<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
داريا.. هجرة الإرهاب واستيطان المذهب
الأربعاء 31 آب 2016
إيهاب زكي - بيروت برس -
هناك واقعٌ يجب أن يقبل به العالم مكرهًا أو طائعًا، وهو أنّ الهزيمة القصوى التي يمكن أن تتجرعها الدولة السورية وجمهورها، تتجلى في القبول بحكومة مركزية يحوز فيها قدري جميل أو حسن عبد العظيم حقائب وزارتَي الزراعة والبيئة مثلًا، والأسماء هنا للتمثيل لا للقصد كما هي أسماء الحقائب. وأما في اليمن، فإنّ مجرد وجود عبد ربه هادي منصور حتى في وزارة البطيخ الأصفر-وهنا الأسماء للقصد لا للتمثيل- فهي هزيمة غير محتملة، ولا يمكن لمنتصرٍ كاليمن القبول بها، حيث أن المكان الوحيد الذي يصلح لوجود هادي على أرض اليمن، هو قفص الاتهام بجرم الخيانة العظمى، كما هو الحال مع كل رموز ما تسمى بـ"الثورة السورية". فهؤلاء لا يمكن التعامل معهم بغير الشكل القانوني، وحسب قانون العقوبات حصرًا، فالتعامل معهم على قواعد سياسية لا تتوافر حيثياته على الإطلاق، وقد استمعت لأحد المعارضين وهو يدين التدخل التركي بأقسى العبارات، وقبل أن أشكك في لياقتي السمعية عاجلني باليقين، حيث الإدانة لاكتفاء تركيا بجرابلس ولن تكمل إلى دمشق، فأين وجه السياسة في هذا الدليل القاطع.
هناك عملية تضليل هائلة وقد تكون غير مسبوقة تاريخيًا، يقوم بها سائسو العقول حسب تعبير أحد علماء الاجتماع، ويقوم إعلام النفط بتوفير المنابر لهم وكل ما يحتاجون إليه من إمكانيات، فيقومون بدورهم بتزييف الوعي وتسطيح الأفكار وتوجيه الجمهور حيث يريدون، خصوصًا أنهم يعتمدون على تدفق غير منقطع من التعدد الكمي للمنابر، وكما يقول هربرت شيللر في كتابه "المتحكمون بالعقول"، "إن المسيطرين على الإعلام يعمدون إلى الخلط بين وفرة الكم الإعلامي وبين تنوع المضمون. ففي أمريكا سهل على المرء أن يعتقد أن الأمة التي تمتلك 6700 محطة إذاعية تجاربة وما يزيد عن 700 محطة تلفزيونية و1500 صحيفة يومية ومئات الدوريات وصناعة سينما تنتج 200 فيلم سنويًا، لا بد من أن توفر تشكيلة شديدة التنوع من الإعلام". إلا أن الكاتب يخلص إلى أنه لا فرق ولا تنوع، وشبه الأمر بأنه مثل "سوبر ماركت يعرض ستة أنواع متماثلة من الصابون بألوان مختلفة"، لذلك فهو يؤكد صحة النظرية القائلة بوجود ما يسمى بحراس البوابة الإعلامية، والتي لا يمكن تقديم أي مادة إعلامية دون انتقائها من قبل هؤلاء أو دون أن يوافقوا عليها، وهذا ما ينطبق على تغطية العدوان على سوريا أو اليمن، ومؤخرًا فيما حدث من تطهير لآخر بؤرة إرهابية في داريا، حيث أينما أدرت مؤشر الإذاعات أو جهاز التحكم التلفزيوني أو الجرائد والمواقع ستجد أيقونة واحدة تدور حولها كل الهالات السوداء، وهي التطهير المذهبي.
