<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
إسرائيل ــ السعودية: نحو تحالف استراتيجي معلن
السبت 01 تشرين الأول 2016
علي حيدر - الأخبار
قد تكون الحاجة لتطوير التحالف بين النظام السعودي وإسرائيل، أكثر إلحاحاً من أي مرحلة مضت. لكن الطرف السعودي يجد نفسه ملزماً باعتماد سياسة التدرج في تظهير العلاقات مع تل أبيب وتطويرها. مع ذلك، فإن مسار التطورات الإقليمية وفشل الرهانات المتوالية قد يدفعان الرياض للمبادرة إلى «قفزة نوعية» في تظهير وتعزيز العلاقات مع تل أبيب
بنظرة خاطفة إلى التحديات التي مرت بها إسرائيل طوال تاريخها، يمكن القول إنها استفادت وتناغمت وتكاملت مع الدور السعودي الإقليمي في أغلب مراحلها وبما يتناسب مع الظروف السياسية لكل منها.
أيضاً، كانت إسرائيل وما زالت العدو اللدود لكل من ناصبه النظام السعودي العداء في العالم العربي. ومع أن الخطاب الرسمي العربي العام والظروف السياسية حالت دون تقارب بين الرياض وتل أبيب في مراحل تاريخية سابقة، لكن ذلك لم يحل دون تموضعهما في المعسكر الدولي والإقليمي نفسه، بل وتقاطعت أولوياتهما في أكثر من محطة تاريخية. ولتفسير هذا التداخل، يكفي الاستناد إلى حقيقة أنّ كلا الكيانين السعودي والإسرائيلي، وُجد في الحيز الإقليمي ذاته، وفي المرحلة التاريخية نفسها، وعلى يد الدولة الاستعمارية ذاتها، بريطانيا، ويتظللان حالياً بالمظلة الدولية نفسها، الولايات المتحدة.لكن الآن، تتبنى كل من تل أبيب والرياض الخطاب السياسي نفسه، وتتقاطع أولوياتهما الإقليمية إلى حد التطابق، في تحديد الأعداء وكيفية مواجهتهم... بل يلاحظ أن مفردات الخطاب الدعائي تكاد تكون هي نفسها سواء لجهة المفردات المذهبية وتصنيف القوى الإقليمية في ما يتعلق بالنظرة والموقف من حزب الله والنظام السوري والجمهورية الإسلامية في إيران. في غضون هذا التوجه، ما نشهده من مواقف وخطاب إسرائيلي رسمي وغير رسمي، وتقارب سعودي باتجاه إسرائيلي ظهر منه حتى الآن، عدد من اللقاءات العلنية، وصولاً إلى زيارة الوفد السعودي إلى إسرائيل، ليس سوى حد أدنى ومقدمة لما يتوقع أن نشهده في المرحلة المقبلة.يمكن اعتماد أكثر من مدخل في تأصيل التطور الذي تشهده العلاقات السعودية الإسرائيلية، وتفسيره بطرق مختلفة. لكن يبقى السياق الإقليمي محورها الأساسي والعامل الأبرز في تفسير الاندفاعية المتبادلة بين تل أبيب والرياض، وصولاً إلى التدرج في تظهيرها، الذي قد يكون متأخراً كثيراً عن حقيقة ما يدور بعيداً عن الأضواء... وهو أمر له سوابقه في العلاقات الإسرائيلية العربية.
العامل الأساسي في اندفاع السعودية نحو الارتقاء بالعلاقات مع تل أبيب، يعود بالدرجة الأولى إلى فشل رهاناتها المتوالية في مواجهة أطراف محور المقاومة. بدأ هذا المسار من الدعم اللامحدود الذي قدمته السعودية في حينه لنظام صدام حسين في حربه ضد إيران، خلال الثمانينيات... تلاه في مرحلة لاحقة، وبفعل تطورات دولية وإقليمية، الرهان على عملية التسوية في إنتاج نظام إقليمي يجهض المقاومة ويقطع الطريق على تبلورها كخيار استراتيجي بديل في حركة الصراع مع إسرائيل. لكن هذا المسار لم تكتمل حلقاته في ظل صمود سوريا في حينه، وانتصار المقاومة في لبنان، ثم انفجار انتفاضة الأقصى عام 2000.أيضاً راهنت السعودية لاحقاً على الاحتلال الأميركي للعراق، لجهة إنتاج نظام سياسي عراقي يؤدي دور الشرطي الأميركي في المنطقة لاحتواء إيران وسوريا والضغط عليهما بل وإسقاطهما لاحقاً، مدعوماً بوجود عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين. ومع التأكيد على أن المعركة لم تحسم حتى الآن على الساحة العراقية، لكن ما كانت تطمح إليه السعودية لم يتحقق في تلك الساحة... وبات أبعد ما يكون من أي وقت مضى.إلى ذلك، فشلت المساعي السعودية والأميركية في الرهان على مسار القرار 1559، وما نتج عنه وتلاه من تطورات توجت بحرب عام 2006، التي رمت إلى إسقاط المقاومة في لبنان وإخضاع النظام السوري أو إسقاطه. وفشلت أيضاً محاولة احتواء النظام السوري، بعدما أظهر صموداً استثنائياًَ في أعقاب احتلال العراق من خلال تمسكه بخيار دعم المقاومة في لبنان وفلسطين، ولم تنجح محاولات إغرائه واستدراجه للانتقال الى المعسكر الأميركي في المنطقة على حساب القضية الفلسطينية وبهدف إسقاط المقاومة في لبنان. وأيضاً فشل الرهان السعودي، ومعه كل من ينتمي الى هذا المعسكر، حتى الآن في إسقاط سوريا واستبدال نظامها ورئيسها بآخر معادٍ للمقاومة وخيارها، يتبنى الخيار السعودي الإقليمي من تل أبيب إلى طهران.
