<!--
<!--<!--<!--
مؤتمر من هو المسلم بعد مؤتمر من هو السني
السبت 03 أيلول2016
إيهاب زكي - بيروت برس -
إبان ثورة المهدي في السودان، الذي ادّعى أنه المهدي المنتظر، وبعد أن أنهك بريطانيا العظمى وأباد كل ما أرسلت من جيوش لإخماد ثورته، قامت بريطانيا بإرسال تشارلز جوردون والذي يعتبر أسطورة بريطانية، وهو كما تُعرّفه كتب التاريخ جندي مسيحي باسل، ومن ضمن أقواله أنه كان يهتدي بالإنجيل ويستشيره يوميًا، وقد التفت الأمريكي جون وولر العامل بمكتب الخدمات الإستراتيجية أثناء الحرب العالمية الثانية لأوجه الشبه بين جوردون والمهدي، ومن ضمن ما قاله "كان الاثنان يعبدان إله العهد القديم بحماسٍ متقد"، وخلاصة القول إنّ كليهما كان يعتقد بامتلاك الحقيقة المطلقة، وفي النهاية قام رجال المهدي بالانتصار وقطع رأس جوردون وحملوه إلى مهديهم وعلقوه على شجرةٍ لتأكله الجوارح. وقد علق كاتب السيَر الذاتية ليتون ستراتشي ساخرًا على هذه النهاية بالقول "وأخيرًا التقى المتعصبان بعضهما وجهًا لوجه"، وهذه العبارة تنطبق على المواجهة المستجدة التي أحدثها مؤتمر غروزني لتحديد أهل السُنة، فللمرة الأولى منذ الطفرة النفطية -التي ساهمت بتغول الوهابية- يتصادم المتعصبان الليّنان وجهًا لوجه، والعصبية واللين هنا حسب ما تقتضيه مصلحة الحاكم بأمر الله.
إنّ الحضور في غروزني كان متنوعًا حد التناقض، فهناك الأزهريون الذين وعلى المستوى الفقهي يمقتون الأفكار الوهابية، وكانوا يصفونها بفقه البداوة والتحجر، فيما هم على المستوى السياسي كانوا يتجنبون الصدام مع الشرع السعودي بل وبدوا تابعين أحيانًا لظروفٍ سياسية ومالية، لكنهم اليوم يحضرون ليس فقط بالشكل الفقهي والشرعي بل بالمضمون السياسي أيضًا، كما كان حضور الحبيب الجفري ورعاية مؤسسته للمؤتمر، مؤسسة طابة للاستشارات، وتمويلها ومقرها دولة الإمارات، والإمارات تمقت الإخوان المسلمين لكنها تحابي الوهابيين، بل هي وهابية النخاع وإن كانت انفتاحية البشرة. وحزب النور السلفي في مصر حليف المؤسسة الرسمية تم إخراجه من أهل السنة والجماعة حسب مقررات المؤتمر رغم الحضور المصري الرسمي، وقد اعتبر ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية في مصر أنّ المؤتمر حاول سرقة لقب أهل السنة والجماعة من أهله، وهو حتمًا يقصد السلفية بـ"أهله"، كما تم إخراج الإخوان المسلمين من عباءة أهل السنة وهم حلفاء الإمارات الحاضرة في اليمن وفي المؤتمر وإن من خلف ستار، وهذه التناقضات تعبير جليّ عن حالة التيه التي تعانيها الأمة، وحالة فقدان البوصلة في تحديد العدو والصديق، كما أنها تعبير فج عن التخبط بين السياسي والشرعي وبين الشعبوي والنخبوي.
إنّ التأله على الله ليست فكرة إسلامية حصرية، بل إن جل الأمبراطوريات منذ فجر التاريخ كانت تحاول صياغة أطماعها وأهدافها باعتبارها رغبات إلهية، فقد قال مثلًا اللورد كيرزن تعبيرًا عن عظمة الإمبراطورية البريطانية "بريطانيا هي أعظم آلة للخير رآها العالم أبدًا، وهي تعمل تحت رعاية الرب"، وصولًا لوحي بوش الصغير، حتى أن هناك شيخًا نجديًا، اعتبر أن أهل نجد وحدهم هم الفئة الناجية. وكما أنّ فكرة البغض في الله لم تكن حكرًا دينيًا إسلاميًا أيضًا، فقد ظلت أوروبا المسيحية طوال ألف عام تتعوذ من شرور"عبدة محمد" وتدعو عليهم في الكنائس، فيما الآن يتم الدعاء على الجميع من فوق "منابر محمد"، فهل سيصبح الآن الدعاء أشمل وأعم، حيث سنسمع دعاءً على السلفية والوهابية والإخوان من فوق المنابر بأن يأخذهم الله أخذ عزيزٍ مقتدر؟؟ إنّ من يستمع لإمام الحرم المكي وهو يدعو على جميع الخلق بالهلاك، يراوده شعورٌ بأن الله ارتكب خطيئة كبرى بخلقهم، وأن أتباع هذا المذهب يدعونه ليصحح أخطاءه، وهذا ما لا يخوّلهم توجيه النقد لمقررات المؤتمر، كما أن الوهابية خصوصًا والسلفية عمومًا يطعنون في مذاهب الأشاعرة والماتردية وكل ما عداهم استباقًا وابتداءً، ويقولون بأن أبا الحسن الأشعري عاد إلى رشده وإسلامه في آخر أيامه، وهذه شفاعة تخصه ولا تعم أتباعه، وبالمناسبة فإن الغالبية العظمى من أهل السنة هم أشاعرة.
قد شن الإعلام الإخواني والوهابي والسلفية هجومًا ضاريًا على مقررات المؤتمر، فقد وصفه القرضاوي بأنه مؤتمرٌ ضرار، يسعى إلى التفرقة والفتنة، وأنه في رعاية روسيا التي "تقتل المسلمين في سوريا، وهو الشيء الذي لم يلاحظه المؤتمر حسب وصفه، بينما القرضاوي نفسه يلاحظ القتل اليومي الذي تمارسه السعودية في اليمن دون أن يبدي امتعاضًا ولو بكلمة، بل على العكس فهو يؤيد ويبارك القتل. والملاحظ في ردود الفعل اختلاط حابل السياسة بنابل الشرع، وبعيدًا عن التأصيل الشرعي والسجال الفقهي، فإنّ مجرد انعقاد المؤتمر واستثناء السعودية ولفيفها، يعني ارتخاءً للقبضة السعودية عن رقاب المسلمين وعقولهم، وأن الرشوة وهي أهم الأسلحة السعودية لم تعد حادة النصال كما كانت، وستستخدم السعودية مكان انعقاد المؤتمر لمحاولة نسف مقرراته واعتبارها كفرًا، مستغلةً المواقف الروسية من العدوان على سوريا. إنّ ما حصل في هذا المؤتمر خطوة في الاتجاه الصحيح على المستوى السياسي، وحتى تكتمل وتتوّج لا بد من توجيه الطعنة النجلاء لكل مما أنتج النفط من بؤسٍ وفتن، وعقد مؤتمر في القاهرة أو دمشق أو تونس أو حتى إندونيسيا لتحديد من هو المسلم، فهذا من شأنه تكسير السلم السعودي للصعود نحو الفتنة السنية الشيعية، وهو آخر ما يمكن أن تقدمه السعودية لخدمة المصالح الصهيونية.
ساحة النقاش