فقد أصبحت هذه الأيقونة عبارة عن أحد الأساطير الراسخة وغير القابلة للنقض، والتصدي لها أشبه بمجازفة القفز إلى الهاوية، حيث تتم شخصنة الموضوع بتوجيه الاتهامات بالتشيع والذيلية لمشروع فارسي متخَيّل، فيغدو من يتصدى لتفنيد هذا الهراء مضطرًا للدخول إلى قفص الاتهام ليدافع عن نفسه وتفنيد ما اتهم به. وعليه، يصبح كل ما يقوله في دائرة الشك واللامصداقية، لأنه منكرٌ لمظلومية قبيلته "السنية"، متآمرٌ عليها لمصلحة شخصية أو هوىً، وبالتالي مهما امتلك من حجةٍ ووجاهة رأي كأنها الهباء. فحين نأخذ داريا مثلًا، نجد أنه تم تكريس مفهوم التغيير الديمغرافي القسري، وبعد شهرٍ من الآن أو أكثر وحين يعود المهجرون بفعل الإرهاب إلى داريا، لن يعتذر ذلك الإعلام عن افتراءاته المتعمدة، كما أنه لن يهتم فيما لو قام الإعلام المهني بتغطية عودة المهجرين "السنة" إلى ديارهم، لأنّ الأصل هو التحريض والتجييش من جانب وتبرير الإرهاب من جانب آخر، وهذا ما حصلوا عليه بالفعل من خلال تكريس مفهوم التطهير المذهبي. وهنا يجب الإضاءة على مفارقةٍ عُجاب، من يحمل السلاح ضد الدولة السورية هو إرهابي بغض النظر عن مذهبه أو جنسيته أو دينه، والواقع أنهم جميعًا من مذهب واحد، وأذكر قبل أكثر من سنتين، تم الإعلان عن كتيبة مسيحية مسلحة تقاتل "النظام"، لنفترض أن الأمر ليس مجرد تمثيلية "ثورية"-وهو كذلك- للإيحاء بوحدة الشعب وتعددية "الثورة"، فهذه الكتيبة ستكون بحكم جبهة النصرة في عرف الدولة، فالدين ليس شفيعًا للجريمة، وكذلك لو قامت كتيبة "شيعية" بممارسة ذات الفعل ستعاملها الدولة كـ"جيش الإسلام".
ولكن حتى الآن، كل من انتسب لتلك المجاميع الإرهابية وحمل السلاح هم من لون واحد وهذا ليس ذنب الدولة، ولكن في الوقت الذي اقتصر حمل السلاح على هذا اللون، وهو يقاتل تحت عناوين مذهبية وطائفية، هناك من يقاتل مع الإرهاب وينافح عنه بالقلم أو بالموقف، وهذا الصنف لا يقتصر على "السنة"، بل فيه من كل المذاهب والطوائف بما فيها طائفة الرئيس السوري، والذي بالمناسبة لا طائفة له سوى سوريته وعروبته. وهناك مصطلح يتم تداوله وهو "شيعة السفارة" والذين هم "ثوريون" ويؤيدون ما يسمى بـ"الثورة السورية"، فماذا لو قام "المشروع الفارسي الشيعي" بتوطين هؤلاء في داريا، فماذا سيكون موقف كل "الثوريين"؟ ولنوغل أكثر في الافتراضات، لنفترض أن قام هؤلاء بحمل السلاح ضد الدولة، من أي باب سيتم تأييدهم من قبل داعش وجبهة النصرة وكل "الثائرين"، قطعًا من باب ضرب الظالمين بالظالمين. ولنفترض أنّ "النظام" قام بتوطين المسيحيين في داريا، فكيف سينظر لهم ميشيل كيلو وجورج صبرا وغيرهم من "مسيحيي الثورة"، إن حملوا السلاح ضد الدولة فهم مؤمنون ثوار، وإن لم يفعلوا فهم "شبيحة" سيقول صبرا وكيلو وجمعهم.
خلاصة القول، الدولة إن كانت غولًا ستلتهم الجميع وتعاقب الجميع وتضطهد الجميع -بالقانون-، وإن كانت أمًا ستطعم الجميع وتثيب الجميع وترحم الجميع -بالقانون-، وأما الإرهاب سيقتل كل من ليس إرهابيًا ثم كالنار يأكل بعضه بعضًا بلا أي قانون، والضحية سوريا دولةً وأرضًا وشعبًا وقضية.
ساحة النقاش