كذلك، مثّل الاتفاق النووي بين الدول العظمى وإيران، تتويجاً لفشل الرهان السعودي الذي كان يستند إلى خطاب أميركي ـ إسرائيلي يوحي بأن مستقبل هذا المسار يتجه إما نحو مزيد من العقوبات التي تشلّ إيران وتهدد نظامها... أو نحو ضربة عسكرية إسرائيلية و/ أو أميركية. الأمر الذي كان سيؤدي أي منهما إلى إعادة تشكيل نظام إقليمي جديد، يُحجِّم إيران، ويضعف المقاومة ومحورها، على أقل تقدير.
تراجع الرهانات على مهاجمة إيران، وتحررها من العقوبات - على الأقل في ما يتعلق بعلاقاتها مع بعض الدول العظمى - وفشل إحكام السيطرة على العراق، وفشل إسقاط الرئيس الأسد... ونجاح المقاومة في لبنان في فرض معادلات عززت قدراتها، ومنحتها هامشاً أوسع. كل ذلك، ساهم في تعزيز حاجة النظام السعودي الى حليف إقليمي بديل يثق بقدراته ويتطابق معه في التوجهات والأولويات، ويراهن من خلال «التخندق» معه على التعويض عن الخسارات الإقليمية المتتالية، وعلى إنتاج قدر من التوازنات والمعادلات التي تحد من مفاعيل تسلسل هذا المسار الفاشل من الرهانات على مكانة السعودية الإقليمية التي تعمقت ورطتها في مواجهة الشعب اليمني.
المستقبل قد يتطلب مهمات لا يمكن معها إبقاء العلاقات سرية
ايضاً، إن هذا المسار نفسه من الرهانات المتوالية التي لم تنجح في تحقيق ما كان تطمح إليه تل أبيب، انعكس سلباً على الأمن القومي الإسرائيلي. من دون تجاهل حقيقة ومفاعيل المخطط التخريبي الذي ضرب سوريا والعراق.وهكذا باتت الحاجة الملحة والمتبادلة بين تل أبيب والرياض، تدفع باتجاه ضرورة تطوير مستوى التنسيق والارتقاء به الى التحالف الاستراتيجي المعلن، وخاصة أن مستقبل التطورات قد تتطلب أدواراً ومهمات لا يمكن إبقاؤها ضمن إطار السرية.
على خط مواز، يبدو أن الأطراف المعنية ترى أنه لتحقيق هذه القفزة لا بد من تدجين الرأي العام وتطبيعه، الأمر الذي يتطلب التدرج في تظهير هذه العلاقات وتطويرها. وهو ما يجري تطبيقه فعلاً.أيضاً، تدرك هذه الأطراف أن هناك شروطاً لا بد من توافرها قبل الإقدام على انعطافة حادة علنية في العلاقات مع إسرائيل، التي من المؤكد أن النظام السعودي سيقدم عليها في مرحلة لاحقة.
أول هذه الشروط أن لا تبقى بوصلة العداء موجهة نحو الكيان الإسرائيلي، ولذلك تصر السعودية حتى الآن على أن يكون المدخل لذلك تسوية ما على المسار الفلسطيني.
