حماة السنة -آل سعود وأردوغان- موافقة أمريكية على تلبية النداء الإلهي ونداء الواجب الديني، ولماذا يتوقع خاشقجي أن تكون الولايات المتحدة في صفٍ واحد مع السنة، ثم على افتراض وافقت أمريكا على مقترحاتهم النابعة من منطلق "الضمير السني"، فما هو التكييف الشرعي لـ"سنية" أمريكا.
وبالعودة إلى بداهة العداء مع "إسرائيل"، في ظل هذه المقاربة الخاشقجية، كيف سيتم النظر إليه، خصوصًا أن أهل فلسطين هم سنة، فلماذا لم تقم الطائرات السعودية بقصف عزاء بيريز وقامت بقصف عزاء في اليمن. قد يكون بسبب أنه كان من بين الحضور سنة، ولكن الملاحظ من قراءة خاشقجي أنه لا سنة يستحقون الدفاع عنهم إلا في سوريا والعراق، وهذا الهم يشاركه نتن ياهو به، فـ"رئيس وزراء" العدو لا يترك مناسبة دون أن يشيد بأحلافه السنية المعتدلة ضد أعدائهما المشتركين، فكل الدول العربية التي تقيم علاقات سرية وعلنية مع"دولة الكيان" ولسوء الطالع هي سنية، فيما الدول والقوى التي تجاهر بالعداء له وتمارسه هي شيعية، وهذا مناط الاستهداف لا سواه، فالسعودية مثلًا تقوم بدعم مشاريع كبرى في أذربيجان "الشيعية"، فلماذا لا تدخل أذربيجان في معمعة خاشقجي المذهبية، لأنها تقيم علاقات علنية مع "إسرائيل".
إنّ الانزلاق للمنطق الخاشقجي في مقاربة الصراع واعتبار الدفاع عن الشيعة هدفًا محوريًا ومقدسًا، هو بالضبط عار الخيانة التي يريدها لنا هذا المنطق، أو أنّ السنة وتحت وطأة "ضميرهم السني" المختلق يستهدفون الشيعة وبالتالي على الشيعة الدفاع عن أنفسهم كشيعة، فهو أيضًا طريق لهزيمة الجميع، فهذا الضمير المصطنع هو صناعة غربية "إسرائيلية" بامتياز، وهذه هي وجهة المعركة، فكل من يحاول الدفاع عن الشيعة لا عن مستقبل أمة ومصير أوطان هو يتبنى المنطق الخاشقجي "الإسرائيلي" ويجاهد في سبيله، وكل خاشقجي يحاول أن يزرع في رؤوسنا ضميرًا مفتعلًا لحرب الشيعة هو "إسرائيلي" يرتدي "الكيبا" ولو أُوتي آلاف العمائم.
ساحة النقاش