وثانياً أن يجري استبدال العداء لإسرائيل، بالعداء ضد العدو المشترك المتمثل بإيران. ولتحقيق هذه الشروط كان لا بد من أداء سياسي وإعلامي مدروس، وينبغي الاعتراف بأنه تجري تأديته على أكمل وجه.في غضون ذلك، وبهدف استنهاض الشارع الإسلامي «السني» لمصلحة هذا الخيار، لا بد من معارك تحمل عناوين مذهبية وأداءً إعلاميا مذهبيا وسياسة حقن مذهبي.وفي هذا الإطار ليس صدفة أن كل الخطاب الإسرائيلي الرسمي، وتحديداً على لسان نتنياهو وسائر المسؤولين الإسرائيليين، ومعه الخطاب الإعلامي ومقاربات الخبراء السياسيين، ومعاهد الدراسات تتبنى المصطلحات نفسها التي تخدم هذا الاتجاه في التعبئة المذهبية. فمثلاً في إسرائيل يتبنون تسمية المحور الشيعي بدلاً من محور المقاومة، وكأن السنة لا علاقة لهم بالمقاومة، وتجري تسمية المحور المعادي للمقاومة وتدعمه إسرائيل بالمحور السني المعتدل،للإيحاء بأن إسرائيل إلى جانب السنة المعتدلين في مواجهة محور المقاومة.
وخصوصية هذا الخطاب السعودي ــ الإسرائيلي أنه يحاكي مباشرة الجمهور السني، انطلاقاً من إدراكهم أن نجاح أي مخطط لا بد أن يمر بالضرورة بتحويل إسرائيل الى كيان طبيعي في المنطقة، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا عبر «البوابة السنية» باعتبارهم الأكثرية في المحيط العربي لإسرائيل.على هذه الخلفية، كل عملية ينفذها شاب فلسطيني ضد الجنود والمستوطنين في داخل إسرائيل، تمثّل طعنة حقيقية للمخطط السعودي في هذا المجال. لأنه يؤكد ويكرس بوصلة العداء لإسرائيل، ويساهم في المحافظة على تصدر ووهج القضية الفلسطينية وعلى أن لها الأولوية في الصراع، وأن الشارع السني ليس ورقة بيد السعودية تزج به في معارك وفق الأولويات الأميركية في المنطقة.
بدرجة لا تقل أهمية، تبلور واقع أميركي دولي رأت فيه السعودية دافعا إضافيا للبحث عن حليف إضافي يعزز من مكانتها الإستراتيجية ويعدل من المعادلات الإقليمية في مواجهة محور المقاومة، وهو ما يتوافر بالضرورة بإسرائيل. وفي التفصيل، هناك انطباع وتقدير إسرائيلي وسعودي، بأنه لم يعد بالإمكان الركون التام إلى السياسات الأميركية في المنطقة. ويستندون في ذلك، إلى تصور مفاده بأنّ الخيارات الإستراتيجية للولايات المتحدة، بعد احتلال العراق وأفغانستان، والأزمة الاقتصادية العالمية إضافة إلى تغيير ما في معادلات القوة في المنطقة، لم تعد تتلاءم مع ما تراه كل منهما لما ينبغي أن يكون عليه الخيار الأميركي. وأكثر ما برز هذا المفهوم في ردات فعلهما على الانكفاء الأميركي في مواجهة إيران خلال المفاوضات النووية، وهو ما عدّاه خضوعا للجمهورية الإسلامية، وفي مواجهة النظام السوري.
هذا الواقع، دفع رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، اللواء يعقوب عميدرور الى القول ان السعودية وسائر الدول التقليدية «تحافظ على الوضع القائم وموجودة في منطقة لا تتوقف عن التغير، وتبحث عن مرساة من أجل تحقيق الاستقرار، وإسرائيل هي هذه المرساة». وبهدف القفز الى ما يجسد طموح الطرفين السعودي والإسرائيلي، دعا عميدرور إلى «بناء منظومة علاقات تمثّل مظلة مشتركة من أجل تحرك تقوم به الدول السنية وإسرائيل ومن ثم يمكن ضم الفلسطينيين إليه من أجل البدء بالمفاوضات». وخلافاً للماضي، فإن تحسين العلاقات في هذا الوقت لا يقل في نظر الدول العربية أهمية عنه بالنسبة لإسرائيل، لكن العقبة الفلسطينية تعيقهم عن ذلك، وليس واضحاً ما إذا كانت هذه الدول قادرة على التغلب على هذه العقبة على الرغم من مصلحتها في ذلك. وشدد عميدرور على ضرورة «أن تفكر إسرائيل في كيفية تقديم المساعدة من أجل تحقيق ذلك، لأن ما يجري هو فرصة تاريخية».استناداً إلى هذا الواقع الذي آلت إليه التطورات، وبفعل التراجع السعودي في كل ساحات المواجهة، وعلى قاعدة المصالح المشتركة والأعداء المشتركين، وانطلاقاً من أن إسرائيل تحوَّلت، وفق الرؤية التي جرى تقديمها، إلى ضمانة استراتيجية للسعودية لكون التحالف معها قد يساهم في تعديل التوازن الإقليمي في مواجهة محور المقاومة، ينبغي أن نوطِّن أنفسنا منذ الآن على حقيقة أننا سنشهد في مرحلة لاحقة قفزة نوعية سعودية باتجاه تظهير وتطوير التحالف مع إسرائيل.
ساحة النقاش